مع تجددها بعملية الملء الثالث متى تنتهي أزمة سد النهضة؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 9/08/2022
القاهرة: صفاء عزب
مع استمرار عملية الملء الثالث لخزان سد النهضة خلال موسم الفيضان الحالي عادت أزمة السد الأثيوبي لتتصدر المشهد من جديد وتعيد التوتر لأجواء منطقة دول حوض نهر النيل وخاصة بين أثيوبيا بلد المنبع وكل من مصر بلد المصب والسودان باعتباره أحد المتضررين من المخاطر المحتملة لزيادة كمية المياه المخزنة خلف جسم السد المثير للجدل منذ بداية التخطيط لبنائه وحتى مراحله الأخيرة. هذا وقد كشفت صور الأقمار الصناعية التي أوردها خبراء معنيون بمياه نهر النيل مؤخرا أن المياه بدأت في تخطي مستوى البحيرة عن العام الماضي، مع اختفاء بعض الجزر الصغيرة، واقتراب المياه نحو سد السرج (السد الركامي المقوس)، حيث بلغ إجمالي المخزون في بحيرة سد النهضة 15 مليار متر مكعب، في الوقت الذي تستهدف أثيوبيا فيه الوصول إلى منسوب 595 مترا منذ التخزين الأول في العام 2020 الأمر الذي ينعكس سلبا على حجم المياه التي تصل لمصر والسودان ويهدد أمنهما المائي.
وفي ضوء ذلك أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحات صارمة حول حماية حق مصر في نهر النيل المقدس لدى المصريين منذ آلاف السنين مؤكدا على عدم السماح بالمساس بشريان الحياة الأساسي بمصر. وأعقب ذلك تصريحات جديدة للسيسي صدرت مؤخرا أعلن فيها تبني مصر للمسار التفاوضي والدبلوماسي من أجل الوصول لحل، مؤكدا على اعتماده على الصبر والتفاوض بعيدا عن الصوت العالي الذي لا يحقق أية نتائج.
وكانت القاهرة قد تلقّت رسالة من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم 26 يوليو الماضي، تُفيد باستمرار أثيوبيا في ملء خزان سدّ النهضة خلال موسم الفيضان الجاري، بشكل أحادي دون اتفاق مسبق. ونتيجة لهذا الإجراء قدمت مصر شكوى إلى مجلس الأمن الدولي اعتراضاً على إصرار أثيوبيا على ملء السدّ دون الرجوع لباقي الأطراف المعنية التي قد تتضرر بشكل كبير من جراء هذه العملية.
يذكر أن سد النهضة الأثيوبي يثير أزمة كبيرة بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا منذ سنوات طويلة، حيث تطالب مصر والسودان بجدول زمني متفق عليه قانونيا وفنيا للملء والتشغيل والتشارك حول بيانات السد، بينما تتصرف أثيوبيا بشكل منفرد اعتقادا منها بأن الأمر يخصها وحدها باعتبار أن المشروع في أرضها وترى أن من حقها المضي قدما بشكل منفرد في مشروع السد الذي يمثل لها طاقة أمل لتحقيق نهضة كبرى على كافة الأصعدة.
ولم تكن هذه الأزمة هي الأولى من نوعها في طريق السد حيث تكررت الأزمات وخيمت أجواء التوتر خلال السنوات الأخيرة بين القاهرة وأديس أبابا منذ بداية الإعلان عن المراحل الأولى لبناء السد. وتدخلت أطراف دولية للتوسط بين كافة الأطراف لحملها على الاتفاق حول السد العملاق لكن المفاوضات توقفت في حين تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملئه وتشغيله لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل بينما ترفض أثيوبيا ذلك وتؤكد أن السد المثير للجدل لا يستهدف الإضرار بأحد وبادرت باتخاذ إجراءات لإنتاج الكهرباء منه قبل نحو خمسة أشهر.
