القـرن الإفـريقـي: لعبة المصالح الدولية وحسابات دول المنطقـة (3)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 16/02/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 19
خارطـة التوازنات الدوليـة في القرن الإفريـقي
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الجهات الفاعلة في منطقة القرن الأفريقي، وركزت تلك الحلقة بالتحديد على النفـوذ الأوروبي “التقليـدي” في القـرن الإفريـقي، وكذلك دور الولايات المتحـدة الأمريكيـة واستـراتيجيـة ملء الفـراغ، بالإضافة إلى بواعـث الاهتمـام الصينـي المتنامي، وطبيعـة الوجـود الإسـرائيلي في المنطقة، وفي هذا الجزء يتناول التقرير:
التمـدد الإيـراني في القـرن الإفريـقي
إن الاهتمـام الإيـراني لإفـريقيـا ليـس جـديداً، بل إن ذلك بدأ مبـاشرة مع قيـام الثـورة الإيـرنيـة في أواخـر السبعينيـات من القـرن الماضـي، حيـث أعطـت القيـادة الجـديدة أولويـة كبيـرة للقـارة السمـراء باعتبـارها أرضـاً خصبـة لنشـر التشيـع عبـر استـراتيجيتهـا التوسـعية أو ما عـرف حيـنها بتصـدير الثـورة إلى الخـارج، وبالتـالي ليـس غـريباً أن تكـون منطقـة القـرن الإفريـقي بثـرواتها وإمكـانياتها وموقـعها الاستـراتيجي الفريـد، هـدفاً للأطمـاع الإيـرانيـة في وسـط هـذا التـدافع الحضـاري والتنافـس الدولي والإقليمـي المحمـوم الذي يعيـشه العـالم اليـوم.
ولا شـك أن تنـامي النفـوذ الإيـراني في منطقة القـرن الإفريـقي، يتنـاغم مع سيـاساتها المعلـنة لبسـط السيطـرة على المناطق الاستـراتيجية والحيـوية في إفـريقيا والعالـم الإسـلامي.
كمـا أن إيـران تـرى الوجـود العسكـري الأمريـكي والإسـرائيلي في المنطقـة بأنـه يشكـل تهـديداً حقيقيـاً على أمنهـا ومصالحهـا، ولذلك اتجهـت نحـو تكثيـف وجـودها العسكـري الاستخبـاراتي في إريتـريا والعـديد من دول المنطقـة لهـدف خـلق نوع من التـوازن الاستـراتيجي، والمراقبـة لأي تحـرك يهـدد أمنهـا ومصـالحها في المنطقـة.
وفي الخـلاصـة نستطيـع القـول بأن النخبـة الإيـرانيـة نجحـت خـلال العقـد الماضـي، في توطيـد عـلاقاتها السيـاسية والاقتصـادية والتجـارية مع دول القـرن الإفريـقي خاصـة تلك الدول المطـلة على البحـر الأحمـر أوالمحيـط الهنـدي.
الاهتمـام التركـي بالقـرن الإفريـقي
تعـود جـذور العـلاقات التـركية بالقـرن الإفريـقي إلى حقبـة الحكـم العثمـاني في المنطقـة، بيـد أن نفـوذها التـاريخي قـد انحـسر بشكـل كبيـر مـع سقـوط الـدولة العثمـانيـة، وثمـة العديـد من العـوامل قـد سـاهمت في ذلك نـذكر منهـا الآتي:
انهيـار الدولـة العثمـانية.
سقـوط كافـة دول المنطقـة تحـت احتـلال الاستعمـار الأوروبي.
تغيـر أولويـات السيـاسة التـركية وتراجـع اهتمـامها في منـاطق نفـوذها التـاريخية.
التوجـه التركـي نحـو أوروبـا للإنضمـام إلى الإتحـاد الأوروبي.
ضعـف القـدرات والإمكـانات للحكـومات التركيـة المتعاقبـة
المحاولـة التركيـة لاستعـادة نفـوذها في المنطقـة
شهـدت السيـاسة الخـارجية التـركية في مطلـع الألفيـة الجـديدة، تحـولات جـذرية متمثلـة بتـزايد الاهتمـام التـركي بإفريقيـا ودول القـرن الإفـريقي تحـديداً، وتـزامن ذلك مـع متغيـرات وتحـولات كبيـرة في خـارطة السيـاسة الدوليـة والإقليميـة، بيـد أن هـذا التوجـه التـركي الجـديد قـد بـرز بشكـل أكثـر سطـوعاً مـع وصـول حـزب العـدالة والتنميـة الحاكـم إلى السـلطة في تركيـا عـام 2002م.
