موقعة "أديس أبابا" نقطة التحول في علاقة مصر "مبارك" بالقارة الإفريقية
صفاء عزب
آخر تحديث: 29/02/2020
القاهرة- تشهد علاقات مصر بالقارة الإفريقية ودولها حالة من الإنتعاش والدفء خلال السنوات الأخيرة وذلك بعد فترة طويلة من الركود الذي وصل لدرجة الفتور الذي شهدته الفترات السابقة. فقد أصبح التواجد المصري الإفريقي ملموسا وظاهرا بشكل قوي وهو ما تجسد في عدة صور كان منها تولي مصر رئاسة الإتحاد الإفريقي واضطلاعها عبر مسؤوليها بالعديد من المهام والقضايا ذات الصلة بالشأن الإفريقي. كما أصبحت القاهرة ملتقى الزعماء الأفارقة مع المسؤولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يحرص على التواجد في مختلف المحافل الإفريقية سواء بشخصه أو من خلال من يمثله، كما ظهرت في عهده وتحت رعايته العديد من الفعاليات الدولية والإقليمية بمشاركات إفريقية فعالة وعلى أعلى المستويات. لم يقتصر الأمر على قضايا السياسة والإقتصاد وإنما امتد ليشمل المجالات الثقافية والتي تجسدت ملامحها بقوة في فعاليات الدورة الأخيرة لأهم حدث ثقافي بالعاصمة المصرية على مدار نصف قرن وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي احتضن الأفارقة وخصص لهم قاعات وندوات بمشاركة مثقفين ومفكرين ومبدعين من مختلف أنحاء القارة الإفريقية إلى جانب اختيار السنغال كأول دولة إفريقية غير عربية لتكون ضيف شرف المعرض، وهي نقطة تحول كبيرة في هذا المحفل الثقافي العربي الكبير.
لقد مرت العلاقات المصرية الإفريقية بعدة محطات اتسمت بدرجات متباينة من القوة وتراوحت ما بين الدفء الشديد مرورا ببعض الفتور وصولا لحالة من الركود الشديد خاصة خلال نهايات عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ، والذي أثارت وفاته مؤخرا وغيابه عن عالمنا عن عمر ناهز الثانية والتسعين عاما، ذكريات ذلك المنعطف التاريخي الذي مرت به العلاقات المصرية في عهده بعد موقعة “أديس أبابا” الشهيرة التي كادت أن تودي بحياته، لتتجمد بعدها علاقة مصر بإفريقيا مقارنة بالفترات السابقة.
في الوقت الذي ينسب الفضل فيه للرئيس الراحل حسني مبارك باستعادة العلاقات العربية المقطوعة والعودة لجامعة الدول العربية بعد عشر سنوات من حجب عضويتها ردا على معاهدة السلام مع إسرائيل، هناك من يوجه اتهاما لعهد مبارك بإهمال وتجاهل العلاقة مع دول القارة الإفريقية، إلا أن الوقائع التاريخية تدحض هذا الإتهام كما تكشف من جهة أخرى ملابسات التغير في العلاقات المصرية الإفريقية في اتجاه الفتور والركود. لقد حرص الرئيس المصري الراحل مبارك على أن يبدأ عهده في الثمانينات من القرن الماضي بدعم الروابط مع القارة الإفريقية عوضا عن القطيعة العربية مع مصر وقتها، وهو ما أثمر عن إنتخاب مصر مرتين لرئاسة منظمة الوحدة الإفريقية التي حل محلها الإتحاد الإفريقي حاليا، وكان ذلك عامي 1989 و1993. كما وقعت الدولة المصرية بعض اتفاقيات التعاون مع الأفارقة في مختلف مجالات الحياة، وكان من الممكن أن تتحسن الأوضاع مع الوقت لولا موقعة أديس أبابا الخطيرة التي غيرت الحسابات وقلبت الأوضاع وبسببها دخلت العلاقات المصرية الإفريقية منعطفا خطيرا. عندما تعرض الرئيس الراحل حسني مبارك لمحاولة اغتيال صادمة في أديس أبابا فى 26 يونيو عام 1995 أثناء استعداده للمشاركة فى القمة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية، ساد الفتور وتباعدت المسافات بين مصر وشقيقاتها الإفريقيات، لدرجة غياب رئيسها عن أغلب القمم الإفريقية التي تلت تلك الواقعة على مدار عشر سنوات. وهناك من يرى أن هذه القطيعة شهدت تغيرات خطيرة في علاقات إفريقيا بالعالم الخارجي حيث دخلت الصين وتركيا ودول أوروبا بشكل أقوى وكأنها محاولة لاستغلال الفراغ الذي تركته مصر بابتعادها عن المحفل الإفريقي.
وقد آثار هذا التحول في السياسة الخارجية المصرية تجاه قارة إفريقيا في الثلث الأخير من عهد مبارك، آثار انتقادات داخلية مصرية كبيرة ضد هذه السياسة ممن يؤمنون بأهمية قارة إفريقيا لمصر، وهو ما أكدته شعارات ومطالبات ثورة 25 يناير المصرية عام 2011 . كما يرى خبراء وسياسيون أن تلك الفترة التي شهدت ابتعاد مصر عن الحضن الإفريق أضرتها كثيرا وتسببت في خسائر ومشكلات خطيرة منها الأزمات الخاصة بتوزيع الحصص من مياه نهر النيل بين دول الحوض والتي لا زالت أصداؤها حاضرة بقوة في أزمة سد النهضة الإثيوبي بين مصر والسودان وإثيوبيا.
لا شك أن علاقة مصر بشقيقاتها الإفريقيات من القضايا الحيوية التي توليها السياسة الخارجية المصرية حاليا أهمية كبيرة وهو ما تعكسه تحركات المسؤولين وكذلك النشاط الديبلوماسي المكثف في هذا الإطار الذي يحرص على تعويض ما فات من ابتعاد وقطيعة تأكدت مخاطرها مع الوقت، ومن المتوقع أن تتعمق تلك العلاقة مع العدد الكبير من المشروعات والإتفاقيات التجارية والإقتصادية وكذلك السياسية التي تهدف إلى تعظيم مصالح الشعوب الإفريقية والنهوض بها في إطار أجندة إفريقية تعمل على تحقيق إنجازات مستقبلية كبيرة.