ورحل الرئيس"دانيال أراب موي" مثيرا للجدل في كينيا

صفاء عزب

آخر تحديث: 10/02/2020

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- فقدت القارة الإفريقية مؤخرا، سياسيا محنكا وزعيما معمرا يعد من أطول الرؤساء الأفارقة عمرا وحكما، وهو دانيال أراب موي الرئيس الكيني السابق وثاني رؤساء كينيا بعد حصولها على الإستقلال، وذلك بوفاته عن عمر ناهز 95 عاما بعد حياة سياسية حافلة بالمتناقضات التي أثارت الجدل الكبير حول فترة حكمه وما ارتبطت به من ممارسات سياسية.

لم يكن دانيال أراب موي مجرد حاكم أو رئيس لدولة إفريقية وإنما كان قائدا سياسيا من طراز خاص بصرف النظر عن المساوئ التي شهدتها فترة حكمه، حيث ارتبطت مسيرته السياسية بفترة من أهم الفترات التاريخية لبلاده وهي مرحلة الإستقلال الذي شارك فيه، وكذلك إعادة تشكيل الحياة السياسية في كينيا. وهو ما منحه لقب “نيايو” الذي اشتهر به بين أفراد شعبه والذي يعني باللغة السواحيلية “الخطى” وذلك كونه كان يتبع خطى الرئيس كينياتا، أول رئيس كيني للبلاد، إضافة للقب أستاذ السياسة الذي حظي به بحكم مسيرته السياسية الطويلة والتي امتدت لأربعة وعشرين عاما في الحكم بيد من حديد، إلى جانب حياته الممتدة خارج السلطة.

لا يعلم الكثيرون أن أشهر رؤساء كينيا، وثانيهم في الترتيب وأطولهم عمرا ينتمي لأسرة ريفية فقيرة، وكان يعمل مدرسا ناجحا قبل أن يخوض غمار السياسة، كما تولى “موي” منصبا قياديا تربويا في المؤسسة التعليمية التي عمل بها مدرسا. وفي أكتوبر عام 1955، وبعد أن تحول إلى المجال السياسي، أصبح موي عضوا بالمجلس التشريعي الذي شكله المستعمرون لبلاده،وشارك في مفاوضات الإستقلال عام 1963 كما شغل مناصب وزارية متعددة ونجح في استبعاد خصومه السياسيين، حتى أصبح نائبا للرئيس الكيني عام 1967وكان يعتمد عليه بشكل كبير.

بوفاة الرئيس كينياتا عام 1978 أصبح موي قانونا رئيسا للبلاد خلال الفترة الانتقالية التي تبلغ 90 يوما. وبينما كان الصراع والمنافسة السياسية ساخنة بين كتلتين سياستين عرقيتين هما Kikuyu التي ينتمي لها الحزب الحاكم،و”كانو”Kanu، بدا موي بلا لون سياسي قوي كما افتقد لأي قاعدة عرقية تسانده لكنه استطاع من خلال فلسفته التي آمن بها وهي ” السلام والمحبة والوحدة” أن يكسب قبول الشعب الكيني مما جعلهم يعتقدون أنه سيسهم في القضاء على الفساد المستشري والموروث من الفترات السابقة. لكن سرعان ما تحول موي عن فلسفته التي اختاره شعبه على أساسها،وصار العنف هو السمة المميزة لنظام موي، فمع توليه السلطة ازدادت حدة القمع وإسكات المعارضة والاعتقالات التعسفية حيث أخضع معارضيه للتعذيب واستشرى الفساد. وفي يونيو عام 1982 عمد إلى تغيير الدستور ليفرض نظام الحزب الواحد بالبلاد ما جعل من “كانو” الحزب السياسي الوحيد في كينيا. وكانت هناك محاولة انقلاب بواسطة القوات الجوية في أغسطس من نفس العام، وتم إخمادها والتعامل معها بوحشية شديدة حيث تم اقتياد محامين وبعض ضباط عسكريين ورجال مخابرات الى الإعتقال والنفي والإبعاد، وهي وسيلة موي التي اتبعها للسيطرة على البلاد والحكم بيد من حديد. وفي بداية عام 1990 وقعت صراعات عرقية راح ضحيتها المئات من القتلى وهي أحداث ساهمت في تقويض وتهديد حكم موي، حيث أدى ذلك لردود أفعال قوية رافضة لسياساته سيما ما يتعلق بالعنف ورفض التعددية السياسية، الأمر الذي اضطره للرضوخ لضغوط الكنيسة، والتحريض الشعبي إلى جانب ضغوط المجتمع المدني والدولي، ما أجبره على إعادة الحياة الحزبية للنظام السياسي وإجراء أول انتخابات في ظل التعدد الحزبي عام 1991 والتي فاز بها كما فاز بانتخابات 1997 أيضا.وبدا التحدي الأكبر ل”موي” في منتصف 1995مع تأسيس الحزب الجديد Safina والذي كان يضم صفوة من القيادات السياسية القديمة والمحامين المشهورين، الأمر الذي تسبب في عزل حزب “كانو” الحاكم أو الإتحاد الوطني الإفريقي والذي ظل الحزب الأوحد لفترة طويلة، وكان الحزب الجديد يعتمد في دعوته على نبذ العنف الذي مارسه نظام موي، ومحاربته.

