بعد استقالة ديسالين.. إثيوبيا على مفترق الطرق
الصومال الجديد
آخر تحديث: 17/02/2018
تشهد إثيوبيا تحولا يوصف بأنه هو الأخطر من نوعه في تاريخها الحديث، وذلك بعد استقالة هايلي مريم ديسالين يوم الخميس الماضي من منصبي رئيس الوزراء وقيادة حزب الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي “الائتلاف الحاكم”، وبحسب بعض المحللين الذين شاركوا في نقاش تم بثه عبر القسم الصومالي لإذاعة صوت أمريكا ليلة الجمعة، فإن الاستقالة تأتي إثر ضغوط داخلية نجمت من خلافات داخل الحزب الحاكم حول عدد من القضايا والملفات السياسية في إثيوبيا.
توقيت قرار الاستقالة
تتزامن استقالة ديسالين في وقت تحاول فيه الحكومة الإثيوبية إجراء إصلاحات سياسية لتهدئة الوضع الداخلي المضطرب، ومن أبرز الخطوات في هذا المنحى إطلاق سراح السجناء السياسيين، الذين تم القبض عليهم أنثاء الاحتجاجات التي شهدتها إثيوبيا في الفترة الأخيرة.
كما تأتي هذه التطورات في وقت تجري فيه مفاوضات بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الوطنية لتحرير أوغادين (ONLF) في العاصمة الكينية نيروبي. وقد أبدى بعض المشاركين في هذه المفاوضات، وخاصة ممثلي الجبهة تفاؤلا حيال التوصل إلى حل ينهي النزاع المسلح بين الحكومة والجبهة.
ويعتقد أن استقالة ديسالين جزء من الخطوات الرامية إلى تحقيق ما يسمي بالإصلاح السياسي في البلاد، لإنهاء الأزمة السياسية التي عانتها البلاد في الفترة الأخيرة.
دوافع الاستقالة
هناك جملة من الأسباب التي دفعت ديسالين إلى الاستقالة من منصبه، ومن هذه الأسباب استمرار الاحتجاجات في بعض مناطق إثيوبيا حتى بعض الإفراج عن السجناء السياسيين، بالإضافة إلى التوترات الأمنية الناجمة من الحروب بين القوميات المختلفة في إثيوبيا، علما أن اشتباكات دامية جرت بين قوميتي أوروما والصومال في فترات مختلفة، مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة، وتشرد كثيرين من منازلهم. يشار إلى أن هناك خلافا سياسيا حول كيفية إدارة بعض الملفات داخل الحزب الحاكم في أديس أبابا. هذا وليس من المستبعد كما يشير بعض المحليين إلى وجود ضغوط دولية من قبل بعض القوى العظمي بسبب توجه أديس أبابا في الفترة الأخيرة نحو الصين الشعبية، وخاصة فيما يتعلق بتطوير البنى التحتية ومعاقدة شركة صينية في إنتاج الغاز الطبيعي في المنطقة الصومالية بإثيوبيا وتصديره إلى الخارج.
المرشحون لخلافة ديسالين
على الرغم من أن إثيوبيا دولة شديدة التكتم؛ بحيث تتم صناعة القرارات السياسية غالبا خلف الأبواب الموصدة، غير أن وسائل الإعلام الدولية أشارت إلى ثلاثة سياسيين مرشحين لخلافة ديسالين، وهم: ليما ميجيرسا، رئيس منطقة «أورومو»، التى تمثل أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، ونائب رئيس الوزراء، ديميك ميكونين، الذى ينتمى إلى القومية «الأمهرية»، فيما احتل ورقينى قيبو، وزير الخارجية الحالى، الذي ينتمي أيضا إلى قومية أوروما، المرتبة الثالثة من بين المرشحين الثلاثة.
فرض حالة الطوارئ
أعلن مجلس الوزراء الإثيوبي يوم الجمعة فرض حالة الطوارئ على جميع أنحاء البلاد. وذكر التلفزيون الإثيوبي الحكومي أن مجلس الوزراء توصل في اجتماع له إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد عقب مناقشات للمجلس بشأن التحديات الأمنية والاضطرابات والاحتجاجات التي شهدتها البلاد، معتبرا الاحتجاجات الجارية بأنها تشكّل خطرا على أمن واستقرار ووحدة الشعوب الإثيوبية. وأوضح أن تنفيذ حالة الطوارئ سيكون ساريا من تاريخ الإعلان. ويمنح الدستور الإثيوبي في ظل إعلان حالة الطوارئ صلاحيات استثنائية للجيش والأجهزة الأمنية لاتخاذ التدابير المناسبة. وتستمر حالة الطوارئ كما أفادت مصادر صحفية لمدة ثلاثة أشهر.
آمال ومخاوف
التقلبات السياسية الجديدة في إثيوبيا التي تعتبر بلدا متعدد الأعراق والأديان والثقافات تحمل في طياتها آمالا ومخاوف في آن واحد.
أولا: الآمال
يعتبر بعض المراقبين استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي بأنها فرص مواتية لإحداث إصلاح سياسي في البلاد، وذلك عبر فتح قنوات الحوار مع المكونات الأساسية للمعارضة، وتوسيع المشاركة السياسية لمختلف القوميات المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بالتوصل إلى حل سلمي للنزاعات مع الجبهات المسلحة، والتي منها جبهة تحرير أروميا والجبهة الوطنية لتحرير أوغادين، من أجل تحقيق سلام شامل وإرساء قواعد الديمقراطية والحكم الرشيد عن طريق الانتقال السلمي للسلطة وكفالة حرية التظاهر وحرية التعبير والممارسة السلمية للأنشطة السياسية. وإذا نجح الائتلاف الحاكم في استجابة مطالب المعارضة، فإن إثيوبيا الحديثة يمكن أن تتجه نحو الديمقراطية.
ثانيا: مخاوف
على الرغم من آن الآمال التي تلوح في الآفق، إلا أن هناك في نفس الوقت مخاوف أكبر حجما من الآمال، وتتمثل هذه المخاوف في انعدام الثقة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة التي طالما عانت من القمع السياسي وتكميم الأفواه في السنوات الأخيرة.
ويرى زعماء المعارضة الإثيوبية خطوة استقالة ديسالين بأنها لا يمكن اعتبارها مكسبا سياسيا كبيرا في حد ذاتها، في ظل وجود الائتلاف الحاكم نفسه الذي يسيطر على مقاليد الحكم في إثيوبيا، ويهمين على المقاعد البرلمانية. ويمكن أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء لفرض حالة الطوارئ على البلاد ردا على التطورات الجديدة تعتبر كذلك من العوامل المغذية لاستمرار الاحتجاجات، وتؤجج مشاعر الغضب لدى المحتجين الذين يشعرون بأن مطالبهم سوق تتحقق إذا ما استمروا في الاحتجاجات، وإن استقالة ديسالين ليست إلا بداية لمرحلة جديدة، مما يمكن أن يؤدي إلى تدخل الجيش الإثيوبي الذي يعتبر أقوى جيش في منطقة القرن الأفريقي في القضية لحسم الاحتجاجات التي يراها النظام بأنها تعيق الاستقرار الأمني والسياسي والنمو الاقتصادي ووحدة الشعوب الإثيوبية. ومن هنا تنبع المخاوف الذي تثير القلق لدى بعض المراقبين الذين يخشون من انزلاق إثيوبيا في حرب أهلية ضروسة قد تدفع دول المنطقة ثمنها باهظا.