37% من لاجئي العالم في إفريقيا و2019 عام اللاجئين في الإتحاد الإفريقي
صفاء عزب
آخر تحديث: 16/03/2019
القاهرة- تعد مشكلة اللاجئين من المشاكل المزمنة في عالمنا المعاصر، خاصة مع زيادة الحروب والصراعات السياسية في شتى أنحاء العالم، والتي تؤدي إلى تهجير السكان أو تشريدهم أو حتى تدفعهم للإضطرار للهرب من المخاطر التي يتعرضون لها. وقد شهد عام 2017 أعلى معدل لعدد اللاجئين والنازحين في العالم منذ فترة طويلة، وبلغ 68,5 مليون شخص عبر العالم، كان نصيب اللاجئين منها 25,4 مليون لاجئ، وذلك بزيادة 2,9 مليون لاجئ عن العام السابق، وفقا للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتكشف الأرقام أن ما يقرب من 60% من أعداد اللاجئين تأتي من الدول النامية. كما يبلغ نصيب القارة السمراء منها أكثر من الثلث بنسبة 37%. وهو ما يعكس حجم المشكلة وتداعياتها على قارة إفريقيا باعتبارها تضم النسبة الأكبر من اللاجئين في العالم بينما لا يمثل سكانها أكثر من 12% من سكان العالم. وعلى الجانب الآخر تسهم ثماني دول إفريقية من إجمالي عشرين دولة في العالم في قائمة الدول المصدرة للاجئبين.
وفي تقريرها عن أوضاع اللاجئين قالت فيرا سونجوي المديرة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة إن هناك ما يقرب من عشرين مليون نازحا ولاجئا داخل قارة إفريقيا، وأن هناك مليوني لاجئ ونازح في النصف الأول من العام الماضي. ولا شك أن هذا العدد الكبير خلال تلك الفترة القصيرة التي حددها التقرير يرجع إلى كثرة الصراعات المسلحة سيما وأن هذا العدد كان نازحا من كل من جنوب السودان والصومال وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، وهي دول يعاني أهلها من ظروف غير آمنة في كثير من الأحيان بسبب الأوضاع السياسية والأمنية. وبحسب تقارير رسمية فإن منطقة شرق إفريقيا تعج بالعدد الأكبر من اللاجئين والنازحين داخليا، حيث تبلغ نسبتهم 59% من إجمالي اللاجئين بقارة إفريقيا.
من أجل ذلك كان موضوع اللاجئين والنازحين هو محور قمة الإتحاد الإفريقي التي عقدت في أديس أبابا في شهر فبراير الماضي. ولنفس السبب خصص الإتحاد الإفريقي عام 2019 ليكون عاما للاجئين والنازحين ومناقشة مشكلاتهم ومحاولة العثور على حلول واقعية لها. وهو ما يتواكب مع مرور عشر سنوات أو عقد كامل على توقيع دول الإتحاد الإفريقي لاتفاقية كمبالا لحماية ومساعدة النازحين الأفارقة عام 2009.
ولاشك أن هذه الإتفاقية من المحطات الهامة في مواجهة أزمة النزوح الداخلي من خلال ما تضمنته من إطار قانوني للسيطرة على تلك الظاهرة. ويتواكب الإهتمام الإفريقي باللاجئين هذا العام مع الإحتفال بمرور نصف قرن على توقيع اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية عام 1969، والتي لعبت دورا هاما في وضع قواعد لحماية اللاجئين لظروف قهرية. وقد توسعت الإتفاقية الإفريقية حول اللاجئين في القارة السمراء، فى مفهوم وتعريف اللاجئ ومنحته حماية أفضل من اتفاقية الامم المتحدة حول اللاجئين بحسب خبراء قانون دولي. كما تضمن الميثاق الافريقى حول حقوق الاطفال حماية أشمل لهم من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وكفل للمرأة الإفريقية حقوقا كبيرة
وخلال تلك العقود شهدت القارة الإفريقية موجات متتابعة من اللجوء والنزوح الداخلي خاصة على الحدود المحيطة بالبؤر الساخنة والمناطق المشتعلة بالصراعات وهو ما يلقي بأعباء ثقيلة على الجيران من الدول التي يقصدها اللاجئون فرارا من الحرب أو المخاطر المختلفة. حيث يمثل هؤلاء اللاجئون والنازحون أزمة كبرى لتلك الدول، وأغلبها دول فقيرة اقتصاديا، في توفير الطعام والخدمات المختلفة، هذا بخلاف ما يمكن أن ينجم عن اللجوء من أزمات سياسية وأمنية في بعض الأحيان.
