ملفات تنموية ساخنة على مكتب الرئيس الصومالي في السنة الثانية من ولايته
الصومال الجديد
آخر تحديث: 31/05/2023
القاهرة: صفاء عزب
بعد مرور عام على ولاية الرئيس شيخ محمود، وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة الإيجابية والحيوية التي تمت في عهده خلال تلك الفترة القصيرة الماضية وعلى رأسها الاستقرار السياسي والأمني النسبيين مقارنة بالفترات السابقة، إلا أنه تظل هناك العديد من الملفات الساخنة تنتظر البت فيها على مكتب الرئيس الصومالي وتستلزم سرعة التعاطي معها جميعا في وقت واحد وبشكل متواز حتى يشعر الإنسان الصومالي بثمرة الجهود التي تبذلها الإدارة السياسية في بلاده.
لقد تسببت الأزمات السياسية والأمنية التي استمرت على مدار فترات طويلة سابقة في تعقيد الأوضاع الحياتية بالصومال حتى اجتمعت على المواطن الصومالي البسيط أضلاع مثلث الفقر والمرض والجهل التي تستهدف عادة ضحايا الحروب والصراعات في كل مكان بالعالم وخاصة شعوب القارة الإفريقية. ويعد الصومال من الدول التي عانت ولا زالت تعاني من توابع الحروب والحصار داخل هذا المثلث العقيم. ولكن مع تحسن الظروف السياسية وتطورها نحو أوضاع أكثر إيجابية، آن الأوان لكسر أضلاع هذا المثلث وإتاحة الفرصة للصوماليين في التحرر من أغلاله والتمرد على مكوناته بالقضاء عليها ومواجهتها بشكل عملي وجاد وفعال، سواء فيما يتعلق بالجهل أو الفقر أو المرض.
وإلى جانب الظروف السياسية فقد تكالبت معها أيضا الظروف البيئية على المواطن الصومالي، حيث تسببت أزمة الجفاف التي ضربت البلاد لعدة مواسم متتالية في تعميق جراح الصوماليين وتعقد أزماتهم مع هذا المثلث الخطير. وعلى الرغم من كون الصومال بلدا غنيا بالموارد والثروات المتنوعة والأراضي الخصبة إلا أن شعبه من أكثر شعوب معاناة من الفقر والمجاعات. وفي إبريل من عام 2022 حذرت مؤسسات دولية عديدة منها الفاو واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي من تعرض 40% من الصوماليين لخطر المجاعات وهو ما أكده تقرير لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بما يعني تضاعف عدد المعرضين لانعدام الأمن الغذائي خلال فترة قصيرة بسبب الجفاف. ونتيجة لذلك يعيش ما بين 26% إلى 70% من سكان الصومال في فقر مدقع، خاصة فيما بين النازحين الذين يقدر عددهم بـ 2.6 مليون شخص داخل الدولة ممن تضطرهم الظروف الأمنية والمناخية إلى ترك منازلهم قسرا.
ولذلك ارتفعت النداءات الإنسانية للعالم كله من أجل إنقاذ الشعب الصومالي من الموت جوعا. ومع ذلك لم تكن الاستجابة بالقدر المناسب لحجم الكارثة الإنسانية بالصومال، حيث قال عبد الرحمن عبد الشكور مفوض الرئيس الصومالي لمواجهة أزمة الجفاف إن الاستجابة الدولية للحد من تداعيات الجفاف متواضعة جدا، إذ وصلت معونات غذائية إلى ما يقرب من 2.8 مليون متضرر فقط من أصل أكثر من 7 ملايين صومالي يحتاجون إلى مساعدة، ومنهم 5 ملايين يحتاجون إلى مساعدة عاجلة.
بطبيعة الحال ينعكس ذلك على تدهور الأوضاع الصحية المصاحبة لهذه الكارثة. حيث يواجه حوالي 1.4 مليون طفل سوء تغذية حاد. كما أكدت آنجيلا كيرني، ممثلة اليونيسف في الصومال أن حياة الأطفال في خطر، لو لم يتم سد فجوة التمويل، حيث ستستمر معدلات سوء التغذية في الارتفاع، وقد يواجه الأطفال سوء التغذية الحاد وأمراضا يمكن الوقاية منها.
وكان انتشار جائحة كورونا في العالم كله سببا في تأثر الأنظمة الصحية الضعيفة ومنها النظام الصحي في الصومال الذي حرمته سنوات الحروب الأهلية والصراعات السياسية الطويلة من تحقيق تطور فعال بالنسبة للإنسان الصومالي، الأمر الذي أدى إلى مزيد من المخاطر الصحية. كما كشفت الجائحة عن حجم الأزمة الكبيرة التي يعانيها القطاع الصحي في كثير من دول العالم ومنها الصومال. ووفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية فإن الصومال يسجل أعلى معدل لوفيات الأطفال في العالم حيث يموت طفل واحد من بين كل 7 أطفال قبل سن الخامسة. كما تعاني النساء الصوماليات من احتلال المرتبة السادسة لناحية أعلى مخاطر الوفيات النفاسية في العالم (829 حالة وفاة لكل 100،000 مولود حي). كما يحتاج أكثر من 2.4 مليون صومالي إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية. وتشير التقارير الأممية إلى تعرض النظام الصحي في الصومال الى ضعف وإهمال، مما أدى إلى تراجعه إلى أدنى المؤشرات الصحية في العالم.
