جدور الأزمة في مدينة جالكعيو وسط الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 18/10/2016
شهدت مدينة جالكعيو عاصمة إقليم مدج وسط الصومال صراعات عسكرية مريرة متكررة بين قوات ولايتي بونتلاند وجملدج الصوماليتين؛ والتي تسببت في سقوط ضحايا كثيرة في صفوف قوات الولايتين وكذلك المدنيين العزل بالإضافة إلى نزوح سكان المدينة من ديارهم، مما سيؤدي إلى حدوث أوضاع إنسانية حرجة للسكان المدنيين جراء الصراعات المسلحة المتكررة بين الولايتين.
وجرت آخر الصراعات بين قوات الولايتين في الأسابيع القليلة الماضية، وذلك على خلفية غارة أمريكية استهدفت معقلا لقوات ولاية جلمدج نهاية شهر سبتمبر الماضي، مما أسفر عن مقتل عدد من جنود قوات الولاية.
اتهامات متبادلة
اتهمت ولاية جلمدج جارتها بونتلاند بتقديم معلومات خاطئة للقوات الأمريكية المتواجدة في الصومال، مما أدى إلى استهداف جنود من قواتها على أنهم مقاتلون تابعون لحركة الشباب. وقال مسؤولون من ولاية بونتلاند ردا على اتهامات جلمدج إن الغارة استهدفت عناصر من حركة الشباب، مما أثار أزمة سياسية بين الولايتين المتجاورتين؛ واللتين كانت علاقاتهما متوترة منذ فترة طويلة.
واندلعت معارك عنيفة ودامية بين الولايتين خلال الأسابيع الأخيرة. واتهم المتحدث باسم رئاسة ولاية بونتلاند عبد الله محمد جامع في وقت سابق ولاية جلمدج بشن هجوم على قوات بونتلاند بتعاون مع مقاتلين من حركة الشباب على حد تعبيره، إلا أن جلمدج نفت تلك الاتهامات، كما اتهمت وزارة الإعلام في ولاية بونتلاند في بيان صدر منها الأسبوع الجاري كلا من الحكومة الفيدرالية الصومالية وولاية جلمدج بالتعاون ضد ولاية بونتلاند، محملة إياهما مسؤولية المعارك الأخيرة في مدينة جالكعيو.
ومن جانبها اتهمت ولاية جملدج كلا من بونتلاند وتنظيم أهل السنة والجماعة بالتعاون ضدها، وذلك بعد وقوع اشتباكات مسلحة بين قوات ولاية جلمدج ومقاتلين تابعين لإدارة تنظيم أهل السنة والجماعة في إقليم جلجذود الأسبوع الماضي، كما اتهمت جلمدج جارتها بونتلاند بالتعاون مع تنظيم داعش وفقا لما ذكرته وسائل إعلام صومالية.
ويبدو أن كلا من بونتلاند وجلمدج مبالغ في الاتهامات التي يوجهها إلى الطرف الآخر؛ بحيث تزعم بونتلاند أن جلمدج تتعاون مع مقاتلي حركة الشباب، بينما تزعم جلمدج أن بونتلاند تتعاون مع مقاتلي تنظيم داعش. ويرى المراقبون أن هذه الاتهامات المتبادلة بين الولايتين إنما تأتي في إطار الحرب الإعلامية بينهما إلى جانب الصراعات العسكرية.
موقف الولايات المتحدة
قالت الولايات المتحدة في وقت سابق إن قواتها قتلت عناصر من حركة الشباب في وسط الصومال، إلا أنها أعلنت فتح تحقيق في ملابسات ضربتها العسكرية، وذلك بعد ورود أنباء أفادت بأنها استهدفت قوات ولاية جلمدج بناء على معلومات مغلوطة من قبل مسؤولين من ولاية بونتلاند، وأجرى السفير الأمريكي لدى الصومال ستفين شوارتز لقاء مع رئيس ولاية جملدج في وقت سابق من الشهر الجاري لبحث ملابسات الغارة الأمريكية التي استهدفت عناصر من قوات جلمدج وتداعياتها المحتملة على المنطقة. وقد دعت السفارة الأمريكي في الصومال الأسبوع الماضي كلا من ولايتي بونتلاند وجلمدج إلى وقف فوري للقتال الدائر بينهما.
