هل تنجح كينيا في القضاء على الفساد ؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 1/12/2018
تخوض كينيا معركة كبيرة وشديدة الشراسة في حربها ضد الفساد، وقد شهدت الساحة السياسية في كينيا في الفترة الاخيرة مطاردات أمنية وملاحقات عدلية لمسؤولين كبار وموظفين بالدولة في إطار حملات مستمرة ومتتابعة للتصدي لظاهرة الفساد بمختلف أشكالها. وبات الوضع حرجا بسبب تصاعد وتيرة الغضب الشعبي تنديدا باستفحال الفساد واستشرائه في مختلف جوانب الحياة داخل الدولة الكبيرة في المشرق الإفريقي.
كانت هناك آمال عريضة معلقة على الرئيس كينياتا لمحاربته الفساد بحسب ما كان يتعهد ويؤكد لمناصريه خلال حملاته الانتخابية، إلا أن هذه الآمال تبددت بعد استمرار الفساد على ما هو عليه حتى بعد وصول رئيس جديد للسلطة، سيما بعد أن اعترف الرئيس كينياتا نفسه بالإحباط والفشل في مواجهة الفساد خلال مؤتمر شعبي. ولأنه يدرك خطورة مغزى اعترافه، فقد حاول التنصل من تحمل المسؤولية بمفرده، وألقى بالجانب الأكبر من اللوم والمسؤولية على أجهزة الدولة المعنية بمكافحة الفساد. وانتقد الرئيس الكيني بطء الإجراءات في محاكم بلاده وأجهزتها الرقابية واتهمها بأنها وراء إفشال جهوده في مكافحة الفساد.
وقد خصصت كينيا أجهزة رقابية ضخمة وذات صلاحيات خطيرة في مواجهة الفساد والقبض على المفسدين، وعلى الرغم من قيام كينياتا بإقالة خمسة وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى واضطرار وزير سادس لتقديم استقالته، ضمن إجراءاته لمحاربة الفساد، إلا أن تقريرا صادما عن الشفافية ومناسيب الفساد في العالم لعام 2016 قد أكد أن الفساد يزداد استفحالا في عهد كينياتا بعدما كشفت أرقامه الصادرة عن المنظمة الدولية للشفافية، عن قبوع كينيا في المركز 145 من أصل 176 دولة لتأتي ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.
وقائع فساد خطيرة
إن الفساد في القارة الإفريقية وفي كينيا بالذات أخطر من الأمراض الوبائية والصراعات السياسية والأزمات الإقتصادية. لأنه في الوقت الذي استطاعت فيه كينيا أن تحقق انتقالا سلميا للسلطة وأن تحتل مركزا متقدما في الدول الأسرع نموا اقتصاديا في المنطقة، وكذلك نجحت في مواجهات لأمراض وبائية مثل الإيدز، إلا أنها حتى الآن تصارع من أجل تطويق الفساد ومواجهته.
وفي ظل هذه المطاردات لفاسدين، أصبحت أخبار القبض على كبار الشخصيات والمسؤولين في كينيا بتهم ذات صلة بالفساد أمرا متكررا في الصحف الكينية. إلا أن هناك قضايا فساد كبرى هزت المجتمع الكيني بقوة، منها واقعة القبض على رئيس هيئة حكومية وآخرين، فى إطار تحقيق فى سرقة نحو 100 مليون دولار، وهو ما دفع المئات من الكينيين للمشاركة في وقفة ضد الفساد. في المقابل أصبحت الإجراءات الضبطية أشد حسما حيث صار الاعتقال هو نقطة البداية لتعامل الجهات الرقابية في كينيا مع أي قضية فساد، وذلك لضمان عدم الإفلات من العقاب.
أيضا من بين القضايا الخطيرة التي تم كشفها مؤخرا قضية السكك الحديدية والتي تم فيها توجيه اتهامات رسمية بالاحتيال لاثنين من كبار المسؤولين.
كما تعد قضية فساد الهيئة الوطنية للشباب من أخطر القضايا على الساحة الكينية عام 2018 خاصة وأنها ليست السابقة الأولى للهيئة بعد فضيحة فساد شهدها عام 2015. فقد ذكرت تقارير إعلامية في كينيا بأن عشرة مليارات شلن (100 مليون دولار) نُهبت عبر فواتير مزيفة ودفعات مالية متعددة. وقال مدير إدارة التحقيقات الجنائية في كينيا، أنه تم استدعاء أكثر من 40 شخصا
لاستجوابهم فيما يتعلق “بنهب ضخم للمال العام” في الهيئة الوطنية للشباب.
