معالجة الصومال للأزمة الحدودية مع كينيا
صفاء عزب
آخر تحديث: 21/02/2019
القاهرة- أحدث التصعيد المفاجئ والسريع في الأزمة الكينية الصومالية، دويا هائلا على الصعيدين الإقليمي والدولي، لما فيه من علامات استفهام كبيرة أثارها المسلك الكيني بتعجيله لخطوة قطع العلاقات الديبلوماسية مع الجارة الصومال، دون طرق الأبواب الأخرى والتي كان من الممكن أن تحدث نتائج أكثر إيجابية في موضوع النزاع. ولاشك أن ما حدث قد أعاد منطقة القرن الإفريقي لأجواء ساخنة مشحونة بالتوتر بعد أن بدت ملامح الإستقرار تمتد للمنطقة في ظل توابع اتفاق السلام والمصالحة التي تمت بين بعض دول القرن الإفريقي، وسط ترحيب عالمي.
لقد تم تصعيد الأزمة بشكل سريع وغريب من الجانب الكيني عندما استدعت الحكومة الكينية سفيرها في مقديشيو، وطلبت من السفير الصومالي مغادرة العاصمة الكينية، في إشارة إلى بوادر قطع للعلاقات الديبلوماسية، وذلك كرد فعل لما اعتبرته كينيا تجاهلا من قبل الصومال للمعايير الدولية في مسألة النزاعات الحدودية، بسبب عرض الأخير 50 حقل نفطي على المحيط الهندي في المزاد خلال مؤتمر عقد في لندن. وقد اعتبرت كينيا هذا المسلك بمثابة اعتداء على أراضيها ومواردها، بينما رد الصومال على هذا الإتهام الكيني بأن خريطة الحقول النفطية التي قامت بعرضها في مؤتمر لندن لم تشمل أراضي كينية، وأكد تمسكه بحل النزاع في الحدود البحرية بين البلدين في المحكمة العدل الدولية.
وقد اشتعلت هذه الأزمة بين كينيا والصومال على خلفية منازعات حدودية منظورة في الوقت الراهن أمام محكمة العدل الدولية، ضمن نزاعات حدودية كبيرة منيت بها دول القارة السمراء بسبب الإرث الإستعماري الذي كان يقسم الحدود وفق اعتبارات مصالحه دون مراعاة مصالح الشعوب، وبشكل يثير الجدل والمنازعة بين الدول ولا سيما لو كانت الأرض محل النزاع غنية بالموارد الطبيعية والثروات المعدنية، كما في حالة النزاع الحدودي الصومالي الكيني على منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي.
ويعد النزاع بين كينيا والصومال من النزاعات القديمة في القارة الإفريقية، وتعود بداياته إلى عام 1948 بسبب السياسات الإستعمارية لبريطانيا في المنطقة وتعمدها ضم أجزاء من الأراضي الصومالية إلى كينيا وإثيوبيا. ومع اكتشاف النفط في منطقة النزاع في بداية الألفية الثالثة، تجدد الصراع بين الجارتين لرغبة كليهما في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الحدود البحرية المتنازع عليها والإستفادة من محتوياتها من الثروات المكتشفة.
كما تكشف الوقائع التاريخية عن أن كينيا هي البادئة بالتعدي على الحقوق الصومالية حينما طالبت شركات عالمية 2012 بالتنقيب عن النفط في المنطقة محل النزاع مع الجارة الصومالية ودون موافقتها، وهو ما أغضب الصوماليين آنذاك، إلا أن تصرف الحكومة الصومالية وقتها جاء أكثر حكمة من رد الفعل الكيني الأخير، حيث قام الصومال باختصام الجانب الكيني ورفع قضية أمام محكمة العدل الدولية عام 2014. ولم يلجأ الصوماليون لهذه الخطوة إلا بعد طرق كافة أبواب التفاوض والمحادثات المشتركة مع طرف النزاع، في إشارة إلى حرص الصومال الدائم على علاقاته بالجيران. ومع ذلك وفي تلك الأثناء، لم تتأثر العلاقة بين البلدين حيث فرضت عليهما الظروف الأمنية السيئة بالمنطقة أن يتعاونا معا لمواجهة الإرهاب ومطاردة البؤر المسلحة القابعة في المناطق الحدودية منذ عام 2004. كما أشركت كينيا جنودها في قوى مواجهة جماعة الشباب داخل الصومال، وإن كان ذلك قد اعتبره البعض بمثابة استغلال كيني للموقف للتسلل إلى الأراضي الصومالية خاصة عندما لجأت لبناء جدار عازل بينها وبين الصومال على حساب أجزاء من أراض صومالية بحجة حماية نفسها من الإرهاب.
