من المستفيد من تجدد الخلافات بين كينيا والصومال؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 10/06/2019
القاهرة- أحدث التوتر الذي اشتعل مجددا بين الجارتين الصومال وكينيا، حالة من القلق الإقليمي والدولي على منطقة القرن الإفريقي والتي تعاني باستمرار من عدم استقرار بسبب الخلافات المتصاعدة بين مختلف الكيانات القائمة في المنطقة. فقد أصدر نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصومال، رايزيدون زينينغا ، بيانا رسميا أعرب فيه عن قلقه إزاء النزاع الدبلوماسي المتصاعد بين الجانبين، محذرا من خطورة تصعيد الخلاف الدبلوماسي بين الصومال وكينيا، وتأثيره السلبي على جهود بناء الدولة وبناء السلام في الصومال، والنيل من فرص تطوير إمكاناته الإستراتيجية والإقتصادية.
وكانت الخلافات قد تجددت ثانية بين كينيا والصومال في الأيام الأخيرة بعد أسابيع قليلة من استئناف العلاقات الدبلوماسية وعودتها لطبيعتها في أعقاب أزمة سابقة بسبب الخلاف في الحدود البحرية عقب المزاد الذي أبلغت عنه الصومال والخاص بالنفط في مؤتمر لندن المنعقد في فبراير الماضي الأمر الذي أثار غضب كينيا التي اتهمت الصومال بالاعتداء على أراضيها
وشهدت الأزمة الأخيرة بين البلدين تطورا وتصعيدا في المواقف وردود الأفعال بين الطرفين ما آثار المخاوف الإقليمية والدولية على مستقبل الإستقرار في المنطقة. وبدأت هذه الأزمة بالقرار الكيني المفاجئ بإيقاف الرحلات الجوية المباشرة بين مقديشو ونيروبي والذي تلاه قرار آخر بمنع دخول ثلاثة مسؤولين صوماليين من دخول نيروبي، وذلك بحجة عدم حصولهم على تأشيرات من السفارة الكينية في الصومال، وعلى أثر ذلك اتخذت الحكومة الصومالية رد فعل معبر عن الغضب من القرار الكيني بأن طلبت من مسؤوليها مقاطعة أحد الإجتماعات الهامة التابعة للأمم المتحدة والمنعقدة في العاصمة الكينية نيروبي. وتطور الخلاف إلى ما يشبه حرب قرارات وتصريحات إعلامية عدائية متبادلة، حيث أعلنت سلطات الطيران الكينية حظر الأمتعة غير المصحوبة بمرافقين والقادمة من الصومال، كما وجهت السلطات الكينية أجهزتها الأمنية بإغلاق مكاتب الحوالات والمؤسسات المالية الصومالية مع البدء باتخاذ إجراءات بفرض عقوبات وتقييد لحركة المستثمرين الصوماليين في كينيا. وللأسف الشديد لا يستبعد محللون حدوث مزيد من التصعيد في ظل أجواء التوتر الحالية. وهو تطور ينذر بمخاطر كبيرة تضر بمصالح مختلف الأطراف بالمنطقة، ما دفع البعض للمسارعة بالتدخل لنزع فتيل الأزمة درءا لهذه المخاطر كما فعل رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد بإعلانه التوسط بين جارتيه كينيا والصومال.
لا شك أنه لا يمكن فصل هذه الخلافات المتجددة بين الجارتين الإفريقيتين بعيدا عن خلافهما الحدودي القديم على المنطقة البحرية المتنازع عليها والقابعة في مياه المحيط الهندي والبالغ مساحتها 100 ألف كيلومتر مربع والتي يسعى كل طرف منهما أن يسيطر على الجزء الأكبر من هذه المنطقة الغنية بالثروات. وهو خلاف خلقته السياسة الإستعمارية في قارة إفريقيا خلال القرن الماضي عندما عمد الإستعمار البريطاني إلى ضم أراض صومالية إلى كل من كينيا وإثيوبيا بشكل ينطوي على ظلم كبير لدولة الصومال وعندما ظهرت الثروات الطبيعية في هذه المنطقة المائية الحدودية بين كينيا والصومال اشتعل الصراع بين الدولتين.
