هل يحمل التقارب المصري الإريتري رسالة خاصة للجانب الإثيوبي؟!
صفاء عزب
آخر تحديث: 5/04/2020
القاهرة- شهدت العلاقات المصرية الإريترية تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة وذلك بعد مرورها بمراحل مختلفة من الدفء والفتور عبر علاقة تاريخية طويلة تمتد لثلاثة قرون، إلا أنها تشهد خصوصية مميزة في الفترة الحالية في ظل التقارب الواضح بين البلدين، وهو ما دفع البعض للحديث عن احتمالات لم تؤكدها جهات رسمية بعد، بتعاون عسكري ذي صلة بجزيرة “نورا” قبالة الساحل الإريتري. بل إن البعض يتوقع أن تقوم الحكومة المصرية بتأسيس قاعدة عسكرية في هذه الجزيرة في إطار تعاون مشترك مع إريتريا. وتأتي هذه التكهنات مع توتر العلاقات المصرية الإثيوبية نتيجة فشل مفاوضات سد النهضة وعدم الوصول لحلول تحمي حقوق المصريين في حصتهم القانونية من نهر النيل. الأمر الذي يفرض السؤال عن احتمالات الربط بين أزمة سد النهضة ورد الفعل المصري بالتقارب مع إريتريا التي ظلت لفترة طويلة عدوا لدودا لإثيوبيا حتى توقيع اتفاق السلام بينهما واستمرار الفتور بينهما رغم المصالحة! فهل يحمل التقارب المصري الإريتري رسالة خاصة للجانب الإثيوبي!
لقد مرت منطقة القرن الإفريقي ومعها منطقة حوض نهر النيل في الفترة الأخيرة بتطورات وتوترات بين بعض الدول الإفريقية، سيما بعدما تسبب سد النهضة الإثيوبي في إثارة أزمة مزمنة بين إثيوبيا ودول المصب المتمثلة في السودان ومصر. وبينما يحاول السودان التوازن في مواقفه بين الطرف المصري ونظيره الإثيوبي، درءا لأي خصومة مع البلدين من أجل مصالح البلاد، فإن الخطر الذي يسببه السد الإثيوبي لحياة المصريين وعدم التوافق والإتفاق على نقاط الخلاف في المفاوضات ذات الصلة بهذا الشأن، قد يدفع المصريين للبحث عن بدائل أو وسائل للحفاظ على مصالح الشعب بتعظيم التواجد الاستراتيجي وإبراز مظاهر القوة الرادعة خاصة في منطقة البحر الأحمر التي تشهد محاولات مستميتة من اطراف دولية عديدة للتدخل أو التواجد بشكل أو بآخر لبسط النفوذ.
كان الرئيس الإريتري قد قام بزيارة مصر عدة مرات على فترات متقاربة خلال السنوات الأخيرة منها أربع مرات التقى خلالها بالقيادة السياسية المصرية الممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي كان أولها في شهر سبتمبر من عام 2014 وثانيها في شهر نوفمبر من عام 2016 وثالثها في شهر يناير من عام 2018 وجاءت الزيار ة الرابعة في شهر يونيو من العام الماضي 2019 وتمت مناقشة العديد من الموضوعات والقضايا ذات الإهتمام المشترك، على رأسها القضايا الأمنية والتنموية. كما تخلل هذه الفترة زيارات متبادلة ومتواصلة لمسؤولي البلدين في إطار يعكس تقاربا ملحوظا بين مصر وإريتريا. ويرى الكثيرون أهمية خاصة لتلك اللقاءات في الفترة الحالية مع ما تشهده الدول المطلة على البحر الأحمر من أحداث مهمة منها السودان واليمن، وما يرتبط به من تعاون ثنائي بين مصر وإريتريا فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر الذي يعد هدفا استراتيجيا لمصر لا يمكن التفريط فيه. وقد أثار هذا التقارب قلقا إقليميا متمثلا في صدور تقارير تزعم أنه يهدف إلى الإضرار بمشروع سد النهضة الإثيوبي، الأمر الذي نفته إريتريا بقوة مؤكدة على أن علاقتها المتوطدة بمصر تأتي في إطار الحرص على تحقيق تعاون يرسي السلام والاستقرار بالمنطقة.
وعلى الرغم من حرص القاهرة على الابتعاد عن حساسيات إقامة القواعد الخارجية، إلا أن تقارير صحفية فسرت التقارب الإريتري المصري الملحوظ باحتمالات التمهيد لانتشار مصري في جزيرة نورا أمام الساحل الإريتري، يدعم هذا الإحتمال القيمة الاستراتيجية الحيوية للجزيرة والموقع الجغرافي الاستراتيجي نفسه لدولة إريتريا التي تقبع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ذي الأهمية القصوى خاصة في ظل التنافس الشديد بين مختلف القوى الإقليمية لبسط النفوذ عنده، والذي يتوقع أن يزداد مع احتمالات الكشف عن الغاز الطبيعي بالمنطقة.
لا شك أن من حق كل الدول أن تحمي مصالحا وأمنها وأمن شعبها بالطريقة التي تراها مناسبة طالما أنها لا تتسبب في أية أضرار لأطراف أخرى، و هو ما أكدته القاهرة مرارا بأنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا تهدف لإيذاء أي طرف، وكل ما تسعى إليه هو حماية أمنها بكافة أشكاله وفق آليات مشروعة. كما أن التطوير هو سمة الحياة، والتعاون بين الدول من أهم مقومات التنمية وإرساء السلام والإستقرار، ومن هذا المنطلق لا يمكن تفسير التقارب المصري الإريتري خارج هذا الإطار، وهو إطار محكوم بالتوازنات الإقليمية في المنطقة. كما أن تطورات أزمة سد النهضة ستكون لها انعكاساتها على مختلف ردود الأفعال والمواقف الإقليمية المحتملة، مع التأكيد على حرص مصر على تحسين علاقاتها بمختلف جيرانها من دول القارة السمراء.