هل تسهم شبكة الانترنت في انتشار اللغة السواحلية عالميا؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 24/01/2023
القاهرة: صفاء عزب
“الحرية للعبيد”..كانت أول رواية تاريخية تصدر باللغة السواحلية عام 1934، وهو تاريخ مهم للشعوب الإفريقية التي تتحدث بهذه اللغة والتي كانت بعيدة عن الأطر الرسمية وغير معترف بها في المحافل الدولية بما فيها المحافل الإفريقية ورغم عراقتها، ظلت لسنوات طويلة قاصرة على الشعوب المحلية، حتى تم الاعتراف بها مؤخرا كلغة إفريقية مهمة يتكلم بها ما يزيد عن 100 مليون نسمة. وكان الاتحاد الإفريقي قد اعتمد مؤخرا اللغة السواحلية كلغة عمل رسمية، وذلك بعد طلب من نائب الرئيس التنزاني فيليب مبانجو الذي كشف عن وجود أكثر من 100 مليون شخص في إفريقيا يتحدثون بهذه اللغة، مؤكدا أنها واحدة من أكثر اللغات انتشارا في القارة الإفريقية. ولاشك أنه إنجاز مهم تجاوزه إنجاز آخر فريد من نوعه حينما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 7 يوليو يوما عالميا للغة السواحلية تقديرا لأهمية هذه اللغة التي تنتشر في منطقة شرق إفريقيا ويتحدث بها الملايين في القارة السمراء.
جدير بالذكر أن هناك ما يقرب من 2100 لغة من بين 6000 لغة على مستوى العالم تتحدث بها الشعوب الإفريقية بما يعني أن ثلث لغات العالم موجود في قارة إفريقيا وحدها، وهو ما يعكس ثراء هذه الشعوب وأهمية الاهتمام بلغاتهم للتعرف بعمق على حضاراتهم ومجتمعاتهم في إطار من التعاون ومد الجسور بين الحضارات والمجتمعات الإفريقية وغيرها من حضارات العالم بالإضافة إلى إثراء التنوع الثقافي.
وتعد اللغة السواحلية من أهم اللغات الإفريقية وهي ترتبط بحضارات عريقة في القارة السمراء. كماتعتبر اللغة الوحيدة من لغات البانتو في شرق إفريقيا التي تم الاستعانة بها في تدوين تاريخ الأفارقة بواسطة كُتّاّب محليين قبل الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية، وذلك لأنها كانت اللسان المُوحّد لإفريقيا الشرقية، كما كانت هي لغة الساحل الشرقي لإفريقيا لتواصل التجار العرب مع السكان المحليين خلال القرنين السابع والثامن الميلادي ما وطد علاقتها بالحضارة الإسلامية.
ورغم تضارب الأرقام حول عدد المتحدثين بهذه اللغة، تشير التقارير إلى أن العدد يتراوح ما بين 100 و 200 مليون شخصا إفريقيا يتحدثون اللغة السواحلية، بما يجعلها إحدى اللغات العشر الأكثر انتشارا في العالم. ومع ذلك فإن كثيرا من الناس في مختلف أنحاء العالم بل وفي داخل القارة الإفريقية نفسها، لا يعرفون عنها أنها خليط من مفردات اللغات العربية والهندية والإنجليزية. وتنتشر هذه اللغة على سواحل إفريقيا الشرقية، وتعد وسيلة تواصل مشترك في منطقة البحيرات العظمى الإفريقية وأجزاء أخرى من شرق وجنوب شرقي القارة السمراء وتتضمن رواندا وبوروندي وموزمبيق. وتعتبر السواحلية لغة رسمية لبعض البلاد منها أوغندا وكينيا وتنزانيا، وفي نفس الوقت تعد إحدى اللغات الوطنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
بلغت اللغة السواحلية من الأهمية إلى الدرجة التي اضطرت القوى الاستعمارية قديما سواء كانت البرتغالية أو الفرنسية أو حتى الإنجليزية لتعلمها ومعرفتها حتى يتمكنوا من التواصل مع شعوب المنطقة. وكان من الممكن استمرار كتابتها بالحروف العربية لولا محاولات الاستعمار لطمس وعرقلة هذا الأمر بتعمد كتابتها بالحروف اللاتينية.
وحديثا شهدت اللغة السواحلية تطورات مهمة على الصعيد الإفريقي والدولي، ففي عام 2017 وافق المجلس التشريعي في جمهورية رواندا على جعل اللغة السواحلية لغة رسمية والعمل على دمجها في المناهج الدراسية. وفي عام 2018 أضافت جمهورية جنوب إفريقيا، المعروفة باستخدامها إحدى عشر لغة رسمية، اللغة السواحلية كمادة اختيارية في مناهجها الدراسية وبدأت بالفعل في تطبيق هذا الأمر عام 2020. وفي عام 2019 وافقت الحكومة الأوغندية على إنشاء المجلس السواحلي الوطني حيث ينص الدستور الأوغندي على أن اللغة السواحلية هي اللغة الرسمية الثانية في البلاد على أن تسخدم ضمن شروط يحددها البرلمان بموجب القانون. وفي نفس عام 2019 اعتمدت مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية اللغة السواحلية كلغة رسمية رابعة. كما تعتبر إحدى اللغات الرسمية في الإتحاد الإفريقي إلى جانب اللغات الإنجليزية والبرتغالية والفرنسية والأسبانية والعربية.