وسارعت كينيا إلى التعدي على الحقوق الصومالية حينما طالبت شركات عالمية 2012 بالتنقيب عن النفط في المنطقة محل النزاع مع الجارة الصومالية ودون موافقتها، فاستخدم الصومال حقه الشرعي في رفع دعوى قضائية دولية يطالب فيه بحقه أمام محكمة العدل الدولية وذلك في عام 2014. وقد فاز الصوماليون بالجولة الأولى للنزاع نهاية عام 2017، وذلك بعد أن رفض قضاة المحكمة دفوع محامي الجانب الكيني، الأمر الذي دفع كينيا بالإدعاء لعدم اختصاص المحكمة والإصرار على أحقيتها لمنطقة النزاع، ولازالت القضية قيد العرض أمام المحكمة وتنتظر الحكم فيها في سبتمبر القادم.
وفي تلك الأثناء شهدت العلاقة بين الدولتين حالة من عدم الإستقرار والتوتر الذي يغيب ثم يعود في صورة موجات تحدثها مواقف وتصريحات متبادلة كان آخرها اعتراض الحكومة الكينية على ما قدمته الحكومة الفيدرالية الصومالية من بيانات المسح في مؤتمر حول النفط في الصومال عقد في العاصمة البريطانية لندن، وقيام شركة Spectrum Geo Ltd ، وهي شركة نرويجية ، بمساعدة الحكومة الصومالية في الحصول على مسحين للزلازل يغطي مساحة 40,000 كيلومتر من المياه الصومالية الأمر الذي أغضب كينيا وتسبب في أزمة دبلوماسية كبيرة – رغم نفي الجانب الصومالي ارتكابه أية تجاوزات بشأن الحقوق الكينية- تم حلها بتدخل إثيوبي في إبريل الماضي. ولكن لم تكد تهدأ تلك الأزمة حتى عادت واشتعلت من جديد في شهر مايو الماضي بعد أزمة منع دخول المسؤولين الصوماليين الثلاثة إلى كينيا. ويكشف ذلك كيف أن الطرف الكيني يبدو أكثر عنفا في تصريحاته وردود أفعاله التي خرجت من إطار التلويح بالتهديد إلى نطاق التنفيذ الفعلي والذي يتسبب في أضرار كثيرة تستلزم تدخلا سريعا إقليميا ودوليا لاحتواء الأزمة.
واقع الأمر أن سيناريوهات تجدد الأزمة بين كينيا والصومال أكثر من مرة في الفترة الأخيرة ورغم انتظار حكم المحكمة الدولية، وتكرار محاولات كينيا لإثناء الصومال عن استمرار رفع دعواها، أمر يثير الشك في وجود من يقوم بالنفخ في نيران الصراع ليؤججها كلما هدأت وخبت.
ولا ينفك تجدد هذه الخلافات بين كينيا والصومال عن الدور الخفي الذي تلعبه أطراف دولية تسعى للسيطرة على هذا المحتوى الكبير من الثروات المتنوعة وفق مصالحها خاصة مع الحجم الكبير المحتمل لاحتياطات الغاز والنفط في مثلث المحيط الهندي. كما أن طبيعة الأوضاع الداخلية في الصومال والانقسامات التي تشهدها الأقاليم مع الحكومة الفيدرالية تمنح الفرصة لتلك الاطراف، مما يحتم على الحكومة الصومالية تحسين الوضع الداخلي والتعاون مع حكومات الأقاليم وعدم استعدائها وإبداء روح التعاون مع الجيران والاستجابة لمحاولات المصالحة ومتطلباتها.
ولاشك أن من أهم متطلبات المصالحة التعاون الأمني والتنسيق فيما يخص مواجهة الجماعات العنيفة مع الأطراف المعنية ومنها كينيا. كما أن على كينيا أن تقلل من استفزازاتها المستمرة للصوماليين بتهديدها لمصالحهم الإقتصادية والسياسية والإنتظار والإمتثال لحكم المحكمة الدولية لنزع فتيل هذا الصراع المتكرر. وبحكم الظروف الداخلية لكلا البلدين لا يستطيع كل من كينيا والصومال تحمل الدخول في خلافات دبلوماسية أو صراعات سياسية طويلة مع بعضهما البعض لتشابك مصالحهما خاصة الأمنية والإقتصادية والتي تحتاج إلى تعاون مستمر خاصة في الفترة الحالية لسد ثغرات الإختراق من الأطراف التي تعمل على استغلال الموقف سواء من الجماعات العنيفة التي تهددهما معا، أو الدول الطامعة في ثروات المنطقة. كما أن تاريخ العلاقات الكينية الصومالية الحافل بالعديد من النزاعات والأخطاء السياسية والعسكرية يفرض على البلدين إبداء التدابير الدالة على حسن النوايا والإحترام المتبادل للسيادة خاصة فيما يتعلق بعمليات التنسيق الأمني لمواجهة مخاطر الإرهاب.