نهاية المسيرة السياسية لتنظيم أهل السنة والجماعة في غلمذغ:
الصومال الجديد
آخر تحديث: 29/02/2020
بعد يومين من مواجهات مسلّحة دارت بين قوات حكومية ومقاتلي تنظيم أهل السنة والجماعة في مدينتي دوسمريب وغري عيل في جلجذود وسط الصومال، أعلن قادة التنظيم تنازلهم لصالح الشعب الصومالي فيما يتعلق بقيادة ولاية غلمذغ، وذلك بعد أن أحرزت القوات الحكومية تقدّما عسكريا ملحوظا في الميادين التي دارت فيها رحى الحرب بين الطرفين.
وقبل أن نتطرّق إلى الحديث عن المستقبل السياسي لقادة هذا التنظيم يجدر بنا أن نلقي نظرة سريعة على التاريخ السياسي والعسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة.
يذكر أن تأسيس تنظيم أهل السنة والجماعة يعود إلى عام 1991م وبإشراف من الجنرال محمد فارح عيديد الّذي كان يعدّ الطرق الصوفية قوة إسلامية مناهضة للحركات الإسلامية الجهادية التي برزت في الساحة الصومالية آنذاك، إلاّ أن تأثير تنظيم أهل السنة والجماعة ضعف فيما بعد عام 1996م أي بعد مقتل الجنرال محمد فارح عيديد.
وبعد فترة، ظهر تنظيم أهل السنة والجماعة كقوة عسكرية وسياسية قوية عام 2008م، وذلك عندما اصطدمت مليشيات تابعة له بمقاتلي حركة الشباب الّذين أقدموا في ذلك الوقت على تدمير وهدم مقابر وأضرحة مشايخ الطرق الصوفية في طول البلاد وعرضها، وخاصة في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتهم السياسية والعسكرية، إلاّ أن أشدّ المواجهات بين الطرفين دارت في الأقاليم الوسطى من البلاد، والتي انتهت في نهاية المطاف باستيلاء تنظيم أهل السنة والجماعة على أجزاء شاسعة من هذه الأقاليم، مما جعله قوّة عسكرية جديدة انتصرت على حركة الشباب التي كانت آنذاك في أوج عظمتها وعنفوان قوّتها.
هذا النصر الّذي أحرزه تنظيم أهل السنة ضدّ حركة الشباب أكسبه تأييدا شعبيا وسياسيا واسعا، سمح له التعاون والتعامل مع الحكومات الصومالية المتعاقبة على حكم هذه البلاد منذ 2010 وحتى الآن 2020م.
ورغم تبادل التعاون بين التنظيم والحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد، إلاّ أنه في 2015م، وخلال تأسيس ولاية غلمذغ الفيدرالية، اتّسعت الهوة بين الحكومة الفيدرالية آنذاك وإدارة تنظيم أهل السنة والجماعة في الأقاليم الوسطى من البلاد، مما دعا إلى وجود إدارتين مختلفتين في غلمذغ إحداهما تابعة للحكومة الفيدرالية والثانية لتنظيم أهل السنة والجماعة.
وبعد استقالة رئيس غلمذغ الأسبق عبدالكريم حسين جوليد في 2017م، انتخب أحمد دعالي غيلي حاف الّذي تصالح مع تنظيم أهل السنة والجماعة فيما عرف باتفاقية جيبوتي في أواخر عام 2017، والتي بموجبها انضم التنظيم إلى إدارة ولاية غلمذغ، حيث اختير شيخ شاكر أحد قيادات التنظيم رأسا لحكومة غلمذغ إلى أن أدّت الخلافات السياسية بين حاف والحكومة الفيدرالية أن يكون التنظيم في صف الحكومة وذلك عند قيامه مطلع يونيو 2019م، باستضافة رئيس الوزراء حسن علي خيري في مدينة دوسمريب عاصمة الولاية التي يسيطر عليها التنظيم، والموافقة على إجراء انتخابات رئاسية فيها.
