الفيدرالية وصعوبة تطبيقها في الصومال
عبد الحكيم علي
آخر تحديث: 10/06/2015
استغرب كثير من الصوماليين عندما تم اعتماد النظام الفيدرالي لأول مرة في مؤتمر المصالحة الصومالية في كينيا عام 2004 وجادلوا بأن سكان الصومال الذين يتمتعون بوحدة الدين واللغة والعادات والتقاليد في غنى عن ذلك النوع من الحكم، إلا أنه كان في الطرف الآخر متحمسون لتطبيق ذلك النظام بحجة أن عوامل الوحدة التي يتمتع بها الصوماليون لم تمنع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس بعد سقوط الحكومة المركزية مطلع عام 1991م وجادلوا بأنه لو كانت ولايات إقليمية لربما كانت الأوضاع أحسن مما كانت عليه بعد انهيار الدولة.
انتهى ذلك الجدل بعد إعلان أن الصومال جمهورية فيدرالية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يتم تطبيق الفيدرالية المنصوصة عليها في الدستور في البلاد؟ مع العلم بأن الحكومات الانتقالية التي تعاقبت على الحكم منذ عام 2004 إلى 2012 فشلت في تطبيق الفيدرالية لأسباب معروفة أهمها أن تلك الحكومات كانت حكومات رمزية لم تكن لها سيطرة فعلية على الأرض بعد أن واجهتها تحديات كبيرة من زعماء الفصائل الصومالية أولا ثم من الإسلاميين ثانيا، إلا أن الوضع كان مختلفا عند تشكيل أول حكومة رسمية للصومال بعد انتهاء الفترة الانتقالية، حيث كانت مناطق واسعة من البلاد بما فيها العاصمة عادت إلى سيطرة الدولة، لكن جهود تطبيق النظام الفيدرالي ما تزال حتى الآن صعبة ومتعثرة.
صحيح أنه تم- بعد ولاية بونت لاند التي ظلت قائمة منذ عام 1998- تشكيل بعض الولايات الإقليمية مثل ولاية جوبا وولاية جنوب غرب الصومال ، بعد عقبات كثيرة، حيث ظلت العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وبين ولاية جوبا بزعامة الشيخ أحمد مدوبي التي أعلنت عن نفسها بعد وصول القوات الكينية إلى كسمايو متوترة لحد أن تم منع وزراء في الحكومة الفيدرالية ونواب في البرلمان من دخول كسمايو حاضرة ولاية جوبا، وفي النهاية اضطرت الحكومة للاستسلام للواقع بعد ضغوط إقليمية والاعتراف بالولاية الجديدة بعد توقيع الجانبين على اتفاقية أديس أبابا في أغسطس 2013، كما أنه تم قيام ولاية جنوب غرب الصومال بعد ميلاد عسير وخلاف حاد حول تشكيل ولاية تتألف من ست أقاليم بما فيها الخاضعة لولاية جوبا أو ولاية تتكون من أقاليم باي، بكول وشبيلي السفلى وهي الفكرة التي أيدتها الحكومة الصومالية التي كانت تحافظ على الاتفاقية التي توصلت إليها مع ولاية جوبا وتم انتخاب رئيس البرلمان الصومالي السابق شريف حسن شيخ آدم رئيسا للولاية الجديدة.
وتواجه الحكومة الصومالية تحديات كبيرة في تشكيل ولاية الأقاليم الوسطى التي يعتبرها كثيرون غير موافقة للدستور إثر موافقة الحكومة الصومالية على بقاء الأجزاء الشمالية من إقليم مدق تحت إدارة بونت لاند ما يجعل ولاية الأقاليم الوسطى تتألف من إقليم جلجدود والأجزاء الجنوبية من مدق في الوقت الذي ينص فيه الدستور على أنه لا يمكن تشكيل ولاية من أقل من إقليمين من الأقاليم الصومالية الثمانية عشر، وبصرف النظر عن شرعية وعدم شرعية تلك الولاية التي تجري الاستعدادات لتشكيلها في مدينة “عدادو” في جلجدود فأن جدلا واسعا حول تشكيلها ما يزال قائما بين القبائل القاطنة في المناطق الوسطى والتي أعلن بعضها الانسحاب من مؤتمر تشكيل الولاية، كما أن استيلاء مقاتلي تنظيم أهل السنة والجماعة- الذين يتهمون الحكومة الفيدرالية بإقصائهم ويقاطعون المؤتمر الجاري في عدادو- على دوسمريب التي تقرر أن تكون عاصمة ولاية الأقاليم الوسطى زاد الأمور تعقيدا، ويلوح في الأفق تحديات كبيرة تواجه الحكومة الفيدرالية أيضا في تشكيل ولاية لإقليمي هيران وشبيلي الوسطى ناهيك عن العاصمة التي لم يحدد مصيرها بعد.
ولو افترضنا نجاح جهود تشكيل الولايات الإقليمية المتبقية فإن ذلك لا يعني أن الصومال جاوز القنطرة وتحول إلى النظام الفيدرالي حيث إن الولايات القائمة تعاني من تحديات كبيرة فولاية بونت لاند التي هي أقدم الولايات تواجهها تحديات ليس من أرض الصومال التي تنازعها في بعض المناطق فحسب وإنما من ولاية خاتمة التي تبحث عن موطئ قدم لها في تلك المناطق على أساس أنها ولاية مستقلة من كل من أرض الصومال وبونت لاند كما أن بونت لاند ليست ببعيدة عن خلاف مع ولاية الأقاليم الوسطى خاصة وأن بعض المرشحين لرئاستها اعتبروا ما توصلت إليه بونت لاند مع الحكومة الصومالية من بقاء الأجزاء الشمالية من إقليم مدق تحت إدارتها باطلا ومخالفا لدستور البلاد.
وتوجد خلافات بين سكان الولايات القائمة، والمعارضة الكبيرة التي تعرض لها برلمان ولاية جوبا الذي تم الإعلان عنه وتصويت البرلمان الفيدرالي بالأغلبية لسحب الشرعية عنه أكبر شاهد على الانقسامات داخل سكان الأقاليم التي تتكون منها الولاية خاصة بعد تأييد إدارة إقليم جدو من الأقاليم التابعة لولاية جوبا قرار البرلمان الصومالي، كما أن تصرفات بعض الولايات وكأنها دول مستقلة ينذر بنشوب خلافات بينها وبين الحكومة الفيدرالية فكثيرا ما نسمع أن الولاية الفلانية قطعت علاقاتها مع الحكومة الصومالية بسبب الخلاف في بعض القضايا السياسية.
وخلاصة القول أن تطبيق الفيدرالية في الصومال والذي يحظى بدعم إقليمي ودولي هو الخيار الوحيد امام الصوماليين، أما تحول الصومال إلى دولة فيدرالية فسيظل صعب المنال على الأقل في المستقبل المنظور.