هل يتحقق الحلم السودني باتفاق تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 20/07/2019
القاهرة- بعد حالة أشبه بالمخاض الصعب نجح السودانيون بجهود وساطة إفريقية في توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين تلبية للمطالب السودانية الثورية، وكان من المنتظر أن تكتمل هذه المطالب بتوقيع الإعلان الدستوري أمس الجمعة التاسع عشر من شهر يوليو لولا إعلان قوى الحرية والتغيير تأجيل هذه الخطوة .
في فندق كورنثيا ذلك المكان الفخم المطل على شاطئ النيل وعلى مدار 12 ساعة من المفاوضات والمحادثات العصيبة توصلت الأطراف السودانية إلى اتفاق مقبول من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير ومن قبل المجلس العسكري بعد أن سادت فترة من الشد والجذب بسبب تمسك كل طرف ببعض المطالب ورفض الآخر لها وسط مخاوف شعبية من سيطرة المجلس العسكري على الأمور وسلب مكاسب ثورتهم التي قاموا بها ضد نظام البشير. ونجح الوسيط الإثيوبي مع نظيره الإفريقي في بث أجواء الثقة والعمل على تحقيق معادلة متوازنة بين الفرقاء السياسيين في السودان لاستعادة الهدوء والإستقرار.
بعد فترة كبيرة من التوتر الذي ساد البلاد في أعقاب عزل البشير وتولي المجلس العسكري قيادة الأمور في البلاد، توصل السودانيون إلى اتفاق تقاسم للسلطة ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية من 11 عضوا تضم خمسة أعضاء من العسكريين وخمسة أعضاء من تحالف قوى الحرية والتغيير وعضو عن المدنيين. يتضمن اتفاق تقاسم السلطة في السودان أن يتناوب العسكريون والمدنيون علي رئاسة المجلس السيادي الذي يحكم البلاد خلال الفترة الإنتقالية التي حددت بثلاث سنوات، بحيث يتولي العسكريون رئاسته لمدة 21 شهرا بداية من تاريخ التوقيع على الإتفاق، بينما يتولى أحد الأعضاء المدنيين في المجلس رئاسته لمدة ثمانية عشر شهرا أخرى حتى يتم انتخاب رئيس مدني للسودان. ولا يقتصر الإتفاق الأخير على تقاسم السلطة فقط إنما تطرق إلى الجوانب الدستورية، حيث من المنتظر التوقيع على الوثيقة الدستورية خلال الفترة المقبلة بعد تأجيله بسبب الخلاف على بعض النقاط التفصيلية. كما تم الإتفاق على إنشاء آليات خاصة بوضع دستور دائم للبلاد ووضع برامج لإصلاح أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة العسكرية وفق القانون، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات السريعة لوقف التدهور الشديد للإقتصاد السوداني وإنقاذ عملته.
لم يكن من السهل التوصل لمثل هذا الإتفاق وسط حالة الإحتقان الشعبي والشحن الثوري بين قوى الإحتجاجات بسبب الأحداث والحوادث التي شهدها الشارع السوداني خلال الفترة الأخيرة بعد عزل البشير والمصادمات الدموية التي وقعت أثناء محاولات فض الإعتصامات الشعبية بالقوة وتبادل الإتهامات بين المجلس العسكري والمعتصمين. وقد ساهمت هذه الأجواء في زعزعة الثقة بين الطرفين وخلق شقاق عميق أدى إلى صعوبة التفاوض والوصول لحل وسط يرضي جميع الأطراف خلال الفترة الطويلة التي سبقت اتفاق تقاسم السلطة، وهو ما كان سببا أيضا في تكرار تأجيل المفاوضات وتأخر تحقيق هذا الإنجاز.
الحصانة المطلقة للمجلس العسكري كانت ولازالت من أهم نقاط الخلاف الحساسة والتي رفضتها قوى التغيير والحرية بكل قوة كما وضعت آلية لرفع الحصانة عن مجلس السيادة كله، وطالب تحالف الحرية والتغيير بخضوع أعضاء المجلس للمحاكمة أمام المحكمة الدستورية. وفي المقابل يصر المجلس العسكري على منح الحصانة المطلقة للعسكريين الخمسة في المجلس السيادي وهو الأمر الذي يخشى المراقبون أن يتسبب في نسف الإتفاق كله والعودة إلى نقطة الصفر سيما بعد أن تأجلت المفاوضات الخاصة بالوثيقة الدستورية بعد أن كان مقررا الإنتهاء منها يوم أمس.
