هل يتراجع الإقتصاد الإثيوبي مع تزايد العجز في إنتاج الطاقة الكهربية؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 31/05/2019
القاهرة- شهدت الفترة الأخيرة قرارات عديدة اتخذتها الحكومة الإثيوبية ذات بعد اقتصادي يتعلق بتناقص إنتاج الكهرباء المحلية وكذلك تقليص الكمية المصدرة للخارج ووقف التصدير إلى عدد من الدول وهو ما يعطي مؤشرات قوية على مرور إثيوبيا بأزمة اقتصادية طارئة ليست بعيدة الإرتباط بمياه النيل ومشروع سد النهضة الأمر الذي يضع علامات استفهام كبرى حول خطط التنمية المستقبلية ومستقبل النمو الإقتصادي واحتمالات تراجعه بعد أن حقق نتائج مذهلة ونموذجية على مستوى القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.
وكانت إثيوبيا قد أصدرت عدة قرارات متتابعة تتعلق بوقف تصدير الكهرباء إلى السودان وتقليص الكمية التي تصدرها لجيبوتي وذلك على خلفية أزمة كبرى تشهدها البلاد وتسببت في تكرار انقطاع الكهرباء نتيجة للنقص الشديد للمياه خلف السدود الإثيوبية التي تنتج الطاقة الكهربية، وهو ما أرجعه الخبراء لندرة الأمطار في المواسم الأخيرة. وأعلنت إثيوبيا تعليق بيع الكهرباء للسودان وخفض 50% من صادراتها الكهربية لجيبوتي، وهو الأمر الذي سيكبد إثيوبيا خسائر إقتصادية كبيرة منها 180 مليون دولار مما كانت تحصل عليه من تصديرها للكهرباء للجيران.
واقع الأمر أن حالة من التقشف تبدو واضحة داخل إثيوبيا يتم خلالها إعادة تنظيم استهلاك الطاقة وتقليصها تجنبا لانقطاع الكهرباء المستمر وهو الأمر الذي تسبب في إنتشار حالة من الغضب بين الشعب الإثيوبي لما يسببه تكرار الإنقطاع في تعطل المصالح وتعطل عجلة الإنتاج والعمل في مختلف القطاعات الإقتصادية. فقد قال سليشي بقلي، وزير المياه والري الإثيوبي أن بلاده تشهد عجزا في إنتاج الكهرباء بمقدار 476 ميجاوات بسبب قلة الأمطار. ونتيجة لذلك ستضطر إثيوبيا إلى إتخاذ إجراءات تقشفية متمثلة في خفض كميات الطاقة التي تمد بها الشركات ومختلف المؤسسات الصناعية والإنتاجية على مدار شهور لتخفيف الأحمال وفقا لخطة تم تفعيلها لمواجهة أزمة نقص المياه وتأثيرها السلبي على إنتاج الكهرباء وهي الإجراءات التي من المقرر أن تستمر حتى تعود كميات الأمطار المخزنة خلف السدود الإثيوبية لمستواها الطبيعي في موسم الأمطار المقبل.
وتعتبر إثيوبيا من أغنى الدول الإفريقية مائيا بعد الكونغو الديمقراطية حيث تحتضن أراضيها 22 نهرا ينبع معظمها داخلها، وهو ما ساعدها في بناء عدد كبير من السدود بلغ 15 سدا على الأنهار المشتركة بينها وبين دول الجوار تسهم في توليد كمية من الطاقة الكهربية التي تغطي احتياجات الشعب الإثيوبي كما يتم تصدير كمية من الفائض لبعض الدول المجاورة . إلا أن أزمة شح الأمطار على الهضبة الإثيوبية هذا الموسم تسبب في قلة المخزون من المياه خلف السدود الإثيوبية ومنها سد “جلجل جيبي 3” جنوب إثيوبيا والذي انخفض انتاجه بنسبة كبيرة خلال الفترة الأخيرة نتيجة نقص المياه خلفه، تسبب في عجز قدره 476 ميجاوات لتوليد الكهرباء بما يعني أن نسبة العجز تزيد عن ثلث إجمالي قدرات البلاد من الطاقة الكهربية البالغة 1400 ميجا وات وفقا لتصريحات وزير المياه الإثيوبي.
وبسبب حجم هذا العجز الكبير في إنتاج الكهرباء تمر إثيوبيا بأزمة كبرى في الطاقة التي لاغنى للتنمية الإقتصادية وخطط التطوير عنها، وساهم في تعميق هذه الأزمة إعلان تأخر استكمال الأعمال في سد النهضة حتى عام 2020 وهو المشروع القومي والحلم الكبير الذي كان يترقبه الإثيوبيون باعتباره المنقذ والممر الذي ينقلهم إلى مصاف الدول الغنية والشعوب ذات الدخول المرتفعة، إلا أن تأجيله تسبب في خلق موجة إحباط كبيرة انعكست على تراجع حجم الدعم الشعبي المادي لهذا المشروع.
ومع تأخر إنتاج سد النهضة وتناقص إنتاج الطاقة الكهربية من السدود الحالية في إثيوبيا تتكبد البلاد خسارة إقتصادية فادحة حيث يتسبب ذلك في إضعاف حركة الإنتاج وتراجع مؤشرات التنمية سيما لو استمر الوضع لفترات طويلة حيث يؤدي ذلك إلى تراجع الإستثمارات الأجنبية باعتبار أن الطاقة هي عصب الحياة ووجودها ضروري للمشروعات الإستثمارية الكبرى. كما يخسر الإقتصاد الإثيوبي ملايين الدولارات في كل يوم تحرم فيه خزينته من تلقي حصيلة تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة والتي كان يعول عليها كثيرا في الخطط التنموية سيما في ظل التخطيط لتوسيع دائرة التصدير لتشمل مزيدا من الدول الإفريقية المجاورة مثل تنزانيا وبوروندي ورواندا وكينيا حيث كانت أديس أبابا تخطط لإنتاج أكثر من 17 ألف ميجا/ وات بالخطة الخمسية الثانية للنمو.