ومع ذلك فإن هناك جرائم فساد صادمة حينما يكون أحد أطرافها عناصر من المنوطين بحفظ العدالة وتطبيق القانون ومواجهة الفساد. من بين هذه القضايا قيام النيابة العامة في كينيا بتوقيف نائب رئيس المحكمة العليا في البلاد فيلومينا مبيتي مويليو، بتهمة الثراء الشخصي غير القانوني. وكشف محققون عدليون أن “فيلومينا” قد استغلت منصبها لإثراء نفسها، وقبول المال في ظروف مريبة.
وتعتبر الشرطة في كينيا من الأجهزة التي ينخر فيها الفساد بشكل خطير، ووصفت تقارير دولية تفاصيل حول مواطن الفساد في مفاصل الدولة الكينية مشيرة إلى أن جهاز الشرطة يعد على رأس أجهزة الدولة التي تعاني من الفساد والرشوة. وكانت منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الكسب غير المشروع قد صنفت جهاز الشرطة الكينية بأنه أكثر المؤسسات عرضة للرشوة في مؤشر الرشوة في شرق أفريقيا لعام 2017.
وهناك قضايا فساد بالشرطة الكينية تم الكشف عنها مؤخرا، حيث أعلنت هيئة مكافحة الفساد في كينيا عن قيام أفراد من الشرطة الكينية بمساعدة زميلين لهما على الهرب بعدما تم القبض عليهما في قضايا اشتباه بالفساد. وكان الضابطان الهاربان قد تم القبض عليهما لاتهامهما بمطالبة أجنبي برشوة مليون شلن (9.750 دولار).
نتائج صادمة
أدى الاستفحال الشديد للفساد في كينيا إلى ردود أفعال تجاوزت الغضب الشعبي الوقتي في الميادين، حيث هددت فئات عاملة بالإضراب ومنهم بعض المعلمين، ما دعا أساقفة كينيا لعقد اجتماع استثنائي للتأكيد على أن مكافحة الفساد هي عملية استراتيجية لمستقبل البلاد، وذلك في أعقاب فضيحة السكر الشهيرة والتي تعد من أخطر قضايا الفساد في البلاد لتأثيرها المدمر على صحة وحياة الشعب. وهي تتعلق باستيراد السكر الملوث بالزئبق والنحاس على مستويات أعلى بعشر مرات من تلك المسموح بها للاستهلاك البشري.
دفع تكرار قضايا الفساد بشكل جعله ظاهرة على الساحة الكينية، إلى تزعم هيئة مكافحة الفساد لحملات توعوية لاستستشعارها الخطر الشديد سيما وأنها اكتشفت أرقاما خطيرة عن تفاصيل ظاهرة الفساد في كينين أثناء قيامها باستطلاع للرأي في العام الماضي.
وكشفت الأرقام التي حصلت عليها من الاستطلاع عن ارتفاع نسبة من يدفعون رشاوي للحصول على خدمات إلى 62% مقارنة ب 46% في العامين الماضيين. ما يعني أن ثلثي الشعب الكيني أصبح يتعامل مع الفساد دون مواجهته أو مكافحته بإبلاغ السلطات المعنية، وهو ما يرجعه البعض إلى الخوف من تعرضهم للإيذاء عند قيامهم بالإبلاغ.
ونتيجة لعدم حدوث تقدم في محاربة الفساد ولا الاستجابة لتحذيرات المنظمات الدولية المعنية بالأمر، كانت هناك ردود أفعال دولية سلبية بالنسبة لكينيا من أبرزها إعلان السفارة الأمريكية في نيروبي تعليق مساعدات بقيمة 21 مليون دولار تقدم إلى وزارة الصحة الكينية بسبب شكوك متعلقة بالفساد، والإجراءات المحاسبية الضعيفة.
في ظل هذه المعطيات تبدو الصورة مزعجة ومثيرة للقلق، فعلى الرغم من كل الجهود التي تبدو واضحة على سطح الأحداث لمطاردة المفسدين، فإن الفساد لا يزال يستشري وينعم بالدفء مع الشعب الكيني الذي اضطر ثلثاه للتعامل معه خشية تعطل مصالحهم أو تعرضهم للإيذاء.
وإذا كان الرئيس الكيني قد دافع باستماتة عن حملات لهدم البيوت والمساكن لاستعادة أراضي الدولة، فإن عليه أن يبذل مزيدا من الجهد مع أجهزته الرقابية كي يثبت لشعبه أن الوعود التي قدمها لهم في محاربة الفساد لم تتبخر. ومن جهة أخرى فإن الأمر يستلزم تعديلات قانونية وأدوارا أكثر فاعلية من البرلمان الكيني لكفالة حماية الشعب المطالب بدعم الحكومة في مواجهة الفساد.