مواجهة الإرهاب ضرورة ملحة في تحقيق استراتيجية 2063 لأفريقيا
صفاء عزب
آخر تحديث: 21/01/2019
القاهرة- أحدثت انفجارات كينيا الأخيرة في المجمع الذي يضم فندقا ومكاتب تجارية في حي ويستلاندز في العاصمة الكينية نيروبي، مخاوف كبيرة من تجدد العمليات الإرهابية خاصة وأنها لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها كينيا لمثل هذه الحوادث الإرهابية.
ولاشك أن موقعها الجغرافي وتواجدها وسط بؤرة ساخنة من القارة الإفريقية بفعل نشاط مكثف لجماعات الشباب وداعش والقاعدة، يعرضها لمزيد من مخاطر الإرهاب التي لا تقتصر على كينيا وحدها وإنما تمتد لباقي دول المنطقة.
وبالأمس القريب شهد الصومال أحداثا مشابهة تسببت في سقوط ضحايا من القتلى والجرحى. وتشهد القارة السمراء عمليات إرهابية وجرائم عنف خطيرة تلتهم الأخضر واليابس مع انتشار الجماعات المتشددة وامتداد أذرعها في مختلف الاتجاهات. وقد ازدادت احتمالات الخطر مع التقارير المؤكدة لظهور نشاط داعشي في القارة الأفريقية، ووصول بعض قيادات داعش إلى منطقة الصومال، بالإضافة إلى جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. ولذلك تأتي أهمية الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة هذه الظواهر، والتصدي لها حتى لا تقع القارة الإفريقية فريسة للإرهاب.
وتعد أحداث كينيا الأخيرة تأكيدا على وجود خطر حقيقي ودليل دامغ على نجاح الإرهاب في اختراق الحدود الإفريقية والتلاعب بأمن الدول بشكل يعمق أزماتها مع وجود مشكلات أخرى مزمنة كالفقر والجفاف والمرض والصراعات السياسية.
لقد باتت الحاجة ملحة لتوحيد الجهود وتجاوز الخلافات الجانبية والمشكلات الثنائية من أجل مواجهة عدو مشترك وخطير يهدد الجميع بمثل هذه العمليات الدموية التي تدمر الحاضر وتهدد المستقبل وخططه التنموية.
إن حركة الشباب التى تتخذ من الصومال مقرا لها، أعلنت عن مسؤوليتها عن انفجار نيروبي الأخير والذي خلف العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى). وللأسف لم تكن المرة الوحيدة لوقوع مثل هذه العمليات على الأراضي الكينية، فقد شهدت كينيا العديد من الهجمات خاصة بعد أن أرسلت جيشها إلى الصومال في أكتوبر 2011 لمحاربة “حركة الشباب الإسلامية”، ومن أبرز هذه الحوادث هجوم على جامعة غاريسا شرق كينيا في أبريل 2015 حيث قتلت فيه 148 شخصا. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، سقط المئات من الطلبة والعسكريين والمدنيين فى كينيا فى عمليات دموية وكبرى نفذتها حركة الشباب الصومالية. ولم يعد الأمر قاصرا على كينيا وحدها وإنما يهدد الإرهاب دولا أفريقية متعددة.
على المستوى الأفريقي استنكر موسى فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى، الهجوم الإرهابى الأخير بمدينة نيروبى عاصمة كينيا، وأكد على أن هذا الهجوم الإرهابى، يؤكد الحاجة إلى مضاعفة وتكثيف جهود الاتحاد الأفريقى لمكافحة الإرهاب فى القارة السمراء.
ويكشف الواقع المعاش عن حدوث تطور خطير لظاهرة الإرهاب في قارة أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، تواكب ذلك مع بروز جماعات جديدة خاصة مع وجود انشقاقات وانسلاخات لأفراد من جماعات للإندماج في جماعات أخرى أو تكوين جماعة جديدة، وهو يبدو بوضوح في الانقسامات التي حدثت داخل أوصال جماعة الشباب بسبب الانقسام حول الموقف من التنظيم الداعشي الذي أعلن بعضهم ولاءه له على غرار ما أعلنه تنظيم القاعدة بمبايعته للبغدادي، وتسبب ذلك في خلق عداءات شديدة بين هذين التنظيمين، وهو ما أسهم في زيادة حدة المعارك بين أفراد هذه الجماعات المتناحرة إلى جانب معاركها المنفردة مع البيئة التي تعيش فيها، على حساب البسطاء الذين يدفعون ثمنا باهظا من أرواحهم وممتلكاتهم
وللأسف الشديد على مدار سنوات كان للقارة الأفريقية نصيب الأسد من الأنشطة الإرهابية وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي. فقد كشف هذا المؤشر عام 2014 أنه بين 50 دولة تعاني من الإرهاب في العالم يوجد 18 دولة أفريقية. وقد احتلت جماعة بوكو حرام في نيجيريا مكانة متقدمة وصنفت كأكثر المجموعات خطرا في العالم عام 2015 ، وانتزع منها هذا اللقب جماعة الشباب الصومالية عام 2016 بحسب مؤشر الإرهاب العالمي. ووفقا لهذا المؤشر وقعت الصومال في المركز الثامن عالميا تلاها ليبيا.
