هل تنجح "شرق إفريقيا" في مواجهة تحدي كورونا والجراد؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 28/03/2020
القاهرة- “على إفريقيا أن تستعد لتحد كبير”.. عبارة قالها “جون نكنجاسونج”، رئيس المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وذلك في العاشر من مارس الجاري، حينما أخذ وباء كورونا في اجتياح قارات العالم بقوة وعنف شديد حتى نجح في اختراق حدود القارة الإفريقية التي ظلت محصنة لفترة طويلة. وفي الوقت الذي ظن فيه شعوب القارة السمراء أنهم بعيدون عن خطر كورونا وأحاطوا أنفسهم بالطمأنينة، كان نكنجاسونج يحذر من مخاطر قادمة تمثل صعوبات للقارة الإفريقية، ما جعله يطلق عليه “التحدى الكبير” في إشارة إلى احتمالات خطورة الوضع في المستقبل. وللأسف الشديد بدأت توقعات وتحذيرات نكنجاسونج تتكشف وتتأكد تدريجيا مع التزايد المتتابع في أعدد المصابين والوفيات بفيروس كورونا في مختلف أنحاء القارة الإفريقية خاصة الشمال الإفريقي.
لقد زحفت العدوى الفيروسية حتى وصلت إلى منطقة الشرق الإفريقي وأصابت أشخاصا وخلفت ضحايا، وكأن شعوب هذه المنطقة الفقيرة كانوا بحاجة إلى مزيد من الكوارث لتعميق معاناتهم بهذا الشكل المأساوي. إن المشهد العام في إفريقيا عامة وشرق إفريقيا بصفة خاصة يبدو صعبا ومتأزما سيما في ظل تصادف انتشار عدوى فيروس كورونا الخطير مع زيارة ثقيلة لضيوف غير مرغوب فيهم للأراضي الإفريقية وهم أسراب الجراد التي جاءت غازية للمشرق الإفريقي في مشهد أثار مخاوف المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بهذه الظاهرة وتسبب في بث الخوف على مستقبل الزراعة والأمن الغذائي في البلدان المنكوبة بهذا الضيف المدمر. لقد تسبب حدوث إعصارين في المحيط الهندي قبل عام ونصف تقريبا إلى زيادة أسراب الجراد وتكاثر أعدادها بشكل خطير حيث تسبب الإعصاران في إحداث رطوبة عالية في منطقة صحراء الربع الخالي الممتدة ما بين المملكة السعودية واليمن وعمان مما أدى إلى توفير البيئة الخصبة لانتعاش الجراد وتكاثره، وذلك وفقا لتصريحات دومينيك بيرجون، رئيس شعبة الطوارئ والتأهيل بمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”. وهو ما ترتب عليه ظهور أعداد كبيرة وافدة من هذه المنطقة في اتجاه الصومال وإثيوبيا وكذلك السودان، بشكل لم يسبق له مثيل في العصر الحديث كما جاء على لسان كل من المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو»؛ مارك لوكوك، والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، والذي بموجبه حذرا من أثره على إصابة منطقة شرق إفريقيا بصدمات مؤثرة بسبب تعدد مصادر التهديدات التي تفوق طاقة الشعوب وقدراتها في تلك المناطق ذات الإمكانيات المحدودة. وكانت أسراب كبيرة من الجراد الصحراوي قد شوهدت تتحرك بسرعة أيضا في جيبوتي وإريتريا وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا.
على صعيد آخر تحبس شعوب العالم ومنها سكان شرق إفريقيا أنفاسها انتظارا لما تسفر عنه عمليات انتشار الجائحة الفيروسية القاتلة القادمة من قلب آسيا لتضاعف معاناة شعوب هذه المنطقة وتعمق آلامها في ظل افتقادها لكثير من الأدوات والمستلزمات الطبية إلى جانب صعوبة الأحوال الإقتصادية والظروف السياسية والأمنية التي يصعب معها تحقيق مواجهة صارمة وسيطرة كاملة لمنع انتشار “كورونا”. كما أن المطالبة بالعزل الذاتي، والبعد عن التجمعات الكبيرة يعد من الأمور الصعبة لكثير من الشعوب الإفريقية التي تعيش فيها عائلات بالكامل داخل منزل واحد أو ربما داخل غرفة واحدة نظرا لتدهور الأحوال المعيشية، ومن ثم يصبح الأمر خطيرا في ظل أزمة “كورونا”. لقد حذرت المؤسسات الطبية المحلية والعالمية من ضعف الإمكانيات التي تمكن الدول في هذه المنطقة من التعامل مع الفيروس بل أن المياه المطلوبة لعملية غسل اليدين وكذلك الصابون اللذين يعدان أساس الوقاية من العدوى، غير متاحين لكثير من سكان شرق إفريقيا، وذلك على حد تصريح الدكتور أنجوك جوردون كول، مدير حوادث التفشي في وزارة الصحة بجنوب السودان، والذي أكد أن بلاده لا تمتلك سوى 24 سريرا لعزل المرضى! كما أنه لا توجد مواقع لعزل الحالات المشتبه بها عند المعابر الحدودية، بما يعني سهولة انتقال العدوى وانتشارها عبر أشخاص يحملون الفيروس ويعبرون به دولا مختلفة.