وعلى الرغم من تصريح الوسيط الإفريقي محمد حسن لبات بأنه تم تجاوز ما يقرب من 80% من نقاط الخلاف بين فرقاء السودان خلال جلسات التفاوض المغلقة، إلا أن هناك توجسا مشوبا بالحذر مما ستسفر عنه الفترة المقبلة التي ستشهد التنفيذ الفعلي لاتفاق تقاسم السلطة وتنفيذ الإعلان الدستوري محل التفاوض خلال الساعات الحرجة القادمة.
يأتي ذلك بينما لا تزال هناك أمور عديدة غامضة منها إعلان المجلس العسكري عن حدوث محاولة انقلاب قام بها مجموعة من الضباط وأنه تم السيطرة عليهم دون توضيح أية بيانات تفصيلية حول هذا الأمر سوى تصريح تليفزيوني مقتضب لعضو المجلس العسكري الفريق أول ركن جمال عمر باعتقال 12 ضابطا وأربعة جنود خططوا لمحاولة انقلاب تمهيدا لمحاكمتهم، وهو ما يشي بوجود حالة من التعتيم على بعض الأمور لأسباب مجهولة تفتح الباب لتكهنات متضاربة لكن تبقى محصلتها واحدة في كونها تثير القلق وعدم الإرتياح. ويضاف إلى ذلك حوادث العنف والقتل ضد الثوار والمعتصمين والتي يحاول المجلس العسكري التنصل منها بينما يصر التحالف الثوري السوداني على فتح التحقيق ونزع الحصانة عن المجلس العسكري حتى يتسنى محاسبة المسؤولين عن هذه الأحداث.
في خضم هذه التطورات يثور التساؤل حول مستقبل الثورة السودانية وما ستؤول إليه أحوال الشعب السوداني بعد إتمام إتفاق تقاسم السلطة. إن ما يخشاه كثير من السودانيين وأصحاب الفكر والرؤى هو الإنقسامات الكثيرة واحتمالات التهديدات الأمنية التي تهدد استقرار البلاد، كما يخشى السودانيون استمرار سيطرة أطراف كانوا ينتمون لنظام البشير ومن ثم استمرار نفس المساوئ السياسية التي ارتبطت بالعهد البائد. كما يواجه محمد حمدان داجالو نائب المجلس العسكري بالسودان انتقادات من الشارع السوداني ممن يعتبرونه المتهم بارتكاب انتهاكات سيئة في الفترة الأخيرة بحكم قيادته لقوات الدعم السريع!
ويبقى التحدي الأكبر في قدرة المجتمع على تحييد المؤسسة العسكرية وإخضاعها للسلطة الشرعية المدنية ، حيث تظل إمكانيات هذه المؤسسة قوية وخطيرة بما تمتلكه من أسلحة وتكنولوجيا للسيطرة الجبرية ومن المعلومات الحيوية التي قد يحدث استغلالها أو التلاعب بها في حالة وجود أي مواجهة.
وعلى الجانب الآخر يرى فريق من أصحاب الفكر البراجماتي بالسودان بضرورة التعامل مع الواقع وفق معطياته والإعتراف بأن الإتفاق المبرم هو مجرد اتفاق سياسي لا ينفي وجود انقسامات بين الطرفين، ولكن لابد من استغلال الإتفاق كصفقة جيدة تتيح للقوى السياسية المدنية المشاركة وعليهم إثبات الجدارة وانتزاع الثقة في القدرة على إدارة شؤون البلاد كما تعد فرصة مهمة لخلخلة السيطرة العسكرية وتقليص فرص سيطرتهم على زمام الأمور كخطوة تمهيدية نحو الحكم المدني الذي قامت الثورة السودانية من أجله.
لاشك أن ما يشهده السودان من تطورات خاصة باتفاق تقاسم السلطة وما سوف يعقبه من وثيقة إعلان دستوري، يعد من المكاسب السياسية الكبيرة التي حققتها الثورة السودانية، ويظل الإخلاص للوطن والإلتفاف حول مصالح شعبه دونما أية أهواء أو أطماع أخرى هو المحك والضمانة لتحقيق كل بنود الإتفاق واستعادة الهدوء والإستقرار والأمن في السودان وهي مسألة ترتبط بمشاعر الإنتماء الوطني المشتركة بين جميع أبناء السودان مدنيين وعسكريين. ولا بد أن يستمر دور الوسطاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز ومتابعة التطورات والتدخل السريع إذا استلزم الأمر ذلك، للحيلولة دون حدوث أي تراجع للوراء عما تم إنجازه والدفع قدما للأمام نحو المستقبل المنشود.