وكلما لاحت في الأفق مخاوف شبح العطش الذي يمكن أن يتربص بشعبي مصر والسودان مع اقتراب عمليات الملء المتكررة، ارتفع مستوى التوتر، إلا أن تجدد تحذيرات الخبراء من توابع هذا الملء وزيادة حجم المياه المخزونة خلف السد الجديد يثير الجدل والمخاوف خاصة في ظل شيوع أخبار عن وجود عيوب خطيرة في جسم السد وما تردد بشأن اضطرار إثيوبيا لإحداث بعض التعديلات لمعالجة هذه العيوب وهو الأمر الذي لم يتم تأكيده أو نفيه.
وتعتبر مصر أن هذا الإجراء المنفرد من أثيوبيا دون تنسيق أو اتفاق معها يعد مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015 وانتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، والتي تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دول المصب، وهو ما كان دافعا لسعي مصر للتوصل لاتفاق عادل من خلال الطرق السلمية والمفاوضات ولكن دون جدوى، وبناء عليه وجهت مصر اتهاما إلى الجانب الأثيوبي بالعمل على إفشال كافة الجهود والمساعي المبذولة لحل الأزمة سلميا. وتطور الموقف المصري بتسجيل اعتراض إلى الأمم المتحدة وإعلان الرفض التام لاستمرار الطرف الأثيوبي في عملية ملء السد بشكل أحادي.
وفي المقابل ترى أثيوبيا أن أعداء خارجيين هم من يصورون سد النهضة على أنه تهديد يضر بدول أخرى وأكدت تصريحات أثيوبية رسمية أنهم ماضون في ملء سد النهضة، دون قصد الإضرار بأي دولة، وأن أثيوبيا اختارت الوسائل الدبلوماسية للحيلولة دون تصعيد الموقف إلى صراعات لا داعي لها.
إلا أن التصريحات الأثيوبية التي تحاول بث الطمأنينة لدى مصر والسودان فشلت في مهمتها أمام التقارير والتصريحات المتتابعة من خبراء مصريين وعرب عن مخاطر وأضرار سد النهضة المبنية على وقائع وليس على نوايا سيئة أو افتراضات غير واقعية كما يزعم الجانب الأثيوبي.
يقول خبراء متخصصون أن السد الأثيوبي أشبه بقنبلة مائية موقوتة لما به من مبالغة في المواصفات، والتواجد على ارتفاع 645 مترا فوق سطح البحر، بما يهدد الخرطوم السودانية الموجودة عند مستوى أقل انخفاضا وهو 300 متر الأمر الذي يعني تعريض حياة 20 مليون سوداني للخطر في حالة انهيار السد المبني على أراضي أثيوبية بها أكبر فالق جيولوجي.
وكشف الخبراء أن هناك عجزا للمياه في مصر بلغ 31 مليار متر مكعب بما يهدد حوالي 72% من الرقعة الزراعية في مصر في حال استمرار العجز مشيرين إلى أن سد النهضة الأثيوبي يشكل خطورة على دول المصب في ظل عدم وجود تنسيق مشترك في عملية الملء وأن زيادة حجم المخزون فيه من 11 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب سبب من أسباب الخطورة المحتملة.
وبالنسبة للموقف السوداني فقد شابه بعض الغموض في بداية الأمر على أمل الإستفادة من مشروع السد في الحصول على الطاقة الكهربية، إلا أن تجدد المخاوف من تزايد احتمالات انهيار السد وتهديده لحياة ملايين السودانيين، أدى إلى تشدد الموقف السوداني واتفاقه مع الموقف المصري الرافض للتصرفات الأثيوبية الأحادية، لدرجة تحول الأمر إلى قضية دينية عندما أعلن مجمع الفقه الإسلامي بالسودان عن تحذيره من المخاطر الوخيمة لسد النهضة الأثيوبي التي أكدها له خبراء في مجالات الهندسة والمياه وعلوم الأرض والبيئة والفيزياء والقانون. وأكد خبراء سودانيون أن توفير الطاقة لا يحتاج إلى سد بهذه الضخامة مشيرين إلى أن هناك هدفاً آخر خفياً قد يلحق الضرر بالسودان. كما أعرب السودانيون عن تخوفهم من تعرض السد لخلل في منظومة البرامج الإلكترونية التي تشغله عن طريق الخطأ أو بعمل تخريبي يتسبب في كارثة لهم، خاصة مع عدم تلبية سد النهضة للاشتراطات والمحاذير الجيولوجية مع وجوده في مناطق غير آمنة من الزلازل والإنزلاقات الأرضية، وهو الاحتمال الوارد في تخزين كميات هائلة من المياه قد تتسبب في حدوث تشققات أرضية تحت قاعدة السد وفي محيطه.
