جذور ودلالات الأزمة الأمنية في ولاية بونتلاند
الصومال الجديد
آخر تحديث: 19/11/2017
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 11
تمهيد
تشهد ولاية بونت لاند الصومالية هذه الأيام تطورات أمنية متلاحقة، لعل أبرزها هجمات مليشيات داعش والشباب في الفترة الأخيرة على عدد من الأهداف الحيوية داخل مدينة بوصاصو الساحلية، والتي تعتبر شريان الحياة الاقتصادية في الولاية، وكان آخر تلك الهجمات العملية الانتحارية التي استهدفت مقرا للشرطة في مدينة بوصاصو شهر أكتوبر الماضي.
الأحداث والتطورات الأمنية الأخيرة ليست جديدة في ولاية بونتلاند، وإنما لها جذور تمتد إلى مرحلة ما قبل تأسيس الولاية نفسها؛ حيث كانت هناك جماعات مسلحة تنتمي إلى التيار السلفي الذي انثبقت منه أيضا حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة وفرع داعش في الصومال.
أهمية الموقع
تقع ولاية بونتلاند في شرق خارطة الصومال الجغرافية،كما تشمل أجزاء من وسط البلاد، فالولاية يحدها من الغرب الأقاليم الشمالية ومن الشمال الشرقي خليج عدن، ومن الجنوب الشرقي المحيط الهندي ومن الجنوب الأقاليم الوسطى، ومن الجنوب الغربي دولة إثيوبيا. وبهذا تصل المساحة الإجمالية للولاية 2212.510كم2
ومن المعالم الإستراتيجية للموقع المذكور وجود منافذ بحرية إستراتيجية هامة، والتي نذكر منها ميناء بوصاصو، والذي يعتبر الشريان الاقتصادي لأقاليم الولاية، ويوفر الميناء للولاية عائدات كبيرة، كما ينافس بحركته التجارية المواني الأخرى في البلاد. وعلى الرغم من صغر مساحته إلا أنه يستقبل شهريا ما بين 70 إلى 90 سفينة، وعلاوة على كون الميناء المنفذ الاستراتيجي المهم لاستيراد البضائع فإنه يساهم في تصدير الماشية والمنتجات المحلية الأخرى إلى الخارج وخاصة إلى الدول الخليجية.
ويعتبر الميناء أيضا معبرا رئيسيا للقوارب التي تنقل المهاجرين الصوماليين والقادمين من دول الجوار عبر خليج عدن، وهي عملية تتم أحيانا بشكل غير قانوني إلى دول الخليج العربي.
صارت مدينة بوصاصو اليوم بوتقة انصهار كل مكونات القبائل من مختلف أنحاء الصومال مما جعلها مدينة تجارية مزدهرة.
وتكمن الأهمية الإستراتيجية للموقع في أنه يقع ضمن المناطق الساحلية التي تطل على سواحل المحيط الهندي وخليج عدن مما يضفي للموقع أهمية، إلى جانب وجود سلاسل جبلية وعرة يمكن أن تكون سدا منيعا في حالة الحرب، الأمر الذي شجع مقاتلي حركة الشباب وداعش في التحصين بها، يضاف إلى ذلك وجود قبائل مهمشة نوعا ما في تلك الأقاليم، وهي قبائل صغيرة لا تتمتع بنفس الامتيازات والحقوق التي تتمتع بها القبائل الكبرى المستأثرة بالحكم، وهذا مما يجعل القبائل المهمشة حاضنة شعبية كما هو الحال في بعض المناطق الجنوبية في الصومال؛ حيث تستقوي القبائل غير المسلحة بحركة الشباب.
أرضية للأفكار المتطرفة
تعتبر بونتلاند من الأقاليم التي ينتشر فيها الفكر الوهابي السفلي، كما توجد تيارات الإسلام السياسي الأخرى ذات الطابع الإخواني وإن كانت بصورة أقل من السلفية، وهي مع ذلك من المكونات الإسلامية المؤثرة في الحياة العامة في الولاية.
ومعلوم أن الجماعات المسلحة مثل داعش والقاعدة تشترك مع التيارات الإسلامية الأخرى – خاصة السلفية التنظيمية والإخوان – مفاهيم وأدبيات ومنطلقات فكرية قامت على أساسها هذه الجماعات المسلحة، بحيث إن الحركات المسلحة في العالم الإسلامي تولدت من رحم تزواج الفكر السلفي والإخواني، ومثلها في ذلك مثل الفكر التكفيري الذي يعتبر المغذي الرئيسي لاستمرار الجماعات المسلحة في نهجها الدموي.