ويكشف المراقبون عن حدوث انتشار واتساع كبير لأعداد المتحدثين بالسواحلية في ظل الاهتمام البحثي والعلمي والإعلامي المتزايد بهذه اللغة وارتباطها بالملايين من شعوب العالم، وأيضا مع تزايد الاهتمام العالمي بشكل عام بدراسة هذه اللغة باعتبارها مدخلا مهما للتعرف على حضارات شعوبها ووسيلة ذات موثوقية عالية لفهم كثير من المجتمعات الإفريقية العريقة والمحلية. وقد اتسعت رقعة انتشار السواحلية لتمتد من بعض أجزاء الصومال وصولا إلى موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتكشف شهادات لأفراد من مجتمعات وبلدان إفريقية متنوعة عن حرصهم على دراسة وتعلم السواحلية كوسيلة للعثور على عمل مما جعل لها أهمية اقتصادية أيضا. كما ساهمت الموسيقى والأغنيات الشعبية والمحلية الإفريقية في زيادة هذا الانتشار عبر مسافات بعيدة في أعماق القارة السمراء تطويها اللغة السواحلية حتى أن هناك أغنيات شهيرة لنجوم مشاهير في تنزانيا مثل دياموند بلاتنومز يتم تداولها بنفس كلماتها السواحيلية في محيط أوسع وصولا إلى غانا.
وقد أخذت اللغة السواحلية تحظى بالاهتمام من جامعات وهيئات دولية، لا تقتصر فقط على هيئة اليونسكو التي خصصت لها يوما للإحتفاء بها، إنما حرصت هيئات علمية وثقافية أخرى على ذلك الاهتمام. لقد أعلنت جامعة أديس أبابا الإثيوبية مؤخرا أنها ستبدأ تدريس اللغة السواحلية. كما شهدت الصحافة المصرية مطلع العام الجديد حدثا مهما في هذا الإطار عندما تم إصدار نسخة لإحدى الصحف والنوافذ الإعلامية المصرية المهمة “بوابة مصر الآن” باللغة السواحلية. وعن ذلك قال الكاتب الصحفى أشرف مفيد رئيس تحرير «بوابة مصر الآن»، أنه تم اختيار اللغة السواحلية لتكون هي لغة النسخة الموجهة إلى إفريقيا، لأنها اللغة الرسمية لكينيا وتنزانيا وأوغند، وكونها إحدى اللغات الوطنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولازلنا في مصر حيث توجد مبادرات طيبة من قبل الباحثين لنشر هذه اللغة منها مبادرة “لغتي إفريقية” للباحث محمد حسني مع زملاء آخرين بكلية الدراسات الإفريقية العليا قسم اللغات. وهي مبادرة يتم فيها التركيز على دراسة اللغة السواحلية مع لغتي الهوسا ولغة الماندينكو باعتبارها أكثر اللغات انتشارا فى الدول الإفريقية وذلك من خلال تخصيص دورات بثمانية مستويات لتعلم وإتقان هذه اللغات. وخلال زيارتها لمصر عام 2021 وجّهت رئيسة تنزانيا سامية حسن، التحية للرئيس عبدالفتاح السيسي، على إدخال تعليم اللغة السواحلية في بعض معاهد اللغات المصرية، مؤكدة على كونه اتجاها يعبّر عن دفع العلاقات القوية.
كما توجد محاولات طيبة لتعميق التواصل بين اللغة العربية والسواحلية بدعم من هيئات ثقافية عربية كبرى وذلك بالتشجيع على تنشيط حركة الترجمة ما بين اللغتين ورصد جوائز قيمة في هذا الأمر منها جائزة الشيخ حمد للترجمة.
بطبيعة الحال تتأثر اللغة بمستحدثات العصر وكل ما فيه من مظاهر تطور وتقدم، وقد تأثرت اللغة السواحلية وأفادت كثيرا من انتشار الشبكة العنكبوتية في شتى بقاع الأرض، حيث انتشرت الدعوات لحق المجتمعات التقليدية في التواصل عبر شبكات الانترنت بلغاتها الأصلية كحق أصيل من الحقوق الإنسانية التي تكفلها المواثيق الدولية. وقال الداعمون لهذه الدعوات أنهم يسعون لتقديم التنوع الثقافي ومنتوج المجتمعات ذات اللغات المختلفة على شبكة الإنترنت حتى لا يكون هناك غياب لهذا التنوع المطلوب. ويطالب المتخصصون بالعمل المستمر والكفاح لنشر هذه اللغات حرصا على الحفاظ على هوية الشعوب.
لاشك أن زيادة الوعي نحو استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة وسهولة تداولها بين الشعوب يسهم بشكل كبير في نشر مثل هذه اللغات الإفريقية، إلى جانب دور المؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية المختلفة، مما يجعل خبراء اللغات يجزمون باستمرار انتشار اللغة السواحلية.