رسائل سياسية في بيان هيئة علماء الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 4/10/2016
أصدرت هيئة علماء الصومال بيانا صحفيا يوم الأحد تحدثت فيه عن الانتخابات النيابية والرئاسية المزمع إجراؤها في البلاد في شهري أكتوبر ونوفمبر. وجاء في بيان الهيئة تحذير من انتخاب من أسموهم بـ”مدمني الخمور والقات والسجائر” أعضاء في مجلس النواب المقبل. كما حذرت من تخصيص حصة 30% من مقاعد غرفتي البرلمان الصومالي للمرأة؛ الأمر الذي تعتبره الهيئة بأنه جزء من مخططات “الكفار” وأنه يتنافى مع الشريعة الإسلامية حسب رؤيتها.
وتأسست هيئة علماء الصومال في عام 2009 في مقديشو، على يد مجموعة من رجال الدين من جماعتي السلفية والإخوان المسلمين في الصومال، وذلك لتأثير وتوجيه سياسة الدولة التي وقعت في يد الإسلاميين في ذلك الوقت، ولا تزال الهيئة يرأسها منذ تأسيسها الشيخ بشير أحمد صلاد من علماء جماعة الاعتصام السلفية.
وأثار البيان الصادر عن هيئة علماء الصومال جدلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر كثير من المواطنين استهجانهم موقف الهيئة باعتبار أن وراءه دوافع سياسية بحتة والتستر بالشريعة الإسلامية السمحاء نظرا إلى توقيت البيان الذي جاء قبيل بدء انتخابات النيابية.
وممن رد على بيان هيئة علماء الصومال الباحثة والناشطة الصومالية سمية عبد القادر؛ والتي قالت في تغريدة نشرتها على صفحتها في الفيسبوك: “عار على هيئة علماء الصومال الحديث عن الكوتا البرلمانية للنساء”. وأضافت الناشطة: ” ابحثوا عمن دفع لهم ليصدروا هذا البيان” .
وكما يبدو فإن ما جاء في بيان هيئة علماء الصومال ليس إلا رسائل سياسية يقف وراءها سياسيون أو مرشحون للسباق الرئاسي يسعون إلى انتخابهم لمنصب رئيس الجمهورية، كما أن ما ساقته الهيئة في البيان من أن تخصيص 30% من مقاعد غرفتي البرلمان للمراة يتعارض مع الشريعة الإسلامية ليس إلا ذريعة لتحقيق مكاسب سياسية لمرشحين معينين مما يسمى بجماعات الإسلام السياسي؛ والتي ظهرت بوادر أفول نجمها في الساحة السياسية في البلاد، نتيجة فشل السياسيين المنحدرين من تلك الجماعات بعد وصولهم إلى هرم السلطة خلال السنوات الثمانية الماضية.
والصحيح أن التجارب السياسية قد أظهرت مدى فشلهم في مجال السياسة وقيادة البلاد؛ بحيث أصبح الصومال في تلك الحقبة على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم كما في جاء في تقارير دولية في السنوات الماضية.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية على موقعها على الانترنت انخفاض شعبية ما سيمي بجماعات الإسلام السياسي. وشمل ذلك الاستطلاع 168 شخصا من قراء الموقع الإعلامي لمؤسسة الصومال الجديد تحت عنوان: ما رأيكم حول دور الإسلام السياسي في الصومال؟، وذلك في الفترة من الثالث والعشرين من شهر أبريل إلى 10 من شهر يوليو 2016. وأبدى 113 الذين يمثلون 67% من مجموع المشاركين في الاستطلاع والبالغ عددهم 168 أن دور جماعات الإسلام السياسي في الصومال سلبي، بينما اعتبر 55 منهم والذين يمثلون 33% دور جماعات الإسلام السياسي إيجابيا.