وإذا كانت دولة كبرى مثل جنوب إفريقيا لديها من الإمكانيات ما لا تمتلكه منطقة شرق إفريقيا، ومع ذلك تصرح سوزان كليري، أستاذة اقتصاديات الصحة في جامعة كيب تاون، قائلة إن الخدمات الطبية فيها قد «تقف عاجزة» إذا انتشر الفيروس في الأحياء العشوائية .. حيث يتحول الوضع إلى كارثي على حد وصفها! فكيف سيكون الحال في الدول الأسوأ حالا!
ومن رحمة الله أن سجلت دول منطقة شرق افريقيا أقل معدلات للإصابة مقارنة بباقي الدول الافريقية ودول العالم، ففي السودان لازال عدد المشتبه بهم 77 حالة بينما المؤكد هم ثلاث حالا ت فقط. ونفس الوضع بالصومال حيث لازالت الأمور هادئة بعيدة عن دائرة الخطر التي طالت دول العالم الأخرى. وفي إريتريا لم يتجاوز عدد الإصابات المعلن عنها ست حالات وفقا للبيانات الرسمية، بينما وصل العدد في إثيوبيا إلى 16 حالة مؤكدة بخلاف الحالات الخاضعة للفحص والمراقبة.
ويبقى السؤال مثارا حول توابع هذه الأزمات التي تعصف بالمنطقة بشكل شرس ومتزامن، وهل تستطيع الأنظمة الإقتصادية في تلك الدول أن تصمد في مواجهة أزمتي الجراد وكورونا؟ إن كل أزمة بمفردها تستلزم توفير دعم كبير من الدول المتقدمة والغنية لمساندتها وتمكينها من المواجهة، ومن أجل ذلك قامت بعض المنظمات بتقديم دعم مالي لدول شرق إفريقيا للمساعدة في أزمة الجراد. فبعد أن حذر مسؤولون من مغبة انتشار الجراد وخطورته في انتشار المجاعة في المنطقة، أعلنت المفوضية الأوروبية أن الإدارة العامة للتعاون الدولي والتنمية التابعة لها ستقدم 10 ملايين يورو على سبيل التبرعات بينما يقدم المكتب الأوروبي لعمليات الحماية المدنية والمساعدات الإنسانية مليون يورو. ولكن هذه التبرعات وحدها لا تكفي للقضاء على معاناة أهل المنطقة.
في ظل أزمة الديون المتراكمة على الدول الإفريقية والمعاناة من ضعف النمو الإقتصادي مقارنة بالمعدلات العالمية، واحتمالات حدوث تراجع نتيجة للقيود التي تفرضها الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا في الوقت الحالي، وانعكاساته السلبية على الأوضاع الإقتصادية في دول المنطقة فإن المستقبل يبدو صعبا خاصة لو استمرت ازمة كورونا واستفحل انتشار الفيروس أو ازداد توحشا. وهناك نظريات كثيرة رصدت احتمالات مختلفة لهذا الموضوع ولكن تبقى كلها في علم الغيب، إلا أن الثابت والمؤكد هو أن الأزمات تخلق بيئة جيدة للتعاون ونبذ الخلافات وإذا كنا قد رأينا ذلك يحدث بين الدول غير المتوافقة حيث بدأت تمد أياديها لبعضها البعض، فمن باب أولى أن نجد هذه الروح فيما بين شعوب البلد الواحد، وكذلك فيما بين الجيران، ففي ظل الأزمات الكبرى يجب أن تتراجع الخلافات الداخلية وتنحى جانبا لإفساح الطريق للتعاون المخلص من أجل مواجهة الخطر المشترك وهو ما نعول كثيرا عليه في تجاوز أزمة شعوبنا الإفريقية والنجاح في مواجهة تحدياتها.