إلى ذلك تعاملت أطراف عربية كبرى بشكل حيادي مع الأزمة دون التحيز للبلدين العربيين المتضررتين من السد، حيث تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات طيبة مع أثيوبيا وأرسل سفيرها الجديد الدكتور فهد الحميداني أوراق اعتماده لدى أديس أبابا تأكيدا على توطيد العلاقات الثنائية وتعميق وتعزيز التعاون المشترك، لا سيما في التجارة والاستثمار وتمويل التنمية.
كما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة دعمها جهود الاتحاد الأفريقي والدول الثلاث “مصر والسودان وإثيوبيا” في عملية التفاوض بشأن سد النهضة وأكدت من خلال بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة على ترحيبها بالتزام الدول الثلاث بالمفاوضات التي يقودها الاتحاد، وتشجيعهم على مواصلة التفاوض بحسن نية
وثمنت دولة الإمارات الفرصة التي تتيحها تلك المشروعات لدعم التكامل الإقليمي وتسريع وتيرته مع تعزيز التعاون والتنمية المستدامة في المنطقة وخارجها.
وخلال زيارته للقاهرة مؤخرا أعرب الرئيس الصومالي شيخ محمود على توافق بلاده مع الموقف المصري في التأكيد على خطورة السياسات الأحادية فيما يتعلق بإنشاء السدود على الأنهار المشتركة، وضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد الأثيوبي.
وعلى الصعيد الدولي أكدت الناطقة باسم الإقليمية باسم وزارة الخارجية الامريكية جيرالدين جريفيث، على استحالة فرض الولايات المتحدة أي حل لأزمة سد النهضة من الخارج وأن الإدارة الامريكية تحث الدول الثلاثة مصر وأثيوبيا والسودان على التعاون فيما يخص أزمة سد النهضة.
إلى ذلك شدد الاتحاد الأوروبي على استعداده لدعم المفاوضات بقيادة الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق بشأن أزمة سد النهضة، مؤكدا على أن حل أزمة السد سيساهم في خلق فرص كبيرة للاستثمارات الأجنبية في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والمائي في منطقة حوض النيل.
وتبقى أزمة سد النهضة معلقة مع اختلاف الأطراف الثلاث ومع استمرار رفض أثيوبيا الالتزام بالمقررات الدولية التي ترتبط بقواعد استخدام الأنهار المشتركة وتفرض الالتزام بعدم الإضرار بباقي الأطراف. ولا شك أن الموقف المصري والسوداني يحتاج إلى مزيد من السعي للبحث عن كافة المسارات الممكنة لحل الأزمة المائية الخطيرة منها المسار الإفريقي ومسار الوسطاء الدوليين من ذوي التأثير على الموقف الأثيوبي لتقريب وجهات النظر وتضييق مساحة الخلاف، إضافة إلى التحرك على المسار القانوني لكشف وإثبات الحقوق المائية لكافة الأطراف، وفقا لقواعد القانون الدولي المعمول بها في هذا الشأن.
كما يجب على الطرفين المعنيين مصر والسودان بتوحيد موقفيهما كطرف متضرر والتنسيق المشترك لمواجهة الموقف الأثيوبي وتقليل المخاطر المحتملة، كما يجب عليهما البحث عن مشروعات بديلة للإستفادة من مياه نهر النيل بما يعوض خسائر العجز المائي المحتمل من جراء عمليات الملء والتخزين بكميات كبيرة لمياه النيل خلف السد الأثيوبي.