مع مرور الوقت ازدادت الضغوط على موي من قبل سفارات 22 دولة أجنبية ردا على ممارساته والفساد المنتشر في عهده، كما هدد صندوق النقد الدولي بتعطيل واستعادة قرض بقيمة 36 مليون دولار، بينما كانت هناك محاولة سياسية من موي لتغيير الدستور لزيادة صلاحياته نحو مزيد من تمركز القوى في يديه.ولكن عام 2001 كان نقطة التحول وإعادة التفكير في المستقبل السياسي لموي، فبدأ يخطط بطريقة مختلفة.تواكب ذلك مع فوز المنافس المعارض مواي كيباكي الذي كان ينتمي لائتلاف قوس قزح الوطني ونجح في كسر احتكار حزب “كانو” للسلطة على مدار عقود طويلة ليصبح الرئيس الثالث لكينيا عام 2002، بعد محاولتين فاشلتين في انتخابات 1992 و 1997.

في تلك الأثناء ظهرت شخصية جديدة وصفت بالشخصية الرقمية في كينيا وهي شخصية أوهوروكينياتا ابن الرئيس الكيني الأول للبلاد، حيث كان قد عاد من الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن عمل موظفا بأحد البنوك هناك، ليصبح بعد ذلك رجل أعمال قبل أن يقتحم مجال السياسة.وكان الرئيس دانيال أراب  موي، هو من فتح لكينياتا الإبن أبواب العمل السياسي، من بوابة العمل البرلماني  وصولا لإدارة رئاسة فرع «كانو» في مسقط رأس أبيه 1997، ثم أصبح واحداً من 4 نواب لرئيسه. ويبدو الأمر أن “موي” قد  اختار نجل الرئيس الذي عمل معه نائبا ليجهزه للعمل السياسي تمهيدا لقيادة البلاد في مرحلة تالية، وهو ما حدث بالفعل عندما أصبح الرئيس الرابع لكينيا.