فقـد بـدأت الحكـومة التركيـة سلسـلة من الإجـراءات والتـدابيـر تدعـم سيـاسة الانفتـاح التـركي على إفريقيـا، كمـا استخـدمت مجمـوعة من الأدوات والأسـاليب من أجـل تحقيـق الهيمنـة والنفـوذ في دول القـرن الإفريـقي، خصـوصاً مـع التنـافس الدولـي والإقليمـي الشـرس على المنطقـة، وفي هـذا الصـدد يمكـن الإشـارة إلى أربعـة أدوات رئيسيـة وهـي:
أولاً: الدعـم الاقتصـادي
إن الدعـم الاقتصـادي يمثـل حجـر الزاويـة الذي تركـز عليـه السيـاسة التركيـة تجـاه دول القـرن الإفريـقي، وهـو الأمـر الذي أوصـت به “خطـة إفريقيـا” عـام 2005م، ليكـون منطلقـاً اسـتراتيجياً للتوجـه التـركي الجـديد نحـو القـارة السمـراء، وفعـلاً كـانت الخطـة بمثـابة الإعـلام التسـويقي الذي يفتـح شهيـة الأفـارقة لفتـح الأبـواب أمام المبـادرة التركيـة الجـديدة.
وقـد سعـت تركيـا إلى تعـزيز العـلاقات الاقتصـادية مـع دول القـرن الإفريـقي، من خـلال الاستثمـارات وتوسيـع التبـادل التجـاري، وذلك كمدخـل للتأثيـر على هـذه الدول وبنـاء جسـور التـواصل مع الشعـوب الإفريـقية.
وفي هـذا السيـاق شـرعت تركيـا في العمـل على تقـوية علاقـاتها بالهيئـة الحكـومية للتنميـة (IGAD)، وانضـمت إلى البنـك الإفـريقي للتنميـة، كما حصلـت على صفـة مراقـب في الإتحـاد الإفـريقي.
وواكـب ذلك زيـادة الاهتمـام السيـاسي التـركي بدول القـرن الإفـريقي، الذي دلَّ عليـه تدفـق الوفـود التـركية عليهـا وبأعلى المستـويات، ومنهـا الزيـارات المتتـالية التي قـام بها الرئيـس التـركي رجـب طيـب أوردغـان، وأعضـاء من حكـومته في المنطقـة، ودعـوة الرؤسـاء والمسـؤوليـن الأفـارقة للمشـاركة في القمـة التركيـة الإفريقيـة التي احتضنتهـا مدينـة اسطنبـول التركيـة عام 2008م.
شهـدت تلك الفتـرة، تطـوراً نوعيـاً وكميـاً للزحـف الاستـراتيجـي التـركي نحـو القـرن الإفـريقي، وكـان إعـلان تركيـا استعـدادها التـام لدعـم دول المنطقـة في شتـى المجـالات أول الغيـث، وقـد ترجـم ذلك إلى عـديد من الاتفاقيـات الثنـائية شملـت المجـالات السيـاسية والاقتصـادية والتجـارية والأمنيـة والعسكـرية.
ثانيـاً: المسـاعدات الإنسـانية
أما مسـألة المسـاعدات الإنسـانية والإنمـائيـة، فإنهـا تمثـل القـاعدة الأخـرى التي اعتمـدت عليهـا تركيـا لفـرض سيـطرتها وتوجهـاتها السيـاسية والاقتصـادية والأيديولوجيـة على دول القـرن الإفـريقي، ولذلك عملـت تركيـا خـلال السنـوات الماضيـة، على توسيـع حجـم المسـاعدات الإنسـانية والتنمـوية التي تقـدمها لدول القـرن الإفـريقي، كمـا افتتحـت وكالـة التعـاون والتنسيـق التركيـة (تيكـا) مكـاتب لهـا في العاصمـة الإثيـوبية أديس أبابا عـام 2005م، والخـرطوم عام 2006م، ومقـديشو وجيبـوتي عام 2011م، ونيـروبي عام 2012م، ولم تقتصـر تلك المسـاعدات على الجـانب الحكـومي فحـسب، بل تدفقـت عديد من المنظمـات والهيئـات الخـيرية التـركية على المنطقـة، وسـاهمت في دعـم وتعـزيز العـلاقات التـركية مع دول وشعـوب المنطقـة.
