هل ينجح ويليام روتو في تحقيق أحلام شعبه وإنقاذ بلاده كينيا من أزماتها؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 13/10/2022
القاهرة: صفاء عزب
قبل أن يصبح ويليام روتو رئيسا جديدا لكينيا كانت له تصريحات قوية ومثيرة للجدل بشأن تواجد الأجانب وخاصة الصينيين في بلاده حيث أعلن في منتدى اقتصادي عقد في شهر يونيو الماضي وقبل انعقاد الانتخابات الرئاسية التي خاضها وفاز فيها، أنه سيطرد الصينيين الذين يشغلون وظائف بإمكان الكينيين أن يقوموا بها، إذا ما نجح في الانتخابات. وبرر روتو هذا التصريح العنيف الذي لم تعلق عليه السفارة الصينية في نيروبي، بأن الأعمال التي يقوم بها الصينيون هي للكينيين. ولاشك أن هذا التصريح الجرئ يعكس التوجه الوطني القوي للرئيس الكيني الجديد الذي تولى مقاليد الحكم في بلاده قبل أسابيع قليلة وهو يحمل طموحات وأحلاما كثيرة عكستها عناوين وشعارات حملته الانتخابية والتي نجح من خلالها في كسب الأصوات أمام منافسه العنيد رايلا أودينجا رئيس الوزراء السابق الذي كان يحظى بتأييد ودعم الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا.
لقد جاءت حملة روتو بشعارات وعناوين عريضة تتعلق بحل مشكلات مزمنة وأزمات مستحكمة يمربها المجتمع الكيني في الوقت الحالي. وقدم نفسه لناخبيه كأحد الكادحين في البلاد وليس باعتباره قادما من المؤسسة السياسية أو نائبا للرئيس كينياتا، ووعد بوضع حد للسلالات الحاكمة والمسيطرة على الحكم في كينيا منذ استقلالها ويقصد عائلتي كينياتا ومنافسه أودينجا، وربما كان ذلك أحد أسباب فوزه في الانتخابات. وفي الوقت الذي يحرص فيه على إبراز تدينه كمسيحي إنجيلي وتمسكه بقيمة الدين في حياته، إلا أنه وعد ناخبيه أن يجعل بلاده كينيا وطنا للجميع بكل طوائفه وفئاته الدينية بمن فيهم المسلمين واللادينيين. وعلى المستوى الاقتصادي تصدر حملته الانتخابية شعار التغيير”من القاعدة إلى القمة” للاقتصاد الكيني بهدف معالجة معدل البطالة المرتفع بين الشباب وتحسين حياة الفقراء حيث يعيش ثلاثة أشخاص من كلّ عشرة في فقر مدقع، وتعهد بخلق فرص عمل لهم. كما وعد شعبه بمعالجة التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور. وأوضح روتو رؤيته الخاصة بالإصلاح وسبل إخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية وإنشاء صندوق رأسماله 50 مليار شلن كيني (نحو 410 ملايين يورو) لمنح قروض للأعمال الصغيرة. كما كشف عن خطته لدعم التزامات بلاده بشأن تغير المناخ والتي تم تقديمها إلى الأمم المتحدة، وتتضمن انتقال نيروبي بشكل كامل وعادل إلى الكهرباء المنتجة حصريا عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، والتي تكفل استفادة جميع أطياف الشعب الكيني من هذه الخطوة.
