موارد الصومال المائية تؤهله لارتياد الاقتصاد الأزرق بجدارة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 18/12/2022
القاهرة: صفاء عزب
لم تكن المرة الأولى التي يلفت فيها المسؤلون الصوماليون أنظار العالم إلى المقومات العظيمة لبلادهم في مجال الاقتصاد الأزرق خلال فعاليات أول مؤتمر للاستثمار الأجنبي بالعاصمة مقديشو، حيث تم استعراض هذه المقومات والإشارة إليها بقوة من قبل، في فعاليات أحد أهم الأحداث العالمية الكبرى، وهو معرض إكسبو دبي الأخير، حيث قدم الصوماليون لضيوف الحدث العالمي من شتى أنحاء العالم عروضا جذابة للفرص الكبيرة المتاحة بالصومال في مختلف المجالات الاقتصادية وعلى رأسها الاقتصاد الأزرق الذي يحظى فيه بمزايا ومقومات لا مثيل لها لما يمتلكه الصومال من سواحل شاسعة تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومترا على مسطحات مائية ثرية وغنية بالموارد المتنوعة التي تساعد في تنويع الفرص الاقتصادية الكبرى في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
جدير بالذكر أن الاقتصاد الأزرق عبارة عن الإدارة الجيدة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام، للحفاظ عليها والعمل على تعزيز حجم الثروات البحرية من أجل الأجيال الحالية والقادمة. كما يعرفه البنك الدولي بأنه الاستخدام المستدام لموارد المحيطات من أجل النمو الاقتصادي وتحسين سبل المعيشة والوظائف مع الحفاظ على صحة النظم البيئية للمحيطات. وقد أدى الارتفاع النسبي لمساحة المسطحات المائية على الكرة الأرضية إلى زيادة أهمية الاقتصاد الأزرق خاصة بالنسبة للدول الساحلية ولا سيما تلك التي تعاني من فقر غذائي أو تلك الدول الأقل نموا حيث تلجأ للاعتماد على الموارد البحرية لسد الفجوة الغذائية من خلال الصيد أو لزيادة النمو الاقتصادي من خلال الاستثمارات البحرية. وقد كشفت تقديرات دولية مختلفة عن ارتفاع قيمة الأنشطة الاقتصادية للموارد المائية في العالم لما يصل إلى 24 تريليون دولار، كما أشارت أرقام البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الأزرق يقدم ما يزيد عن 80 مليار دولار سنويا للاقتصاد العالمي وسط توقعات بتضاعف الرقم عام 2030. وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن الاقتصاد الأزرق يسهم بنسبة خمسة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي، ومع ذلك فإن النسبة تكون ضعيفة جدا ولا تصل 1% عندما نتحدث عن دول القارة الإفريقية، رغم امكانياتهم التي تؤهلهم لما هو أكثر من ذلك بكثير.
وحينما ننتقل للحديث عن الاقتصاد الأزرق بالصومال نجد أن الخبراء يؤكدون على تميزه بعنصرين مهمين بالمقارنة بالمجتمعات الساحلية الأخرى في منطقة القرن الإفريقي أو على مستوى القارة السمراء بشكل عام، أولهما القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وثانيهما الاستدامة فوق المتوسطة، الأمر الذي يؤهل الصومال لتحقيق نجاح كبير في الاستثمار في مجال الاقتصاد الأزرق والانطلاق بشعبه نحو مستويات معيشية مرتفعة لو تم استغلاله جيدا.
يذكر أن الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تندرج تحت مظلة الاقتصاد الأزرق تشمل مجالات متنوعة منها أنشطة صيد الأسماك وإنشاء المزارع السمكية ومعها قطاعات الشحن البحري والموانئ واللوجستيات والتعدين والتنقيب البحري ونقل وتوليد الطاقة وصناعة السفن والقوارب وأنشطة السياحة البحرية والترفيه، إلى جانب قطاع التكنولوجيا والمعلومات. ويوجد ارتباط وثيق بين التنمية المستدامة وأهدافها وبين الاقتصاد الأزرق والذي انتشر كمصطلح منذ عقد التسعينات في القرن العشرين ويرتبط بأنشطة الصيد المستدام للأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، والقيام بأنشطة التعدين في البحار والمحيطات وتوليد الطاقة الكهرومائية وتنمية السياحة البحرية الأمر الذي يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والقضاء على الفقر والجوع، وتوفير فرص عمل والمساهمة في علاج مشكلة البطالة. لذلك يضع الاتحاد الإفريقي التوجه الإنمائي الأزرق ضمن أجندته لعام 2063 ويعتبره ضمن أولوياته في العقد القادم، تأكيدا على الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للاقتصاد الأزرق والتي تشير الدراسات الحديثة إلى أنه يمكن أن يكون مصدرا رئيسيا للثروة والرخاء في ظل الأزمات العالمية المزمنة.
