هل يعكر سد النهضة الإثيوبي صفو العلاقة بين الصومال ومصر؟!
صفاء عزب
آخر تحديث: 11/04/2020
القاهرة- أثارت أزمة إلغاء بروتوكول التعاون التعليمي بين الصومال ومصر مؤخرا، جدلا واسعا حيث جاء القرار مفاجئا دون مقدمات كما كان صادما للطرف المصري الذي يحرص على زيادة عدد بعثاته ومبتعثيه في الدول الإفريقية وأولها الصومال باعتبارها دولة عربية شقيقة، بهدف المساهمة في المشاركة في تلبية الإحتياجات والخدمات المجتمعية الحيوية والتي يأتي التعليم في مقدمتها. ولا شك أن صدور هذا القرار في الوقت الحالي يثير علامات استفهام كثيرة حول احتمالات تأثير علاقات الصومال ببعض دول الجوار على اتخاذ هذا القرار الذي اعتبره البعض بمثابة حرب ديبلوماسية ضد مصر، لأنه يحمل توجها مناقضا لطبيعة العلاقات الطيبة والدافئة التي تجمع بين الشعبين المصري والصومالي على مدار سنوات طويلة في الوقت المعاصر وعبر التاريخ. فإلى جانب جذور التعاون التاريخية بين مصر والصومال في مجال التجارة وغيرها، فإن هناك علاقات وطيدة في العصر الحديث ترجمت في أوجه عدة من التعاون المشترك.
لقد كان عام 2019 شاهدا على انعقاد منتدى الأعمال المصري الصومالي في شهر سبتمبر الماضي برئاسة وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، والمهندس عبد الله علي حسن، وزير التجارة والصناعة الصومالي، وبحضور وزير التجارة والصناعة، والمستشار محمد عبد الوهاب، القائم بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ونحو 110 رجال أعمال من البلدين. وهو المنتدى الذي تم على هامشه توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية بين البلدين. وفي نفس الشهر من العام الماضي أيضا قام محمد نصر، سفير مصر لدى الصومال، بتسليم مُساعدات مُقدمة من وزارة الداخلية المصرية إلى نظيرتها الصومالية وذلك في إطار الجهود المصرية الداعمة للصومال، وتعزيزاً للتعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات بما فيها المجال الأمني.
ويعد التعاون في مجال التعليم وإيفاد البعثات التعليمية من أهم مجالات التعاون الحيوية بين البلدين لما يحمله من تأثيرات متعددة الأبعاد على المجتمعات، وكانت البذرة الأولى في هذا التعاون باهتمام وزير التعليم العالي المصري الدكتور حسام عيسى بتحسين أوضاع الصوماليين في الجامعات المصرية وذلك عام 2013 بعد لقائه بالسفير الصومالي بالقاهرة آنذاك السفير عبد الله حسن محمود والذي طالب وقتها بزيادة المنح المقدمة للجالية الصومالية في مصر. وشهد التعاون المصري الصومالي في مجال التعليم تطورا ملحوظا في الفترات الأخيرة، ففي عام 2015 التقت الدكتورة خضرة بشير وزيرة اتعليم العالي بالصومال مع نظيرها المصري الدكتور محب الرافعي، ووقعا معا برتوكول تعاون في مجال التعليم بين البلدين، شمل هذا البروتوكول تشغيل مدارس البعثة المصرية في الصومال، وتدريب العاملين، وتطوير المناهج التعليمية وتقديم المساعدات الفنية في مختلف المجالات المتعلقة بالتعليم من تكنولوجيا التعليم والتربية الرياضية والتربية الفنية والمسرح المدرسي. وفي أعقاب ذلك صدر بيان رسمي بإنشاء رابطة للطلاب الصوماليين من خريجي المدارس والجامعات المصرية والإحتفال بهم سنويا بالصومال، وهو ما يعبر عما يكنه المصريون من محبة واهتمام لأشقائهم الصوماليين. وفي عام 2016 وافق وزير التعليم المصري الدكتور الهلالي الشربيني على إرسال البعثة التعليمية المصرية بالصومال للعام الدراسي 2016/2017، وعددهم (15) طبقًا للقرار الوزارى رقم (265) لسنة 2014.
وكانت وزارة التربية والتعليم بالحكومة الفيدرالية الصومالية قد أرسلت رسالة إلى سعد جودة رئيس البعثة التعليمية المصرية في الصومال تطالب فيها البعثة بإخلاء مدرسة 15 مايو في مقديشيو قبل 30 إبريل الجاري ضمن إجراءات إلغاء البروتوكول التعليمي بين مصر والصومال. وتعد مدرسة 15 مايو أول مدرسة مصرية بالصومال تقوم بتدريس المناهج المصرية منذ العام الدراسي 2017/2018 كما تم إلحاق فصول للتعليم المجتمعي بها استجابة لطلب الحكومة الصومالية. وبداية من العام الدراسي 2018/2019 تم افتتاح مدرسة الشهيد محمد كمال الدين بولاية بونت لاند لتدريس المنهج المصري، وتم تشغيلها بفتح فصول للمرحلة الابتدائية تحت إشراف البعثة التعليمية بالصومال، ويقوم على العملية التعليمية هناك 5 معلمين مصريين، إضافة إلى المعلمين المصريين بالمدرسة الأولى، ضمن بروتوكول التعاون التعليمي بين مصر والصومال، والذي تم إلغاؤه مؤخرا.
