التعليم المغشوش ونتائجه المرّة
بشير نور علي
آخر تحديث: 20/01/2017
العلم هو منبع نهضة الامم، وما من أمة تعتمد عليه والا تنهض، بقدر اعتمادها عليه، لكن الامر ينعكس تماما اذا كان التعليم مغشوشا. فالغش في ميدان التعليم بالصومال غير مخفي بل اصبح جزءا لايتجزء منه البتة، ولاينفك عنه مرة. مناهج مغشوشة بمثابة نسخ ولصق لا أكثر ولا أقل، لا تكاد ترتبط وحداتها، ولا تسير على نمط واحد من الانماط التعليمية المعروفة، بعض المدارس تعتمد جزئيا على مقررات اجنبية مثل المقرر الكيني، والانجليزي، والسعودي، والاماراتي، واليمني، ومدارس أخرى لاتعتمد على مقرر معين، ولاعلى خطة دراسية معينة، فضلا عن الأساليب.
القطاع التعليمي بأكمله تحول إلى قطاع تجاري بحت ليس من أهدافه سوى الظفر بالعدد الوفير من الطلاب الجدد. طلاب لا يستحقون الجلوس في المرحلة الاعدادية مسجلة في الكليات المختلفة من الجامعات المحلية، ورغم هذا فنتائج امتحاناتهم لا تنزل عن درجة الجيد او الممتاز.
وتنتج لنا تلك الجامعات سنويا مئات بل الآلاف من المنهدسين، والأطباء، والمدرسين، والاقتصاديين، وغير هم من خريجي الجامعات؛ ولكن مع الاسف غالبيتهم يحملون شهادات مغشوشة، أدهى وأمر من ذلك أن وثائق التخرج تباع وتشترى، وبعض الجامعات تتورط في ذلك، كما يوجد في الأسواق من هو معروف بتزوير الوثائق، واصدار الشهادات المختلفة عن طريق دفع قسط معينة ومعلنة مسبقا من النقود.
اذا فالمستقبل مدلهم، غيمة من الغش تتلبد أجواءه؛ اطباء ومدرسون، ومهندسون، وقانونيون، وسياسيون يحملون أعلى الشهادت مع رتبة الشرف أحيانا لكنها مزيفة بشكل أو بآخر، لا تمثل ضمنا مستوى العلم الذي وصل اليه صاحب الشهادة بقدر ماهي فارغة المضمون. حقا يمثل الغش عموما والتعليمي خصوصا، سرطانا يفتك جنس المجتمع، وينتج أجيالا من فاقدي الرحمة، همهم الأول والأخير جمع المال وتكديسه، ولا يهمهم المصدر، والمرجع؛ ام من حلال جمعوا ام من حرام حصّلوا.
اخي المدرس ما تزرعه الآن تحصده غدا. الطبيب الذي تخرج على يدك هو الذي يداوي اطفالك غدا وحينها تتجرع مرارة فعلك الذي فعلته، وينطبق عليك المثل العربي ” يداك أوكتا وفوك نفخ” وستسأل عن الوسام الذي وضعته على رقبة من لا يستحق من طلابك بمقابل دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع. لو لا انك لم تشهد على الناس بأن لهذا الطالب كفائة في الطب او الهندسة، وغيرها من التخصصات لما ائتمنوه على أطفالهم وعقولهم ولا على شيء من ذاك القبيل، بل أنت الذي جاملتهم وداهنتهم، حتى استسمنوا ذا ورم . كأنك لا تفقه ثقل الكلمة عندما تكتب في أول سطر من شهادة الطالب الفاشل (نشهد بأن الطالب فلان ابن فلان فاز بنجاح ..وحصل على الشهادة بدرجة امتياز).
الامأنة العلمية من الأمانات التي سوف تسأل، والمنافق لا يؤتمن على شيء، وقد وردت عدة آيات في القرآن الكريم تدل على ثقل الامانة، ومنها: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [سورة اﻷحزاب 72]. ومنها أيضا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). [سورة النساء 58].
أترى أنك أديت الأمانة إذا وزعت النتائج على أساس تجاري؟ من دفع أكثر يحصل أكثر! وعلى أية حال فماذا عن الامانة العلمية التي تحملتها ؟ ما مصيرها ؟
وفي نهاية المطاف فالمقال بمثابة دق ناقوس خطر ليستيقظ الجميع قبل فوات الأوان وتدارك الأمور قبل استفحالها، ومحاولة بسيطة منا للصد أمام الفساد التعليمي الذي يعتبر مفتاحا لكثير من أبواب أنواع الفساد في المجالات الأخرى.