على مدار 24 سنة من الحكم في ظل أساليب وصفت بالقمعية للإنفراد بالسلطة مع غياب التعددية السياسية لسنوات طويلة، يرى البعض ومنهم الجماعات الحقوقية والمجتمع المدني أن أسوأ ذكرى تركها “موي” هي تلك الزنزانات التي خصصها لاحتجاز وتعذيب معارضيه من الطلاب والنشطاء السياسيين، والقابعة في ذلك المبنى الحكومي الشهير ب”نيايو هاوس” بوسط نيروبي حيث تقع وزارة الهجرة حاليا. وفي كتاب للباحث دانيال برانش، كشف عن ملاحقة  نظام “موي” للنخب الثقافية والمدافعين عن البيئة وحقوق الإنسان، ومنهم الكاتب نغوجي واثيونغو، ووانغاري ماتاي التي منحت جائزة نوبل للسلام في وقت لاحق. ووفقا لما ذكره “برانش” في كتابه عن كينيا بعد الإستقلال، فقد تعرض مواطنون عاديون للقمع وصار التعذيب والإعتقال هو اللغة التي تتحدث بها السلطة مع الشعب.وامتدت الإنتقادات لنظام أراب موي للجانب الإقتصادي أيضا، ففي بداية الألفية الثالثة، أكد تقرير لمكتب التحقيقات المتخصص بإدارة المخاطر “كرول” أن شركات وهمية للرئيس أراب موي وشركائه اختلست مليار دولار من البلاد خلال حكمه الذي دام 24 عاما. كما عانى الكينيون من البطالة والتضخم والفساد، وهو ما تجسد في قضية فساد شهيرة عرفت ب”قضية غولدنبرغ”.

ومع ذلك ورغم كل هذه الإنتقادات فإن هناك من يدافع عن “أراب موي” وينادي برد الإعتبار له وهو ما شهدته السنوات الأخيرة، عندما تحدث مراقبون كينيون تكرارا عن رد اعتبار للرئيس الأسبق، لكنه جري بلا ضجيج حيث كان يزوره مسؤولون سياسيون بانتظام لمشاورته، الأمر الذي يثيرعلامات الإستفهام المصحوبة بالتعجب حول حقيقة الإتهامات الموجهة للرئيس الراحل!

لقد كشفت وفاة الرئيس الكيني الأسبق عن الجدل الكبير المثار حول شخصيته وقيمته التاريخية وتقييم الفترة السياسية التي حكم البلاد خلالها، واختلفت الآراء بين من يثمن مسيرته وبين من يوجه له الإنتقادات والإتهامات. لقد اعتبره الرئيس الكيني الحالي أوهورو كينياتا رجل دولة إفريقي كبير، وأحد قادة النضال من أجل استقلال بلاده، ووصفه بأنه أعظم القادة الأفارقة في كلمته التي رثاه فيها. كما أشاد ويليام روتو نائب الرئيس الكيني ب”موي” وطالب الناس بالشعور بالرضاء عما أنجزه لمواطنيه، واصفا إياه ب “الوطني المسيحي الورع”. ولم تقتصر الإشادة ب”موي” على الرئيس الكيني ونائبه وإنما امتدت أيضا إلى المعارضين، حيث أشاد المعارض رايلا أودينغا، السجين السابق في عهد “موي” بالإنجازات المتعلقة بإعادة التعددية الحزبية للحياة السياسية بكينيا على يد موي!

لاشك أن كل إنسان له ما له وعليه ما عليه، وعندما يتعلق الأمر بالسلطة والسياسة والحكم فإن الأمر يزداد جدلا حول تقييم السياسي، فتزداد هوة الاختلافات بين المؤيدين والمعارضين له، خاصة مع وجود خفايا وأسرار تحجب جزءً من الرؤية الصحيحة والتقييم الموضوعي، وهو ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار. ويبقى الرئيس الكيني الراحل دانيال أراب موي من أهم الرؤساء الذين تولوا حكم بلادهم داخل القارة الإفريقية، ذلك أنه يحسب له التعامل بحنكة وإتقان مع الخلافات العرقية، والحفاظ على بلاده من السقوط في براثن الصراعات الداخلية وحروب الإبادة الأهلية التي ذاق ويلاتها الملايين من أبناء شعوب الدول المجاورة. كما أنه عندما سلم السلطة آثر أن يبقي بلاده في حالة من الأمن والإستقرار، وكان من الممكن أن يحفر اسمه في تاريخ بلاده بماء الذهب لو كان استطاع إدارة النظام الإقتصادي بشكل أفضل، لرفع مستويات المعيشة لأبناء شعبه، ولو قلل من درجة العنف والقمع الذي مارسهما تجاه معارضيه وخصومه السياسيين من أبناء شعبه.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال