بقلم: عبد الله الفاتح

شهدت القمة العادية الثامنة والثلاثون للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا سباقا انتخابيا محموما انتهى بفوز وزير الخارجية والتعاون الدولي الجيبوتي، محمود علي يوسف، بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. انتصار يوسف في هذا الاستحقاق يعد إنجازا دبلوماسيا لجيبوتي ورسالة قوية تعكس مكانتها المتزايدة في القارة.

لقد جرت الانتخابات في أجواء تنافسية محتدمة، حيث شهدت الجولة الأولى تقدم المرشح الكيني رايلا أودينجا، لكن سرعان ما نجح يوسف في قلب الموازين لصالحه، لينتهي السباق بفوزه بعد حصوله على 33 صوتا في الجولة النهائية، وهو الحد الأدنى المطلوب للفوز دون الحاجة إلى تأجيل الانتخابات لعام آخر.

مسيرة دبلوماسية حافلة:

محمود علي يوسف ليس مجرد سياسي تقليدي، بل يُعد أحد أبرز الدبلوماسيين في القرن الأفريقي. وُلد في جيبوتي عام 1965، ودرس العلاقات الدولية والقانون، مما أسهم في تكوين رؤيته الاستراتيجية في العمل الدبلوماسي. يتحدث يوسف بطلاقة اللغات الفرنسية، العربية، والإنجليزية، إلى جانب إلمامه الواسع باللغة الصومالية، ما أتاح له التواصل بمرونة مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية.

بدأ مسيرته في وزارة الخارجية الجيبوتية في التسعينيات، وسرعان ما برز بفضل مهاراته التفاوضية ورؤيته الواضحة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية. في عام 2005، تم تعيينه وزيرا للخارجية، ليصبح أحد أطول وزراء الخارجية بقاء في منصبه في القارة الأفريقية. خلال سنواته في الوزارة، لعب دورا أساسيا في تعزيز علاقات جيبوتي مع الدول الأفريقية والعالم، وشارك في العديد من الوساطات السياسية في النزاعات الإقليمية، خصوصا بين دول القرن الأفريقي.

حنكة سياسية وقدرة على إدارة الأزمات

على مدار مسيرته، أثبت يوسف حنكته الدبلوماسية في العديد من المحطات الحساسة، كما عُرف بقدرته على التعامل مع القضايا الأمنية والاستراتيجية في القارة، حيث قاد سياسة جيبوتي الخارجية لعقدين، مشاركا في أزمات إقليمية معقدة، ومفاوضات مصيرية في ملفات السلام والتعاون الدولي. ولعب دورا محوريا في تعزيز العلاقات الأفريقية العربية والدفع نحو تكامل إقليمي أكثر فاعلية.

انتخابه لهذا المنصب يأتي في وقت تواجه فيه القارة تحديات كبرى، من أزمات أمنية متصاعدة إلى الحاجة الملحة للإصلاحات المؤسسية داخل الاتحاد الأفريقي. المرحلة المقبلة ستتطلب قيادة قادرة على تعزيز آليات الوساطة، ودعم منطقة التجارة الحرة القارية، وتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي يخدم مصالح الشعوب الأفريقية.

فوز محمود علي يوسف لا يمثل فقط نجاحا دبلوماسيا لبلاده، بل يعكس أيضا تحولا في موازين القوى داخل الاتحاد الأفريقي، حيث باتت الدول الصغيرة ذات التأثير الفاعل قادرة على لعب أدوار قيادية في صياغة مستقبل القارة.

مع تولي يوسف رئاسة المفوضية، ستكون أمامه ملفات معقدة تتطلب قيادة حاسمة ورؤية استراتيجية، وهو ما أثبته خلال مسيرته الطويلة في العمل الدبلوماسي.