الصحوة..
فاطمة حسن طاهر
آخر تحديث: 13/04/2017
الانتخابات الأخيرة التي حدثت في الصومال كانت تتويجا للصحوة الشبابية التي بدأت قبل ذلك بفترة زمنية قد لا نتمكن من تحديدها على وجه الدقة، هذه الصحوة التي بدأت فردية ذاتية من منطلق الهوية الوطنية و رغبة في الانتماء، رغبة تأججت عند البعض من الشباب الصومالي مما جعل هذه الفئة من المجتمع الصومالي مجتمعا متعدد الأنواع و الثقافات بل والجنسيات و إن كانت الهوية الأولى و الأخيرة لهم هي الهوية الصومالية..
فالشاب في الوطن يختلف عنه في كل من قارات العالم التي تشتتَ الشعب الصومالي فيها منذ سنين طويلة، و لكل قارة بيئتها التي ساعدت على تأجيج الهوية بين الفئة ذاتها، فالشاب أو الشابة التي نشات في الشتات و أرض المهجر الأوربية، و تسنى له/ها المعرفة بكافة أنواعها والمشاركات السياسية و النيابة و إبداء الرأي و مشاركة الصُّنَّاع قراراتهم ، يريدون تطبيق التجربة نفسها على الوطن الذي لربما لم ينشؤوا فيه بل و لم يعرفوا عنه سوى الاسم، مما دفع كثيرين منهم للبحث والتنقيب عن تاريخ البلاد و الشعب و محاولة التعرف على الحضارة شبه المندثرة.
في الجهة المقابلة هناك الشاب الذي يعيش في المنطقة العربية – في الخليج و الذي أرهقته المعيشة الغالية و محاولات البحث عن كفيل و تكاليف الدراسة وغيرها من متطلبات الحياة العامة، و الذي بدأ يتأقلم مع صعوبة الوضع شيئا فشيئا، ليسمع بالصحوة و هو الذي كان ينأى بنفسه عن التشكيلات الحزبية الاجتماعية داخل هذه المجتمعات المنغلقة و التي في الغالب لا تتيح الفرصة للاندماج في مجتمعاتها و لا تقبل بالتجمعات الأخرى الخارجة عن تلك التي تؤسسها الدولة.
فالشاب في المنطقة العربية يعاني أمرين أحلاهما مرٌّ : رفض المجتمع العربي الذي أثخنته الجراح و الحروب و المشاحنات السياسية و الثورات، و كذلك عدم قدرته على إيجاد مجتمع من ذات الجنسية أو الطبقة يمكنه أن ينخرط فيه و يمارس فيه نشاطات متعددة بالدرجة الأولى تهدف لحل المشكلات التي يعانيها مجتمعه ووطنه، و بدلا من ذلك بات الشاب الصومالي في هذه المنطقة يبتعد بنفسه عن كل ما هو صومالي –إلا القلة– و يجد في فكرة العودة لأرض الصومال أمرا غير مقبول، بل و حتى زمنٍ قريب كان البعض يخجل من الاعتراف بكونه صوماليا، و السبب يعود لنظرة المجتمعات للمجتمع الصومالي، فكلما ذكرت الصومال يتبادر لذهنه صور المجاعات و الجفاف، والمناحرات السياسية، و الاحزاب التكفيرية و غيرها..
الواقع أن الشاب في المجتمع الاوروبي كان أوفر حظا من الشاب الصومالي في المجتمع العربي الذي يفترض به أن يكون مجتمعا داعما له، من واقع الانتماء العربي و الدين و كثير من المتشابهات التي تجمع المجتمعين.
هذا الرفض في المجتمع العربي أنشأ تيارين متباينين من الشباب الصومالي، فأحد هذين التيارين و كرد فعل عكسي قام برفض المجتمع العربي و حاول التعايش فيه بما يضمن له حياته و هويته و استقراره النسبي، على أمل العودة للوطن و محاولة تغييره بما يتوافق مع متطلبات حياته الأساسية و الأولية و إن شكل الموضوع الأمني الخوف الأبرز له .
و التيار المقابل قام بمحاولة الاندماج في المجتمع العربي رافضا بذلك كل ما يتعلق بالمجتمع الصومالي و في الوقت ذاته فاقدا للامل، ووطنٍ يضمن له كرامته و حريته و حياته المستقبلية، بل بات يأمل و يخطط كل نهار في طريقة تمكنه من الهجرة الأوروبية و اللجوء لتلك الدول ليعود منها و ينتقم بصورة أو أخرى من المجتمع العربي – و إن كانت فكرة الانتقام لا تدور بخلد الكثيرين.
ولعل الناظر بدقة لمجتمع الشباب الصومالي سيجد أن أكثر الناس فرحا بالانتخابات الأخيرة و نتائجها و تغني بها هو الشاب الصومالي حول العالم، في الوطن و الشتات، مع تحفظ أبقاه الشاب في المنطقة العربية، إذ عايش خيبات أمل كثيرة ليس فيما يتعلق بالصومال فقط بل بما يتعلق بالوطن العربي و منطقة الشرق الأوسط أجمع..