لقد وصل الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو ذو الخمسة والخمسين عاما إلى محطة القصر الرئاسي مؤخرا بعد رحلة طويلة شاقة ومثيرة منذ بدايتها، حيث كان يعمل في أعمال بسيطة كغيره من فقراء الكينيين كبائع للدجاج في المناطق الريفية ولم يكن يمتلك حذاء فكان يذهب للمدرسة حافي القدمين. ورغم فقره ومعاناته في الطفولة والصبا، نجح من خلال رحلة كفاحه في إكمال تعليمه والحصول على شهادة جامعية في علوم البيئة والنبات واستطاع بعد ذلك أن يمتلك مزرعة كبيرة للدجاج. ولم تكن له علاقة بالسياسة في بداية حياته العملية حيث كان يعمل مدرسا قبل أن يخوض غمارها ويدخل إلى دهاليزها الواسعة من بوابة الحملات الانتخابية. لقد أتيحت له الفرصة للدخول إلى معترك الحياة السياسية بشكل تدريجي حتى وصل إلى قمتها، وكانت البداية عام 1992 حينما عمل كأمين صندوق لمجموعة حملات خاصة بإعادة انتخاب الرئيس السابق دانيال موي واكتسب وقتها خبرة كبيرة دفعته للمنافسة على مختلف المناصب في الحزب الحاكم وقتها “كانو”، ورغم أنه لم ينجح في ذلك، إلا أنه استطاع عام 1997 الفوز بمقعد في البرلمان. بعدها تولى منصب مساعد وزير في وزارة الشؤون الداخلية قبل ترقيته لمنصب وزير الشؤون الداخلية مع احتفاظه بمقعده البرلماني. وبعد أن أصبح أمينا عاما لحزب كانو شغل منصب وزير الزراعة ثم وزير التعليم ما بين عامي 2008 و 2010.
وخاض روتو مع كينياتا انتخابات الرئاسة الكينية عام 2013 على منصب نائب الرئيٍس، وبالفعل فاز الثنائي بالمنصبين؛ كينياتا رئيسا وروتو نائبا، وبقيا في منصبيهما حتى انتخابات الرئاسة الأخيرة والتي فاز فيها ولكنها لم تخل من الإثارة أيضا. لقد كانت المنافسة شديدة بينه وبين منافسه أودينجا الذي كان يعمل رئيسا للوزراء وحظى بدعم وتأييد الرئيس المنتهية ولايته كينياتا، لدرجة أن نتيجة الانتخابات استغرقت وقتا لحسمها بسبب الفارق الضئيل بينه وبين أودينجا حيث حصد 50.5 في المائة من الأصوات وقد تأجل الإعلان عن النتائج وسط مشاحنات واتهامات بتزوير الأصوات من قبل حملة أودينجا. ورفض أربعة من أعضاء مفوضية الانتخابات السبعة المصادقة على النتائج، قائلين إنها “غير شفافة”.
على الرغم مما شهده سيناريو وصول الزعيم روتو لمقعد الرئاسة مؤخرا من مشاحنات إلا أنه يحسب للكينيين نجاحهم في تجاوز المرحلة الحرجة وانتقال السلطة من الرئيس المنتهية ولايته وتسليمها إلى الرئيس المنتخب الجديد بشكل سلمي يعكس إعلاء قيمة الديمقراطية في كينيا التي ينظر إليها الغرب كنموذج للإستقرار الديمقراطي ويعتبرها قاطرة اقتصادية في منطقة القرن الإفريقي المتوترة. كما تعد كينيا حليفا غربيا وثيقا يستضيف عدد من المؤسسات الدولية المهمة ومن ثم تحظى باهتمام دولي كبير.
لا شك أن مشهد تسليم السلطة في كينيا والتصافح بين الرئيس المنتهية ولايته والرئيس الجديد بحضور دولي وترقب عالمي يعكس حالة من الاستقرار ويبعث بمؤشرات الطمأنينة ويوحي بإيجابية المرحلة مع تولي الرئيس روتو، ما جعله يستحق الإشادة الدولية.
ومع ذلك فإن تسلم روتو مهامه رئيسا للبلاد في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية ومستويات المعيشة للكينيين يعد بمثابة تسلمه لتركة ثقيلة مما يثير قلق المراقبين حول قدرة الرئيس روتو على انتشال شعبه من معاناته وتحسين أوضاعه تنفيذا لوعوده الإنتخابية، حيث يحذرون من أن حكم بلد مثل كينيا مثقل بالمشكلات المزمنة يعد أصعب كثيرا من إدارة حملة انتخابية.