وتعد إثيوبيا وأوغندا من أكثر الدول الإفريقية التي استقبلت عددا كبيرا من النازحين، إلا أن التجربة الأوغندية في هذا الصدد كانت نموذجا حظي بالإشادة الدولية لنجاحه في وضع قواعد أتاحت للاجئين الاستفادة من بعض الخدمات الصحية والتعليمية وسمحت لهم بالعمل والزراعة وحرية التنقل في البلاد. وهو ما حاولت كينيا تقليده بالتعاون مع البنك الدولي واللجنة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من خلال مشروعات استثمارية لخدمة اللاجئين لولا ضعف الموارد المالية وبعض القيود السياسية. وهناك أيضا نموذج تنزانيا التي استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين البورونديين خلال القرن الماضي، وقررت مؤخرا تجنيسهم بعد كل تلك السنوات التي قضوها في هذا البلد.
لكن لاشك أن حل أزمة اللاجئين يعد من الأمور الصعبة التي تحتاج إلى جهود دولية جماعية تتجاوز قدرات الدول المستقبلة لهم وتتجاوز إمكانياتها الفردية والمحدودة، وهي مسألة ترتبط بالإرادة السياسية الدولية مجتمعة لبناء نظام مؤسس بشكل قوي على رؤى شاملة لكافة جوانب هذه المشكلة. لأن أزمة اللاجئين لا تحل بمجرد عثورهم على مكان يستقبلهم ولكن تبقى هناك مشكلات أخرى معقدة منها إمكانية حصولهم على التعليم المناسب والرعاية الصحية الكافية، خاصة في ظل افتقار الدول الأفريقية إلى الموارد المالية والتقنية لاستقبال عدد كبير من اللاجئين. كما تبقى مسألة اندماجهم في المجتمعات الجديدة محل شك وربما تتسبب في مشكلات مجتمعية وأمنية لو حدث ما يعكر الصفو الإجتماعي ويكدر الحالة السلمية من جراء وجود لاجئين في منطقة معينة، خاصة مع وجود الصراعات القبلية والنزاعات العرقية بشكل مستحكم في القارة الإفريقية. كما تظل مسألة حقوق الإنسان على المحك في قضية التعامل مع اللاجئين خاصة عندما تتعارض المصالح السياسية مع فتح الحدود لاستقبالهم.
من أجل ذلك يجب على المؤسسات المالية الكبرى كالبنك الدولي ومختلف دول العالم وخاصة تلك الدول التي تشكو مرارا من الهجرة غير الشرعية من جانب أولئك النازحين واللاجئين الأفارقة ، أن تمد يد العون والدعم للدول الإفريقية المستقبلة للاجئين تحت مظلة الإتحاد الإفريقي حتى يمكن السيطرة على حركة اللاجئين وفتح أبواب للعيش والحياة تبعدهم عن التفكير في الهجرة وطلب اللجوء.
ويبقى العنصر الأهم وهو تجفيف منابع اللجوء من خلال إعادة الإستقرار للمناطق المنكوبة بالصراعات والطاردة للبشر الهاربين من جحيم الحروب والمجاعات . وهي مسألة تتطلب أيضا دعما دوليا ومساندة من المؤسسات الأممية والعالمية للقضاء على جذور المشكلة.