وإذا كانت قارة إفريقيا تتمتع بمزايا طبيعية مائية كبيرة وتنوع بيولوجي وفقا لدراسات متخصصة، بما تمتلكه من أصول في النظام الإيكولوجي للاقتصاد البحري تبلغ قيمتها 24 مليار دولار أمريكي وبما تحظى به 70% من دول القارة السمراء من الإطلال على السواحل، بما يعقد عليها آمال عريضة في تنمية الاقتصاد الأزرق، فإن الصومال كدولة إفريقية كبيرة يمتلك مقومات هائلة تضعه في مقدمة الدول التي يمكنها تحقيق استثمارات كبرى في مجال الاقتصاد الأزرق، خاصة مع اكتشاف الثروات النفطية البحرية والغاز الطبيعي. ففي الوقت الذي يعاني فيه الصوماليون من الجفاف والمجاعة وتدمير مواردهم من الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية بسبب تقلبات المناخ، يمكن التحول للبحر لتعويض هذه الخسائر وتحقيق الأمن الغذائي من خلال صيد الأسماك عبر مسطحات شاسعة ومترامية الأطراف على منفذين مائيين من أكبر وأهم المنافذ وهما البحر الأحمر والمحيط الهندي. وذلك بخلاف تحسين استغلال الموانئ الصومالية المطلة على هذه المناطق الحيوية وتحويلها لمراكز لوجستية عالمية بحكم مرور نسبة كبيرة من التجارة والملاحة العالمية عبر هذه المنطقة.
وتناغما مع تحديد الاتحاد الأفريقي (AU) تنمية الاقتصاد الأزرق كهدف ذي أولوية نحو تحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة في سياق أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، تأكيدا على الأهمية الكبرى لهذا النوع من الاقتصاد فقد أعلنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد” التي تنتمي إليها دولة الصومال، أن استراتيجية الاقتصاد الأزرق الإقليمية ستكون بمثابة إطار عمل لتوجيه تطوير الاستراتيجية الوطنية للدول الأعضاء، خاصة مع الإشارة إلى أن هذه المنطقة تحتضن إمكانات الاقتصاد الأزرق الرائدة في القارة السمراء، بحسب تصريحات مدير برنامج حماية البيئة والزراعة في IGAD ومنسق الاقتصاد الأزرق، الدكتور إيشيتي ديجين الذي شدد على أهمية وجود سياسة جماعية نحو تسخير الإمكانات غير المستغلة والمتعلقة بالمياه، مثل النقل المائي ومصائد الأسماك، وتطوير الموانئ، والسياحة المائية.
لذلك فإن اهتمام الصومال باستثمار هذا الجانب الذي يتمتع فيه بمزايا كبيرة لتعظيم مكاسبه أمر في غاية الأهمية خاصة وأنه يتواكب مع التوجه العالمي نحو هذا المجال الحيوي من الاستثمار والاعتماد عليه في تحقيق التنمية التي يحتاج إليها الصومال بشكل ملح في الفترة الحالية مع استحكام أزمة الغذاء والجفاف، وإذا كانت الدول المتقدمة تسعى سعيا حثيثا لاستغلال هذا المجال الاقتصادي المستحدث وهي غنية، فإنه من باب أولى أن تهتم به الدول الافريقية التي تعاني من أزمات صعبة ومنها الصومال حتى يمكن مساعدة شعوبها على رفع مستوياتها المعيشية والاستفادة مما حباها به الله من موارد. ولا شك أن المرحلة السياسية الجديدة التي يمر بها الصومال وما تشهده من تطورات إيجابية على كافة الأصعدة، تمكن من تحقيق ذلك مع الانفتاح على العالم الخارجي ومد يد التعاون مع الجيران وعلى رأسهم دول الإيجاد الذين تجمعهم عوامل مشتركة كثيرة كما تجمعهم ظروف جغرافية متشابهة مما يرسخ لتعاون مثمر يعود بالنفع على شعوب تلك المنطقة من العالم.
لاشك أن تحقيق التقدم في هذه المجالات بشكل ملموس لا ينفك عن ضرورة تمهيد البيئة لاستيعاب واحتواء هذه الأنشطة من خلال بعض الإجراءات وأولها وأهمها ضمان الأمن والاستقرار حتى يأمن المستثمرون على أنفسهم وأموالهم وحتى نضمن التمكن من جني ثمار هذه المشروعات مع الوقت.