جدور أزمة جالكعيو
يرجع المحللون الأزمة القائمة في مدينة جالكعيو إلى التنافر بين قبيلتي دارود وهوية القاطنتين في المدينة، وهو الأمر الذي جعل شطري المدينة منفصلين عن بعضهما البعض، حيث تدير بونتلاند شمال مدينة جالكعيو، كما تدير جلمدج الشطر الجنوبي للمدينة.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الصراع بين ولايتي بونتلاند وجلمدج هو صراع بين ولايتين في الظاهر ولكنه في الحقيقة صراع ذو طابع قبلي، علما بأن القبيلتين المتصارعتين في جالكعيو، كانت بينهما منذ سقوط الحكومة المركزية الصومالية قبل 25 عاما صراعات دامية في إقليم مدق وغيره من أقاليم البلاد، إلا أن مدينة جالكعيو كانت تنعم بهدوء نسبي قبل تشكيل الولايات الإقليمية في إطار تطبيق النظام الفيدرالي في البلاد، وبدأت الأزمة بين القبليتين تتصاعد من جديد بعد تشكيل ولاية جلمدج المكونة حاليا من إقليم جلجذود وجزء من إقليم مدج، على خلاف الدستور الصومالي المؤقت الذي ينص على أن أية ولاية إقليمية يجب أن تتكون من إقليمين فأكثر.
ولا يخفى أن تشكيل ولاية جلمدج تم بصورة لا تتوافق مع المعيار الذي حدده الدستور الصومالي لتشكيل الولايات، إلا أن التبريرات التي تسوقها بعض الأطراف السياسية المؤيدة لذلك المشروع هي أن تلك الخطوة المخالفة للدستور اتخذت من أجل تجنب إثارة النعرات القبلية، وهي تبريرات واهية بدليل ما يحدث من استمرار المعارك الدامية بين الجانبين.
وتناقلت وسائل الإعلام الصومالية مؤخرا تصريحات نسبت إلى رئيس ولاية جلمدج عبد الكريم حسين جوليد، والذي أشار إلى أن مدينة جالكعيو لا يمكن أن تكون تحت إدارتين، ومن المحتمل أن تصريحاته تشير إلى أن المشكلة تكمن في تقسيم إدارة مدينة واحدة بين ولايتين، إلا أن البعض يفسر تلك التصريحات بأنها تتضمن ضرورة الحسم العسكري لتكون المدينة تحت إحدى الولايات المتنازعتين عليها.
وعلى العموم فإن النظام الفيدرالي هو المسؤول –حسبما يرى مراقبون- عن تأجيج الأزمة القائمة في مدينة جالكعيو، وأن المدنيين هم الذين سيدفعون ثمن الصراع بين الولايتين؛ واللتين تتطلعان إلى مصالحهما السياسية فحسب بغض النظر عن معاناة سكان المدينة. وتدل أزمة مدينة جالكعيو على أن تشكيل الولايات الإقليمية في البلاد يتم على أساس قبلي رعاية لمصالح القبائل، وأكبر شاهد على ذلك هو مدينة جالكعيو التي تم تقسيمها إلى شطرين خاضعين لولايتين متجاورتين، بينما كان المفروض تجاوز حاجز القبيلة وجعل المدينة تابعة لإحدى الولايتين. ويرى مراقبون أن تبني النظام الفيدرالي – قبل دراسة ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب للصومال- سيفتح مشاكل جديدة على الشعب الصومالي بواسطة إثارة النعرات القبلية المختفية، ويعيد الصراع بين القبائل على المصالح السياسية والاقتصادية في الولايات المختلفة، كما هو مشاهد الآن في تشكيل ولاية إقليمي هيران وشبيلى الوسطى.