هل تؤثر أزمة "الفشقة" على علاقة السودان بإثيوبيا ؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 18/04/2020
القاهرة- شهدت الفترة الأخيرة تصعيدا خطيرا لأزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا حتى بدا الأمر كما لو كان نذيرا للحرب بعد احتشاد كبير للجيش السوداني على الحدود وزيارة عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني، بصحبة ضباط هيئة العمليات ومدير المخابرات العسكرية، لمنطقة القضارف العسكرية حيث توجد الفشقة محل الخلاف. ومن هناك أكد البرهان أن القوات المسلحة لبلاده لن تسمح بأي تعد على الأراضي السودانية، ولن تتراجع عن حماية حدود البلاد. وكان الجيش السوداني قد أعاد انتشاره بالمنطقة الحدودية المتنازع عليها نهاية مارس الماضي، وذلك بعد غياب ربع قرن تقريبا، للسيطرة على التوترات والانشطة الإجرامية التي تحدث بالمنطقة من وقت لآخر، وكذلك ضمن الإجراءات الإحترازية التي تتخذها حكومة السودان في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
يذكر أن عددا من السودانيين يعانون من الهجمات المتكررة التي تشنها عصابات نشطة على المنطقة الحدودية مع إثيوبيا. كما يعانون أيضا من تسلل المزارعين الإثيوبيين الذين كانوا يعملون بطريقة بدائية أول الأمر قبل أن يدخلوا ومعهم آليات زراعية حديثة، لم تفلح معها اعتراضات الأهالي، حيث استمر استغلالهم للأراضي السودانية والتوغل فيها لسنوات طويلة قبل البد ء في ترسيم الحدود عام 2013 وهو الترسيم الذي لم تنفذه إثيوبيا.
وفي الفترة الأخيرة طالب السودانيون بالمنطقة بضرورة حل هذه المشكلة مع زيادة نشاط العصابات بالمنطقة ومهاجمة سكان قرى الفشقة وإجبارهم على مغادرة بيوتهم وأراضيهم حتى اضطروا لإصدار بيان للتحذير من الظاهرة واضطرارهم للجوء للإحتشاد إذا لم تتدخل السلطات الحكومية بالسودان لحمايتهم بعد أن أصبح سكان الفشقة بين ناري العصابات والمزارعين الإثيوبيين الذين يهدفون للإستيلاء على أراضيهم الزراعية.
تعود جذور الأزمة لعقود بعيدة، حيث أن تاريخ الخلاف على منطقة “الفشقة” يرجع للقرن التاسع عشر، والذي كان قد انتهى إلى حل قانوني دبلوماسي بتوقيع معاهدة أديس أبابا في مايو 1902 حيث تم بمقتضاها ترسيم الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا مما أدى إلى حدوث استقرار مؤقت سرعان ما تجدد بعده الخلاف من جديد عندما قامت مجموعة من المزارعين الإثيوبيين بتجاوز حدود بلادهم والدخول إلى الأراضي السودانية والقيام بزراعة المنطقة الحدودية المعروفة بخصوبتها والتابعة للسودان مما أعاد الوضع لنقطة الخلاف القديمة. وكان التصعيد الأكبر في الخلاف حول هذه المنطقة بين الطرفين السوداني والإثيوبي في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عام 1993 حينما قامت إثيوبيا بالسيطرة على المنطقة مجددا.
على الرغم من التصريحات الرسمية لمسؤولي البلدين بالحرص على تسوية هذا النزاع الحدودي عام 2013، إلا أن الخلاف تجدد ثانية عام 2014 ووصل لدرجة الإشتعال بعد أن قتلت قوة إثيوبية مجهولة جندياً سودانيا بالمنطقة الحدودية بين البلدين وقيام القوات السودانية بالرد على مصدر النيران.
وفي عام 2016 تم الإعلان عن عملية ترسيم 725 كم من الحدود بواسطة لجنة فنية معنية تحت مظلة تعاون ثنائي مشترك من السودان وإثيوبيا لمواجهة أنشطة العصابات المعروفة باستغلالها للخلافات الحدودية في تلك المنطقة. وفي تلك الأثناء تم التأكيد على أن الفشقة منطقة سودانية تبلغ مساحتها 250 كم متر مربع. على الجانب الآخر تعترف إثيوبيا رسميا بالسيادة السودانية على الفشقة لكنها تسمح للمزارعين الإثيوبيين بالزراعة في المنطقة بما يتناقض مع الموقف الرسمي.
جدير بالذكر أن “الفشقة” تتمتع بمزايا عديدة تجعلها د ائما محل أطماع خارجية سيما في ظل غياب أمني حدودي لسنوات تعادل ربع قرن. فهي أرض خصبة ترو ى بأنهار عذبة كما تنهال عليها مياه الأمطار في الخريف وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم بجانب الخضروات والفواكه. وقد ساهم موقعها كونها محاطة بالأنهار من مختلف الجوانب فيما عدا الخط الحدودي المشترك بين السودان وإثيوبيا، في إغراء الطرف الإثيوبي بالدخول إليها والإستفادة منها ومن خيراتها.
على الرغم من سخونة الأحداث بالفشقة مع استمرار مشاكلها عبر عقود طويلة، بما كان ينذر بانفجار كبير في الأزمة الأخيرة، إلا أن حكمة القيادتين السودانية والإثيوبية في التعاطي مع الأزمة في إطار علاقات جوار عاقلة وهادئة، ساهم في سرعة السيطرة على الأمر واحتواء الخلاف. كما أن احتشاد القوات المسلحة السودانية على الحدود مع إثيوبيا قوبل بتفهم إثيوبي هادئ للموقف وسرعة بديهة في محاولة منه للتهدئة للحيلولة دون تصعيد سوداني عسكري، وقبول المفاوضات لتسوية الخلاف بشكل ودي والإتفاق على خطة تعود بموجبها قوات البلدين لحدودها الدولية في غضون أسبوعين وذلك بعد استقبال السودان لرئيس الأركان الإثيوبي مبعوث أبي أحمد لمناقشة وضع العلامات الحدودية واحتواء الخلاف.
إن الخلاف على “الفشقة” هو نموذج متكرر لخلافات كثيرة متشابهة تعاني منها بلدان القارة الإفريقية بسبب الأزمات الحدودية التي تسبب فيها النشاط الإستعماري للقارة السمراء. وكما اتفق الطرفان السوداني والإثيوبي على معالجة الأمور بإجراءات تسوية عادلة، نتمنى أن تحل مختلف القضايا الحدودية العالقة في إطار عادل يحفظ حقوق كافة الأطراف. أما الفشقة فلن تترك تأثيرا قويا في تعكير صفو العلاقة بين السودان وإثيوبيا خاصة في ظل حالة التقارب التي تشهدها علاقتهما والتي عكستها المواقف السودانية في أزمة سد النهضة والتي يحرص أبي أحمد على استمرارها سيما في مواجهته لمصر في خلافهما المائي.