ثالثـا: استخـدام العامـل الدينـي والتـاريخي
لقـد شكـل العـامل الدينـي والحضـاري عنصـراً مهمـاً في مسـألة العـلاقات التـركية مـع دول القـرن الإفريـقي، وكان مـدخلاً لتعـزيز التعـاون السيـاسي والدبلـوماسي والاقتصـادي والأمني مـع هـذه الدول، كمـا شكـل عنصـراً محـركاً للتـوجه التـركي نحـو المنطقـة.
وقـد كشفـت عـديد من البحـوث والدراسـات تأثيـر الديـن على صنـاعة السيـاسة التركيـة وكـذلك نفـوذه في تـوجيه السيـاسة الخارجيـة التركيـة أو ما يسمـى بالظاهـرة ” العثمـانييـن الجـدد”.
وفي عـام 2006م، استضـافت مـدينة اسطنبـول التركيـة مؤتمـر “رجـال الديـن الأفارقـة” وقـد شكـل هـذا المؤتمـر، نفطـة جـوهرية في توظيـف تركيـا العامـل الديـني في تحقيـق طمـوحها الاستـراتيجي والاقتصـادي والسيـاسي.
ومنـذ ذلك الحيـن أصبحـت مـدينة اسطنبـول محـوراً لكثيـر من المؤتمـرات والاجتمـاعات للحـركات والأحـزاب السيـاسية ذات التـوجه الإسـلامي التي تناقـش سبـل التعـاون لمواجهـة التحـديات الإقليميـة والدوليـة المشتـركة، كمـا ظهـرت العـديد من المبـادرات التـركية لتعـزيز عـلاقات التعـاون مـع التيـارات الإسـلامية الفاعلـة في السـاحـة ومع الحـركات القُطْـرية ذات التوجـه الإخـواني، وقـد شكـل هـذا التوصيـف خـارطة استقطـاب وأثـر في ازديـاد الدعـم التركـي للجمـاعات الإسـلامية في المنطقـة.
ولم يقتصـر الدور التـركي على تنظيـم المؤتمـرات والتـواصل فحـسب، بل تعـداه إلى مجـالات التـدريب وبنـاء قـدرات قيـادات التيـارات الإسـلامية وتقـديم الدعـم السيـاسي والمـادي لهـذه الحـركات وبالأسـاس “الحـركات الإخـوانيـة”، وقـد كشفـت العـديد من التقـارير المتواتـرة عن التعـاطي التركـي العميـق مـع قيـادات الحـركات الإسـلامية لتنسيـق الجهـود بشـأن قضـايا المنطقـة.
وهنـا يبـدو جليـاً مـدى استغـلال تركيـا للبعـد الحضـاري الدينـي، بهـدف إحـداث تأثيـر دعائي ملمـوس في المنطقـة، قـد شكـل ذلك مناخـاً منـاسباً للنهـوض الأصـولي القـوي والنفـوذ المتـزايد لتيـار الإسـلام السيـاسي في المنطقـة.
ووفقـاً لمصـادرنا، استطـاعت الحكـومة التـركية في جمـع كلمـة قيـادات الحـركات الإسـلامية “الإخـوان” على صعيـد واحـد في دعـم توجهـاتها السيـاسية في المنطقـة، كمـا نجحـت في إقنـاع القيـادات بضـرورة التعـاون والتنسيـق لتنفيذ “خطـة” الرئيـس التركـي بهـذا الخصـوص، وقـد استثمـرت أمـوالاً طـائلة لتحقيـق ذلك الهـدف. .
ولعـل نظـرة سـريعة لملابسـات زيـارات القيـادات الإسـلامية المتكـررة والاجتمـاعات رفيـعة المستـوى التي تشهـدها سنـوياً مدينـة اسطنبـول، تغنـي عن الشـك والريبـة لهـذه المسـألة.