وعلى الرغم من أن هيئة علماء الصومال تجادل بأنها تصدر بياناتها بناء على ما تصفه بأداء الواجبات على عاتقها لحفظ الدين ومصالح الأمة؛ إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو من حمّلها هذه المسؤولية؟، وهل تمثل مكونات الشعب الصومالي؟. كما يتساءل المتابع للوضع في الصومال إذا كان الأمر متعلقا بحفظ الدين ومصالح الأمة، فلم لا تتحدث الهيئة عن كثير من القضايا التي تؤرق الشعب الصومالي؟ فمثلا علماء الهيئة لم يلتفتوا إلى اتفاقية العمالة المنزلية المثيرة للجدل بين الصومال والمملكة العربية السعودية، والتي يتم من خلالها إرسال فتيات صوماليات كعاملات منازل إلى السعودية، بحيث إن كثيرا من المنتمين للهيئة كانوا من أشد المانعين النساء الصوماليات من السفر لحاجاتهن بدون محرم، وكذلك إذا كان العلماء من الهيئة حريصين على حفظ الدين ومصالح الأمة فلماذا يتغاضون عن الحديث عن نظام تقاسم السلطة غير العادل عبر المحاصصة القبلية المعروفة بـ 4.5؟ الذي هو تكريس للقبلية التي أوصلت الصومال إلى الحضيض، أليس هذا الموضوع أكثر أهمية مما يشغلون به أنفسهم؟.
يرى بعض المحللين أن ما يثير قلق هيئة علماء الصومال هو حصول المرأة على 30% من مقاعد غرفتي البرلمان الصومالي، ما يعني أن نسبة 30% من أعضاء البرلمان لن تأتي من قبل ما يسمى بالجماعات الإسلامية، وإنما تأتي من قبل منظمات المجتمع المدني، كما أن 70% من مقاعد البرلمان ستكون ساحة للمنافسة بين الإسلاميين وغيرهم، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض تأثيرهم في البرلمان المقبل بحسب تنبؤات بعض المحللين. ومما يدل على قلق هيئة علماء الصومال من تلاشي تأثيرهم السياسي والديني في المستقبل القادم، ما جاء في البيان حول تحذيرهم من انتخاب من أسموهم بـ”المدنين الذين يبيعون مصير الوطن بزجاجة خمر أو حزمة قات أو علبة سجائر” نوابا في البرلمان على حد تعبيرهم، وهي عبارة تحتاج إلى تفسير وتوضيح الذين يبيعون الوطن بزجاجة خمر أو حزمة قات..
وتذهب بعض التحليلات إلى أن صرخة هيئة علماء الصومال بمثابة محاولة جديدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإعادة البلاد إلى عهد الفوضى وإبادة الشعب وارتكاب الجرائم باسم “الإسلام”، ولا سيما أن بعض كبار هيئة علماء الصومال كانوا ناشطين في حركة الاتحاد الإسلامي في التسعينيات من القرن الماضي، كما أيدوا ما كان يسمي باتحاد المحاكم الإسلامية الذي ظهر في البلاد كقوة سياسية وعسكرية في عام 2006؛ والذي ساهم في الويلات التي عاني منها الشعب الصومالي وخرجت من عباءته حركة الشباب.
ولا يخفى أن هيئة علماء الصومال أصبحت جزءا من المشكلة السياسية في البلاد، وذلك بعد وصول وفد من الهيئة يوم أمس الإثنين إلى مدينة جوهر عاصمة إقليم شبيلى الوسطى لمباركة مراجعة الدستور المؤقت لولاية إقليمي هيران وشبيلى الوسطى. والجدير بالذكر أن المؤتمر في جوهر أثار أزمة سياسية كبيرة، وقد قاطعته بعض أبرز القبائل القاطنة في الإقليمين، على خلفية إهمال مطالبها المتمثلة في عقد مؤتمر مصالحة للقبائل القاطنة في الإقليمين قبل الشروع في تشكيل الولاية. وعموما يتضح للمتابع أن هيئة علماء الصومال مدعومة من قبل أطراف سياسية، إلا أن المشكلة الكبيرة كامنة في استخدامها أسلوب إثارة المجتمع من خلال إصدار “فتاوى معلبة” بغية الوصول إلى تحقيق مصالح سياسية لجماعة معينة.
سبق أن أثارت هيئة علماء الصومال بلبلة في أوساط المجتمع الصومالي في شهر يونيو الماضي حول قضية السياسة الوطنية للجنس، واتهمت في ذلك الوقت الحكومة الصومالية بالموافقة على السياسة الوطنية للجنس التي أعدتها وزارة المرأة واعتبرتها الهيئة مخالفة للشريعة الإسلامية، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن موقفها واعتذرت للحكومة الصومالية في مؤتمر صحفي عقده رئيس الهيئة الشيخ بشير أحمد صلاد، والذي ذكر أن تصريحات هيئة علماء الصومال تم تفسيرها بشكل خاطئ، ما أدى إلى ضجة واستفادة البعض من غياب قنوات الاتصال لنقل أنباء غير صحيحة، على حد تعبيره، في إشارة إلى اعتراف من الهيئة بالخطأ للحكومة الصومالية.