حركة الاتحاد الإسلامي
فالمنطقة لها تاريخ طويل لوجود الفكر الإسلامي القائم على القتال والاستحواذ ومحاولة السيطرة بل والإعلان عن تطبيق الحكم الإسلامي حتى قبل ظهور داعش والشباب. وكانت حركة الاتحاد الإسلامي ذات التوجه السلفي التنظيمي- الاعتصام لاحقا – قد سيطرت بعيد انهيار الحكومة المركزية على مدينتي بوصاصو ولاسقُورَي الساحليتين، وآلت إليها إدارة ميناء بوصاصو الشريان الاقتصادي للإقليم.
وخاضت الحركة حربا ضروسة في سبيل الحفاظ على مواقعها الإستراتيجية مع مليشيات الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال SSDF والتي كان يقودها العقيد الراحل عبد الله يوسف أحمد.
وقد منيت الحركة بالهزيمة بعد مقتل أحد زعمائها والمهندس الحقيقي وراء فكرة إقامة إمارة إسلامية علي أرض ما بات يعرف لاحقا بـ”بونتلاند” الشيخ عبد العزيز فارح، وانسحاب مقاتلي الحركة المنحدرين من جنوب الصومال بقيادة حسن طاهر أويس وعودتهم إلى مقديشو.
وعلى الرغم من تغير المسار الفكري لحركة الاتحاد بعد تأسيس حركة الاعتصام، إلا أن بقايا المحاربين القدامى من الحركة والمتأثرين بأفكار الزعماء ورواد الجهاديين في الإقليم دون إعلان موقفهم الرسمي يشكل بيئة خصبة لانتشار أفكار الجماعات القتالية التي تشكل خطرا وجوديا على بنتلاند بل والصومال بصورة عامة.
الفشل في تأسيس قاعدة انطلاق
قبل ظهور داعش في الصومال كانت هناك عناصر من مليشيات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة ترابط في جبال غال غالا، وكانت المجموعة بقيادة محمد سعيد أتم القيادي المنشق عن الحركة المقيم في دولة قطر حاليا.
وكانت أكبر محاولة لحركة الشباب للتسلل إلى داخل بنتلاند، وتكوين قاعدة عسكرية كبيرة، تلك التي جرت في شهر مارس آذار من عام 2016 عند ما نقلت حركة الشباب مقاتلين تابعين لها بقوارب إلى سواحل محافظة نوغال وتحصن المقاتلون بعد اكتشاف خطتهم وادي سوجي الواقع على بعد 20 كيلو مترا شرق قرية غرمال من مدرية “دين غري” في محافظة نوغال؛ حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين وحدات من قوات بنت لاند والعناصر المختبئة هناك.
وانتهت تلك المحاولة بالفشل، وأسفر المواجهات بين الطرفين عن خسائر فادحة في صفوف مليشيات حركة الشباب المتسللة؛ حيث قتل 71 من المقاتلين كما تم إلقاء القبض على 35 آخرين من مليشيات الحركة، وقد عرضت إدارة بونتلاند في مدينة غروى عاصمة الولاية على الصحفيين العناصر المعتقلين من حركة الشباب الذين كانت تتراوح أعمارهم ما بين37 و13 سنة.
وأظهر السكان في بونتلاند أثناء تلك المعارك تضامنا مع قيادات الولاية، كما حدث تلاحم كبير بين الجيش والسكان مما أفشل مخططات الحركة في تكوين قواعد عسكرية تكون لها بمثابة نقطة انطلاقة لها في بونتلاند.
دلالات التطورات الأخيرة
تشهد بونتلاند في هذه الأيام تطورات أمنية ملفتة واستهلت حركة الشباب هجماتها هذا العام بالهجوم الذي وقع على معسكر لقوات الدراويش في قرية “أف أُرُرْ” الواقعة على بعد 105كلم جنوب غرب بوصاصو في محافظة الشرق، وأسفر الهجوم الذي كان من أكثر الهجمات دموية عن مقتل ما يقارب 61 جنديا من أفراد الدراويش في الولاية.
وتلاه في شهر يونيو الماضي هجوم آخر بمدافع الهاون تبنته حركة الشباب على بلدة “أف أرر” كما انفجرت قنابل زرعت في سوق القات، وأسفر ذلك الهجوم عن مقتل 12 شخصا، خمسة منهم من قوات بونتلاند والباقي كانوا مدنيين من أهل القرية.