وفي عام 2007 دعا أيمن الظواهري إلى شن هجمات على القوات الإثيوبية المتداخلة مع القوات الصومالية مستغلا حالة عدم الاستقرار والصراعات المتشابكة في منطقة القرن الأفريقي، وللأسف الشديد ساهم تردي الأضاع الأمنية في تلك المنطقة في زيادة استهدافها وتمركز الجماعات المتشددة فيها وانطلاق الأنشطة الإرهابية منها ضد مختلف الدول والشعوب. وقد ساهم الموقع الجغرافي المتميز والاستراتيجي لهذه المنطقة الحيوية من القارة السمراء، في زيادة أطماع مثل هذه الجماعات للتمركز هناك.
ولا شك أن ظاهرة الإرهاب في إفريقيا تعد من المعوقات الخطيرة التي تقف في طريق التنمية وحلم التكامل الذي اتخذته الدول الإفريقية هدفا ضمن أجندة 2063 التي اتخذها الأفارقة إطارا استراتيجيا للتحول الاجتماعي الاقتصاد بالقارة خلال ٥٠ عامًا عبر إعلان وقع عليه القادة في مايو 2013، لذلك أصبحت مكافحة هذه الظاهرة لها أولوية في تصدر جدول أعمال مختلف القمم الأفريقية.
وقبل ذلك بأعوام طويلة وتحديدا منذ نهاية التسعينات تبنى القادة الأفارقة عدة مبادرات لمكافحة الإرهاب شملت اتفاقية الجزائر عام 1999، وبروتوكولها الإضافي عام 2004. ولم تتوقف المسألة على اتفاقيات وإنما امتدت لتشمل المشاركة العسكرية اعتمادا على مجلس السلم والأمن الإفريقي كما هو الحال في الصومال. كما تم الاتفاق على معالجة نقاط الضعف التي تُعاني منها الدول الأفريقية المهددة بأنشطة إرهابية، وتفعيل التعاون والتنسيق بين دول الاتحاد فيما يتعلق بتبادل المعلومات الإستخباراتية ذات الصلة. كما اقترحت كينيا عام 2015 إنشاء صندوق أفريقي لمكافحة الإرهاب.
إننا أمام ظاهرة خطيرة كلما تقلصت وابتعدت عن الأنظار، أو هكذا اعتقدنا، فإنها سرعان ما تطل برأسها مرة أخرى في نفس المكان أو في أماكن أخرى تنجح في التسلل إليها مستغلة عدم الإستقرار وحالات التذمر الداخلي نتيجة للفقر وتدهور مستويات المعيشة، يساعدها في ذلك عدم قدرة السلطات الأمنية على إحكام السيطرة على الأمن الداخلي للبلاد بسبب عوامل خاصة بالصراعات القبلية والحروب الإثنية والنزاعات الحدودية وغيرها من المشكلات المزمنة التي منيت بها القارة السمراء.
ولكن مع أجواء المصالحة والتوجه السياسي نحو الاستقرار والتفرغ لعمليات التنمية والبناء والتشييد، تكون هناك بيئة مناسبة للتعاون والتنسيق المشترك في القضايا الرئيسية بين زعماء القارة، والتي تتصدرها قضية الإرهاب بطبيعة الحال. كما يأتي التعاون الإقليمي والدولي وكذلك الأممي ضروريا لاكتمال جهود المكافحة.
وإذا كانت قد اتخذت القارة الإفريقية إجراءات سابقة للتصدي لهذه الظاهرة مثل تجميد الأموال والأصول، والمواجهة العسكرية المشتركة، فإنه يضاف لذلك ضرورة معالجة الأسباب التي تسهم في تغلغل الأفكار المتشددة وتدفع الأفراد نحو التطرف، وأهمها الفقر والجهل وعدم التوعية وافتقاد العدالة ، والبطالة. كما يجب الاهتمام بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية ودفع الحركة التنويرية نحو الفهم الصحيح للدين بعيدا عن التعصب والتشدد، وهو ما يرتبط بضرورة تكثيف المتابعة لوسائل التواصل الدولية وشبكة الإنترنت التي أصبحت سيفا ذا حدين لدورها الخطير في نشر المعلومات المغلوطة وبث الأفكار الخاطئة للمجتمعات الشبابية المعروف أنها الأكثر استخداما لهذه الوسائل بغرض استقطابها وتجنيدها.
وقد أثبتت التجارب أن التعامل الأمني بمفرده لا يجدي وليس كافيا في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وإنما يجب أن تتضافر كافة العوامل السابقة مع جهود العنصر الأمني للوصول إلى النتيجة المرجوة المتمثلة في كبح جماح ظاهرة الإرهاب تمهيدا للقضاء عليها نهائيا.