ولا شك أنه في ظل حالة الفقر وضعف الخدمات الصحية، فإن مستوى التعليم لا بد أن يتأثر سلبيا في المجتمع الصومالي، فلا يمكن لأسرة لا تجد ما تقتاته ولا تستطيع توفير العلاج لأبنائها أن تهتم بتوجيه أطفالها للمدارس خاصة لو كانت هناك مخاطر أمنية يمكن أن تهدد حياتهم. ولذلك فإن انتشار الفقر والمرض يسهم في اكتمال أضلاع المثلث المدمر باستفحال الأمية وإهمال التعليم سواء على المستوى المجتمعي أو الحكومي، وهو ما بدت ملامحه السلبية خلال فترات الحروب السابقة التي شهدها الصومال. ومع استمرار هذا الوضع لسنوات طويلة، أدى إلى تعقد الأمور وتراكم المشكلات التعليمية حتى سجل الصومال أدنى معدلات الالتحاق بالمدارس على مستوى العالم، حيث انخفضت نسبة الأطفال التي تلتحق بالتعليم الابتدائي إلى 30% ووصلت إلى 26% لمن تمكنوا من الالتحاق بالتعليم الثانوي. وتشير بعض الأرقام إلى وجود ما يزيد عن 3 مليون طفل محرومون من التعليم بنسبة تزيد عن 60% من إجمالي الأطفال في سن المدرسة.
ومع بدء السنة الثانية من ولاية الرئيس الدكتور شيخ محمود، فإنه مطالب بالتعاطي مع قضايا التنمية الشاملة، وهو ما بدأت فيه إدارته بالفعل من خلال خطط واتفاقات تعاون لدعم بلاده في هذا الاتجاه وكان آخرها مشاركة رئيس وزراء الصومال حمزة عبدي بري، في اجتماعات مجموعة بنك التنمية الإفريقي بمدينة شرم الشيخ، نيابة عن الرئيس شيخ محمود. وهي اجتماعات تعنى بالتعاون العربي الافريقي بما يحقق آمال وطموحات الشعوب في الامن والاستقرار والرخاء.
وخلال زيارته للصومال أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، التزام المنظمة الأممية بدعم جهود التنمية في الصومال وتعزيز استقراره، مشيرا إلى أن الصومال يواجه تحديات عديدة مشددا على أهمية التعاون القوي مع الصومال لمواجهة التهديدات. لذلك تأتي أهمية استمرار العمل الجاد لمواجهة قوى الارهاب والعنف في البلاد واسترداد الأراضي الصومالية من أيديهم والأهم منها هو استرداد المواطن الصومالي الذي وقع في براثن هذه الجماعات لعقله ووعيه ونفسه بما يؤهله للانضمام إلى صفوف العمل والإنتاج في بلاده. ومن المؤكد أن الاهتمام بنشر التعليم الوسطي المعتدل ورفع الوعي بين الفئات الأقل تعليما وزيادة أعداد المدارس في كل مكان لإتاحة الفرصة لأبنائنا الصوماليين للتعليم، يسهم بلا شك في خلق أجيال جديدة متفتحة وواعية ومحصنة ضد السقوط في دائرة الإرهاب المظلم.
وعلى جميع الأطراف الإقليمية والعربية والعالمية أن تدعم الصومال وإدارته السياسية في أداء أدوارها نحو التعاطي مع هذه القضايا الحيوية لمساعدته على تحقيق بيئة طاردة للإرهاب والتشدد ومحفزة على التنمية.
إن التنمية بمفهومها الواسع لا تقتصر فقط على توفير الطعام والشراب، وإذا كان توفير حياة كريمة للمواطن الصومالي أمرا ضروريا وحيويا فإن تطوير منظومة الصحة والتعليم يضمن رفع مستويات المعيشة وتحسين أوضاعه على كافة المستويات لأن الإنسان الأمي أو المريض لا يمكنه العمل والعطاء داخل مجتمعه، وإذا كان الصومال على أعتاب مرحلة جديدة من النهوض الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي، فإن ذلك لا ينفك عن حتمية وسرعة الاهتمام بالملفات الثلاثة لضمان وجود عناصر بشرية جيدة تقوم بدورها المنوط بها على أكمل وجه نحو تحقيق الرخاء والازدهار.