جدير بالذكر أن بروتوكول التعاون التعليمي بين مصر والصومال يتألف من 13 مادة وتم توقيعه بواسطة كل من وزيرة التربية والتعليم العالي السابقة خضرة بشير محمد علي ونظيرها المصري الدكتور محب محمود كامل الرافعي حبيب في 13 أغسطس عام 2018 بهدف إحياء الاتفاقيات والبرتوكولات التعاونية في المجال التعليمي السابقة بين البلدين، وذلك وفقا لمصادر إعلامية صومالية. وينص ضمن بنوده على أن يسلم الصومال للجانب المصري مدرسة 15 مايو في مقديشو، ومدرسة الشيخ حسن برسني وكذلك مدرسة جمال عبد الناصر لانطلاق مشروع التعاون التعليمي خلال العام الدراسي 15 مايو 2016. ووفقا لهذا البروتوكول تكون مدرسة 15 مايو مدرسة عربية نموذجية في حين ستكون مدرسة شيخ حسن برسني مدرسة إنجليزية نموذجية وذلك على المنهج المصري، على أن يتم إخلاء المدارس المصرية وتسليمها للبعثة المصرية في أسرع وقت وبصورة تضمن حقوق الطلاب الصوماليين الذين سوف يتم نقلهم من تلك المدارس، على أن تتكفل البعثة التعليمية المصرية في الصومال بكل ما يتطلبه المشروع من تجهيز وتدريب ، بينما يقتصر دور الحكومة الصومالية على توفير السكن والحماية للمدرسين المصريين أثناء تواجدهم في الصومال.
وفقا لتقارير صومالية فإن إلغاء هذا البروتوكول يعني فقدان أكثر من 1000 طالب وطالبة صومالية في مقديشيو فرصهم التعليمية، وهو الأمر الذي أحدث صدمة للكثيرين بمن فيهم الصوماليون أيضا. وأعرب بعضهم عن إحباطه وغضبه من هذا القرار ومنهم النائب إلياس حسن عضو مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الذي اعتبر هذا القرار أمرا مخجلا يتناقض مع العلاقة التاريخية بين مصر والصومال، واعتبره بمثابة تحول مفاجئ في العلاقة بين البلدين، مؤكدا على أن الجامعات المصرية خرّجت آلافا من الكوادر الصومالية من مثقفين ومهنيين ساهموا في تنمية وإزدهار الوطن. وبحسب ما ذكرته مواقع صومالية اتهم السيناتور إلياس حسن الحكومة الصومالية بشن حرب ديبلوماسية ضد مصر لإرضاء إثيوبيا! وهو نفس ما حملته تغريدة النائب مهد محمد صلاد على خلفية هذا القرار والذي وصف إلغاء البروتوكول بأنه إرضاء لإثيوبيا بإغلاق المدرسة التي كانت تقدم خدمات تعليمية مجانية للطلبة الصوماليين.
لاشك أن القرار الصومالي بإلغاء البروتوكول التعليمي المصري يحمل خلفيات وبواعث سياسية بخلاف الأمور الإجرائية التي ذكرتها الصحف كمبرر لهذا القرار، وهو ما تؤكده كلمات النائبين الصوماليين، سيما في ظل الخلاف السياسي الدائر بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومة بونت لاند ومطالبة الأولى للأخيرة باتباع نظم الإمتحانات لوزارة التعليم بالحكومة الصومالية الفيدرالية.
كما أنه لا يمكن تجاهل أزمة سد النهضة الإثيوبي وما أحدثه من خلافات في المحيط الإفريقي، خاصة الخلاف مع مصر وما تبعه من تغير في مواقف بعض الدول الداعمة لموقفها ومنها الصومال. حيث يرى بعض المراقبين أن التقارب الصومالي الإثيوبي ألقى بظلاله على العلاقات المصرية الصومالية والتي يرون أنها تدفع ثمن هذا التقارب، وهو ما أشارت إليه تغريدات النائبين الصوماليين. كما أن الملفت للنظر أن اتخاذ قرار وقف البروتوكول جاء في أعقاب زيارة مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية السفير أبو بكر حفني للصومال والتقائه بالرئيس محمد فرماجو وقيامه بتسليمه رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بقضية سد النهضة والموقف المصري منها.
وأمام هذه المعطيات تبدو احتمالات وجود ظلال سياسية في خلفية قرار إلغاء البروتوكول التعليمي بين مصر والصومال ومن الممكن أن تكون لها صلة بأزمة سد النهضة ولكن المؤكد أن السياسة الخارجية للصومال تعتمد على اتخاذ خطوات متوازنة من أجل الحفاظ على العلاقة مع مختلف دول الجوار الأصدقاء والأشقاء، بما يحافظ على مصلحة الشعب. كما أن العلاقات التاريخية العميقة بين الشعبين المصري والصومالي تظل رصيدا مهما ومؤثرا في القرارات المتبادلة بين البلدين.