ومن كل تلك المقـدمات والمعطيـات أعـلاه يمكـن القـون إن تركيـا نجحـت في استثمـار العـامل الديـني، لاستعـادة دورهـا ونفـوذها التـاريخي وبنـاء جسـور من الثقـة مع الدول والشعـوب في القـرن الإفريـقي، نظـراُ لأهميـة الديـن في وجـدان هـذه الشعـوب الإفـريقية.
رابعـاً: العامل الأمنـي والعسكـري
يمثـل العنصـر الأمنـي والعسكـري أحـد الأسـاليـب الحـديثة التي انتهجـتها تركيـا مؤخـراً، لتأميـن نفـوذها ومصـالحها الاقتصـادية المتناميـة بمنطقـة القـرن الإفريـقي.
وفي هـذا الإطـار جـاء قـرار الحكـومة التركيـة إنشـاء أكبـر قاعـدة عسكـرية لهـا في خـارج حـدودها في الصـومال، بذلك تكـون قـد بدأت فعـلاً باستـخدام أدوات جـديدة “القـوة الصلبـة” لفـرض سيطـرتها السيـاسية والاقتصـادية والأيديولوجيـة على دول القـرن الإفـريقي، بعـدما تمكنت من تحقيـق العـديد من المكـاسب في المنطقـة من خـلال استخـدام وسـائل “القـوة الناعـمة”.
لقـد أثـار هـذا القـرار كثيـرًا من الشكـوك والتسـاؤلات حـول أبعـاد الدور التركـي في المنطقـة، والأهـداف الحقيقيـة وراء إنشـاء قاعـدة عسكـرية بهـذا الحجـم، وما يمكـن لها من تأثيـرات وتداعيـات بالغـة على دول المنطقـة والقـوى الدوليـة والإقليميـة ذات المصـالح في المنطقـة.
وهـذا الأسلـوب الجـديد ليـس الغـرض منـه كمـا تزعـم تركيـا تطـوير علاقتهـا مع دول المنطقـة وإفـادتها من التجـارب الحـديثة، وإنمـا ظـل الهـدف هـو نفـس الهـدف القـديم الذي استخـدمت الـدول الكبـرى تجـاه دول المنطقـة.
وتجـدر الإشـارة إلى أن الأهـداف لإنشـاء القـاعدة العسكـرية التـركية في الصـومال، تتمثـل في الآتـي:
محـاربة نفـوذ القـوى الإقليميـة ذات المصـالح في المنطقـة وفي مقـدمتها الإمـارات العـربية والسعـودية والصيـن وإيـران.
حمايـة مصالحها الاقتصـادية في إفريقيـا، حيث بلغ حجم التجارة التركية الإفريقية نحو 20 مليار دولار عام 2015، ومن المخطط أن يصل إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2023، كما يبلغ حجـم استثمـاراتها المباشرة في إفريقيا 6 مليارات دولار.
توسيـع نفوذهـا العسكـري في القـرن الإفريـقي، من خـلال تعـزيز تعاونها العسكـري والأمنـي مـع دول المنطقـة، حيـث وقّعت تركيـا على العـديد من الاتفاقيات الأمنيـة والعسكـرية مع كل من الصـومال وجيبـوتي وكينيـا وإثيـوبيا وتنـزانيا وأوغنـدا، شملـت تدريب قـوات الأمـن في تلك الدول على مكافحـة الإرهـاب وتزويـدها بمعـدات عسكـرية متطـورة.
جـذور العـلاقات بين العـرب وسكـان القـرن الإفريقـي
تعتبـر العـلاقات بيـن العـرب والسـاحـل الشـرقي لإفريقيـا، قديمـة وضـاربة في عمـق التـاريخ، وتعـود جـذورها إلى ما قبـل ظهـور الإسـلام بعصـور سحيقـة، حيـث أقـام العـرب بعـلاقات وطيـدة مـع سكـان المنطقـة، كـان أغلـبها ذات طابـع تجـاري واقتصـادي.
لقـد كـان البحـارة والربابنـة القـادمون من الجـزيرة العـربية ومصـر، يطـوفون بسفنهـم التجـارية على سـواحل القـرن الإفريـقي.