ومنذ ذلك الحين كانت هناك تفاهمات سياسية بين الحكومة الفيدرالية وتنظيم أهل السنة والجماعة، كما كانت هناك بعض العثرات في طريق تشكيلهما إدارة مشتركة فيما بينهما وموحّدة وقوية في غلمذغ، إذ إنّه كان من الظاهر أن العلاقات بينهما لم تكن على ثقة متبادلة، بل كان كلّ طرف منهما يظهر بين الفينة والأخرى عدم إخلاص الطرف الآخر في تنفيذ ما تم التوصل إليه بين الطرفين من اتفاقيات ومعاهدات.
واستمرّ الحال على ذلك حتى تم تشكيل برلمان جديد لولاية غلمذغ، كان 20 من أعضائه قد تم تعيينهم من قبل تنظيم أهل السنة والجماعة طبقا لإحدى اتّفاقيات التنظيم مع الحكومة الفيدرالية، إلاّ أن الخلافات المتجدّدة بين الطرفين أدت إلى أن ينتخب تنظيم أهل السنة والجماعة الشيخ محمد شاكر رئيسا لولاية غلمذغ في إشارة واضحة إلى انهيار الاتفاقيات السابقة التي كانت بينه وبين الحكومة الفيدرالية.
والحال هكذا، اندلعت قبل يومين اشتباكات مسلّحة بين مقاتلي التنظيم وقوات حكومية في كل من مدينتي دوسمريب وغري عيل انتهت بتحقيق القوات الحكومية انتصارا حاسما على قوات تنيظم أهل السنة والجماعة مما دعا إلى استسلام قادة التنظيم إلى الحكومة الفيدرالية وإعلان تنازلهم عن الدور القيادي والسياسي في غلمذغ مع ذكر مواصلة جهودهم الدعوية في نشر عقيدة أهل السنة والجماعة والحفاظ عليها كما صرّح بذلك لوسائل الإعلام في مدينة دوسمريب، معلم محمود شيخ، زعيم تنظيم أهل السنة والجماعة في غلمذغ.
إنّه وباستسلام مقاتلي التنظيم للقوات الحكومية، وإعلان معلم محمود، تنازل التنظيم عن دوره السياسي في غلمذغ يمكن القول بأن التأثير السياسي والعسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة قد انتهى، غير أن بعض المحللين يعتبرون هذا الإعلان مجرّد خطة تكتيكية يسعى التنظيم من خلالها إلى توفير وقت يسمح له إعادة ترتيب مهامه، لينقض من جديد على قيادة غلمذغ، إذ إنه من الصعب – حسب رأي منظّريه- التخلي بهذه البساطة عن إرث عَقد كامل من الإنجازات السياسية والعسكرية استطاع التنظيم من خلالها التأثير على أروقة صنع القرار السياسي الصومالي الداخلية والخارجية.
وبالمقابل يرى منتقدوا التنظيم أن دوره السياسي في غلمذغ وفي الصومال عامة قد انتهى نتيجة لعجرفته السياسية، ومحاولة استئثاره بالسلطة متخذا محاربة حركة الشباب وطردها من مساحة شاسعة في الأقاليم الوسطى ميزة تمنحه قيادة غلمذغ إلى الأبد.
ومهما يكن من أمر فإنّه من الواضح أن الدّور السياسي للتنظيم قد انتهى، في هذه المرحلة على الأقل، وذلك بسبب ارتكابه عدّة أخطاء سياسية واستراتيجة بل وعسكرية متضافرة على امتداد السنوات العشرة الماضية التي لمع فيها اسمه كقوة سياسية صومالية، وعليه فإن مستقبل قادة تنظيم أهل السنة والجماعة مرهون بتعامل الحكومة معهم، رغم أن المؤشّرات على أرض الواقع تشير إلى أن الإقامة الجبرية أو نفيهم إلى الخارج هي من أهم الخيارات التي قد يمكن أن تتخذ الحكومة الفيدرالية تجاههم، وذلك للحد من تأثيرهم في السياسة الصومالية في المستقبل القريب.