وشهدت بعد ذلك مدينة بوصاصو العاصمة الاقتصادية والتجارية لبونتلاند عددا من الهجمات التي تبنتها حركتا الشباب وداعش، كان آخرها الانفجار الذي وقع بالقرب من مخفر للشرطة بعد أن فجر نفسه انتحاري كان يقود عربة يد في مكان قريب بالمدخل الرئيسي لمركز شرطي في المدينة في شهر أكتوبر الماضي.
وتحمل هذه الهجمات والتطورات في طياتها دلالات أمنية، لعل أبرزها استمرار هجمات حركة الشباب وتنظيم داعش في بنتلاند ضد الأهداف العسكرية والمدنية، وأنها لا تزال نشطة رغم ما تعرضت له وتتعرض من هجوم منظم من قبل القوات الحكومية في بونتلاند، إضافة إلى الغارات الجوية التي تنفذها الطائرات بدون الطيار للولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان آخرها الغارة التي استهدفت معسكرا تابعا لداعش في منطقة “بقو” في جبال علي برى في المنطقة الشرقية خلال شهر نوفمبر الجاري.
متطلبات المرحلة
مما لاشك فيه أن بونتلاند تواجه تحديات أمنية جمة، وإن استمرار هجمات حركة الشباب وتنظيم داعش على هذا النحو يشكل خطرا وجوديا -كما أسلفنا- على بونتلاند التي لم تعد قادرة على مواجهة هذه الهجمات المتكررة بمفردها؛ حيث تعاني من أزمة اقتصادية وأخرى أمنية، وبالتالي هناك جملة من المتطلبات والآليات لابد منها في هذه المرحلة الصعبة، نذكر منها على سبيل المثال:
1. توحيد الجهود الرامية إلى القضاء على تهديدات الجماعات المسلحة مع الإدارات الإقليمية بما فيها بونتلاند، وحسم موضوع الخلاف بين بونتلاند وجارتها أرض الصومال فيما يتعلق بالأراضي المتنازع عليها.
2. التنسيق مع الحكومة الفيدرالية وخاصة وزارة الدفاع الصومالية فيما يخص بالتدريب والتأهيل وإعداد القوات الخاصة.
3. إقناع القبائل القاطنة في إقليم بري (الشرق) فيما يخص بتقاسم السلطة والثرة والاستماع إلى شكاويها ورفع الحيف والظلم عنها لكي لا يشكلوا حاضنة شعبية لجماعتي داعش والشباب، إضافة إلى العمل على محاربة التطرف والإرهاب عن طريق إنشاء مركز لتأهيل فئات الشباب وتوفير فرص عمل للعاطلين.
مستقبل ما يسمي بالحركات الجهادية
مستقبل ما يسمي بالحركات الجهادية في ولاية بونتلاند يتوقف على مستقبلها في الصومال عموما؛ وبالتالي فلا يمكن الحديث عن نهاياتها بمعزل عن أخواتها في جنوب الصومال، رغم احتمالية نهاية هذه الحركات على أرض الواقع عسكريا، سواء كان في الجنوب أوالوسط أو في مناطق بونتلاند في الشرق، ومع أن هذا يتطلب حملة عسكرية وطنية عامة، ولكنها في نفس الوقت مرتبطة باستجابة القوى الدولية الفاعلة في أرض الواقع، وعلى هذا الأساس قد لا تتوقع نهاية قريبة لأفكار الحركات الجهادية في بونتلاند أو في الصومال عموما. ويعتقد أنه إذا انتهت هذه الحركات عسكريا وتنظيميا فلن يزول فكرها المنتشر بشكل سريع لعوامل كثيرة، من بينها وجود مدارس ومفكرين ينظرون لهذه الأفكار بكل حرية في كل المدن الصومالية.
ويضاف إلى ذلك أن داعش فقدت سيطرتها على مناطق في كل من العراق وبلاد الشام؛ حيث يتوقع بعض الخبراء إمكانية فرار بعض المقاتلين إلى جبال غال غالا في شرق الصومال، وهو احتمال وراد؛ إذا علمنا قرب الموقع إلي الجزيرة العربية، ووجود مرافئ بحرية يمكن أن ترسو فيها القوارب الصغيرة.
ومن المحتمل أن تكون جبال غال غلا في بونتلاند آخر المعاقل التي يلجأ إليها مقاتلو داعش والشباب رغم و جود الخلاف الإداري بين المجموعتين.