يـذكـر أن المصـريين القـدماء أرسـلوا بعثـات تجـارية إلى الصـومال “بـلاد بونـت” ومنهـا بعثـة الملكـة حتشبسـوت في عام 1500 قبـل الميـلاد، لجلـب اللبـان والعطـور وأخشـاب الصنـدل وأشجـار المـر، وبعثـة “تحتمـس الثالـث” في عـام 1479 قبـل الميـلاد، وعادت البعثـة بكميـات كبيـرة من السلـع مثـل الأنبـوس وجلـود النمـور والذهـب والمـر.
ومن أهـم الشعـوب التي اتصـلت بسكـان شـرق إفريقيـا منـذ القـدم، شعـوب الجـزيرة العـربية لاسيمـا عـرب عمـان واليمـن، وسـاعد على ذلك عامـل القـرب الجغـرافي ونظـام الريـاح الموسميـة في المحيـط الهنـدي، وقـد نظـم العـرب رحـلاتهم وفقـاً لنظـام هـذه الريـاح.
كمـا اجتذبت هـذه المنطقـة كثيـرا من الهجـرات العربيـة لتستقـر هنـاك وتتـزاوج مـع السكـان الأصلييـن في المنطقـة، ولعـل أبـرز ما كتـب عن التـواجد والتـزاوج العـربي الإفريـقي قديمـاً هـو كتـاب “الكشـاف البحـري” لمؤلـف ورحـالة إغـريقي مجهـول، كتبـه في القـرن الأول الميـلادي، مؤرخـاً لهـذه الحالـة الفـريدة من العـلاقات القـديمة بيـن العـرب والأفـارقة خـاصة في شـرق إفريقيـا.
ولم تقتصـر العـلاقات العـربية بالمنطقـة على التجـارة فقـط، بل إن هنـاك عـلاقـات أخـرى، لهـا طابعهـا الدينـي توطـدت بيـن سكـان السـاحل الإفريـقي بصفـة عـامة وإثيـوبيا على وجـه الخصـوص، وبيـن مصـر التي كانـت معبـر ومستقـر العـروبة منـذ قـرون قديمـة.
وتتجـلى هـذه العـلاقة من خـلال الرابـط الدينـي بيـن الكنيسـة المصـرية والكنيسـة الإثيـوبية القبطيـة، فقـد ارتبطـت الثانيـة بالأولـى ارتبـاط الابنـة بالأم منـذ عـام 331م.
ومنـذ ذلك التـاريخ ظـل البطـريرك المصـري هـو الذي يعيـن مطـرانا من كنيسـة الاسكنـدرية ليتـرأس الكنيسـة الإثيـوبية حتـى اتفقـت الكنيستـان في عـام 1946م، على أن يعيـن البطـريرك المصـري مطـران إثيـوبي لرئاسـة الكنيسـة الإثيـوبية.
فقـد كان البطـريرك باسيليـوس أول إثيـوبي يـرأس الكنيسـة الإثيـوبية خلفـاً “للأنبـاكيرلـس” آخـر مطـران مصـري الذي توفى عـام 1950م، وبهـذا انتشـرت المسيحيـة في إثيـوبيـا على أيـدي المصـريين.
وبـدوره أعطى ظهـور الإسـلام أبعـاداً جـديدة للعـلاقات بيـن شعـوب الجـزيرة العـربيـة والسواحـل الشـرقي لإفريقيـا، وأن الإسـلام بسمـاحته قـد أتـاح للعـرب المسلميـن من تعـزيز نفـوذهـم واستقـرارهم في المنطقـة من خـلال توثيـق الصـلات مـع شعـوب المنطقـة.
وبهـذا توثقـت العـلاقات بين العـرب وسكـان السـواحل الشـرقي لإفريقيـا، وشهـدت تطـوراً وازدهـاراً كبيـراً، خـاصة وأن هـذه المنطقـة عرفـت الإسـلام فجـر الدعـوة الإسـلامية، ومن المرجـح أن جعفـر بن أبي طالب خلال هجـرته أسس مراكـزاً لـنشـر الإسـلام في المنطقـة بمساعدة القبـائل العربيـة المستوطنـة هنـاك التي اعتنقـت الإسـلام.