لقد وصل مؤشر التضخم إلى معدلات شديدة الارتفاع بشكل أعجز الكثيرين من الشعب الكيني عن توفير أكثر من وجبة غذائية يوميا واضطرارهم لشراء الطماطم والبصل وغيرها من السلع الزراعية بالواحدة وليس بالكيلو جرام، مما جعل حركة التجارة ضعيفة. وأظهرت إحصائيات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاء الكيني أن معدلات الأسعار ارتفعت بنسبة 12.4 في المائة في مايو 2022 عما كانت عليه في مايو عام 2021. وزاد من تعميق الأزمة فشل إنتاج المحاصيل، بسبب عدم كفاية الأمطار وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية مثل الأسمدة. على مدار المواسم الأربع الأخيرة شهدت كينيا أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاما، وانقطعت الأمطار مما أضر بالبشر والحيوانات، وتأثرت منطقة شمال غرب كينيا بالجفاف القاحل وهو ما أدى إلى تدمير الماشية والمحاصيل وبلغت الأزمة الشدة التي أدت إلى نفوق الجمال وحيوانات الغابات ومنها أنواع نادرة من الحمار الوحشي مات منها 58 حمارا منذ يونيو الماضي. ولسوء الحظ يتوقع خبراء الأرصاد الجوية قدوم موسم خامس بلا أمطار. وفي ظل هذه الأزمة يعاني أكثر من أربعة ملايين كيني من “انعدام الأمن الغذائي” بسبب الجفاف وعجز أكثر من 3 ملايين منهم عن الحصول على ما يكفي من الماء للشرب. وهناك مشكلات أخرى خطيرة تعاني منها كينيا مثل الصيد الجائر حيث فقدت كينيا نحو 400 فيل بسبب الصيد الجائر قبل 10 سنوات، وهو أعلى معدل في كينيا منذ عام 2005، وفقا لتقرير صدر عام 2012 عن خدمة الحياة البرية في البلاد.
كما ارتفع معدل البطالة الرسمي بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و34 عاما نحو 40 في المائة، وعجز الاقتصاد الكيني عن تدبير وظائف تستوعب هذه القوة العاملة العاطلة. يضاف إلى ذلك تضخم حجم الديون بشكل خطير حيث بلغ 70% من إجمالي ناتجها المحلي.
وتزداد الأعباء ثقلا في ظل الأثر الخطير الذي تلعبه الولاءات العرقية في السياسة الكينية حيث ينتمي الرئيس الجديد روتو إلى ثالث أكبر مجموعة عرقية في بلاده وهي الكالينجين التي جاء منها أطول الرؤساء الكينيين استمرارا في الحكم وهو دانيال أرب موي، الأمر الذي يتطلب منه حكمة في إدارة البلاد إلى جانب إثبات عدم تحيزه إلى طائفته العرقية أو الدينية حتى لا يثير الطوائف أو الأعراق الأخرى.
إن على روتو العمل بجد ومثابرة وإخلاص حتى يشعر شعبه بالنتائج الإيجابية لحكمه كما عليه أن يثبت جدارته ليكتسب الثقة من الخصوم قبل الأنصار لا سيما بعد إثارة قضايا فساد حكومي في حقه خاصة بعد تضخم ثروته وامتلاكه لمساحات شاسعة من الأراضي في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني. لقد أمرته المحكمة العليا بإعادة مزرعة مساحتها 40 هكتارا.
لاشك أن مسيرة الكفاح والعمل التي خاضها ويليام روتو كفيلة بإكسابه احترام وتقدير ومحبة الشعب خاصة مع تأكيده على تحيزه للفقراء الذين جاء منهم ومع إنجازاته التي ينبغي عليه تحقيقها تنفيذا لوعوده الانتخابية. وهو ما تكشفه الفترة المقبلة.