وعندما لجأ الصومال لمحكمة العدل الدولية عام 2014 للفصل في خلافه مع كينيا، فاز الصوماليون بالجولة الأولى للنزاع نهاية عام 2017، وذلك بعد أن رفض قضاة المحكمة دفوع محامي الجانب الكيني الأمر الذي دفع كينيا بالإدعاء لعدم اختصاص المحكمة والإصرار على أحقيتها لمنطقة النزاع. وفي المقابل أعربت الحكومة الصومالية عن ثقتها بالقضاء الدولي ودعت الطرف الكيني إلى عدم التسرع وانتظار قرار المحكمة الفاصل في الأمر.
وعلى الرغم من رد الفعل الصادم من قبل الطرف الكيني، وما أحدثه من غضب شعبي صومالي كبير، إلا أن رد الفعل الصومالي المقابل كان هادئا متزنا، يعكس حكمة سياسية من القيادة والمسؤولين الصوماليين وإدراكا لحساسية الموقف وخطورته في مثل هذه الأمور، كما تعكس ثقة الصوماليين في أنهم أصحاب حق.
ويحسب للنخبة السياسية والكوادر الحزبية موقفهم الداعم لحكومة بلادهم وتجاوزهم للخلافات السياسية البينية لتحقيق الإصطفاف الوطني في مواجهة هذه الأزمة والدفاع عن موقف بلادهم.
أما كينيا فهي تحتاج إلى مراجعة لموقفها الذي اتخذته بدوافع انفعالية تنقصها الحكمة والحذر من مغبة مثل هذه الأزمة وما يمكن أن ينجم عنها من مخاطر جسيمة جراء قطعها للعلاقات الديبلوماسية مع جارتها وشريكتها في الملف الأمني. ومن المؤكد أن قوى الإرهاب وجماعات العنف المسلح ستكون من أكثر المستفيدين من هذه الأزمة وما ستحدثه من خلل وثغرات أمنية يمكن التسلل من خلالها عبر الحدود. كما أن العلاقة بين كينيا والصومال عميقة وتتجاوز الأزمات السياسية بين قيادتي البلدين لتمتد إلى شعبيهما واللذين يرتبطان تجاريا وأسريا وإنسانيا، حيث تعتبر كينيا ملاذا لمئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين، كما يمتلك كثير من الصوماليين عقارات وممتلكات خاصة داخل كينيا، بما يخلق حالة من التشابك التي يصعب فكها بقرار طرد سفير أو قطع علاقات. وهو أمر يجب مراعاته في التعامل مع شعبي الطرفين حتى لايتسبب الأمر في تعميق الأزمة وخلق مزيد من الأزمات الإنسانية بشكل يجعل المشهد أكثر تعقيدا.
وإذا كان الصومال قد لجأ للقضاء الدولي فعلى الطرفين الرضوخ لحكم المحكمة النهائي، واتخاذ الطرق الودية في مناقشة وحل ما يظهر من أزمات مشابهة في المستقبل، خاصة وأن ما يجمع بين الدولتين أكثر مما يفرق بينهما، وأن عضويتهما المشتركة في كثير من المنظمات الإقليمية والعالمية تلعب دورا محفزا للتعاون والتنسيق المشترك، لا الخصومة والتعجل بقطع العلاقات.
وهنا يعول كثيرا على الأطراف الدولية والإقليمية في سرعة التدخل لنزع فتيل الأزمة وإعادة الصلح بين الطرفين اللذين لابد أن يدركا أن أي خلاف بينهما لن يكون في صالحهما، وإنما في صالح خصمهما المشترك وهو الجماعات الإرهابية.