مصير لاجئي معسكر”داداب” معلق بقرار كيني ودعم أممي واهتمام دولي!

صفاء عزب

آخر تحديث: 17/04/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- أدى تزايد الحروب وانتشار بؤر الصراع المشتعلة في شتى بقاع الأرض إلى ارتفاع معدلات تدفق اللاجئين وزيادة الحاجة إلى تدبير أماكن مخصصة لاستقبالهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم خلال فترة إقامتهم حتى تسمح لهم ظروفهم بالعودة لبلادهم. وقد تمتد هذه الفترة لسنوات طويلة مع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية في مناطق الصراع وهو ما يستلزم بقاء المعسكر طوال هذه الفترة، وينطبق ذلك على حالة معسكر “داداب” الموجود في كينيا منذ أكثر من عقدين من الزمان لاستقبال اللاجئين وخاصة اللاجئين الصوماليين الفارين من مناطق الصراع والحروب المشتعلة في بلادهم. إلا أن أولئك  اللاجئين الصوماليين مهددون بالبقاء في العراء وبدون مكان للجوء واضطرارهم للعودة قسرا لمناطق المخاطر الأمنية بعد ما تردد عن نية الحكومة الكينية في إغلاق معسكر داداب خلال عام 2019.

ويعد معسكر داداب أكبر معسكر للاجئين في العالم حيث يؤوي ما يقرب من 230 ألف لاجئ أغلبهم من دولة الصومال الذين لجأوا إلى جارتهم كينيا مع اشتعال الحرب الأهلية عام 1991. يقع معسكر داداب في شمال شرق كينيا على بعد 474 كم من العاصمة نيروبي وعلى بعد100 كم من بلدة ”جاريسا“  مركز الإقليم الشمالي الشرقي في كينيا، ويتكون من عدة مخيمات، وقد أقيم المخيم الأول داخل المعسكر عام 1991 مع فرار الصوماليين من الحروب الأهلية عبر الحدود الصومالية الكينية، وبلغ عدد اللاجئين فيه حينئذ 90 ألف لاجئ. كما استمرت تدفقات الصوماليين إلى هذا المعسكر في موجات مختلفة باعتباره الملجأ الأقرب من المخاطر التي كانت تهددهم آنذاك. وشهد عام 2011 موجة أخرى كبيرة من موجات تدفق اللاجئين الصوماليين على “داداب” بعدد 130 ألف لاجئ فروا من الجفاف والمجاعة التي ضربت الجنوب الصومالي وتسببت في موت الكثيرين جوعا. ولذلك يمثل الصوماليون نسبة 96% تقريبا من سكان معسكر “داداب”، ما يجعلهم الفئة الأكثر تضررا من غلق المعسكر.

أكثر من 27 سنة هي مدة استمرار المعسكر منذ إنشائه، وخلال هذه المدة حرصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وبعض الهيئات الدولية المعنية على تقديم الدعم المطلوب من غذاء ومسكن وصحة وغيره من الأمور الضرورية للحياة في مبادرة دولية لمساعدة الحكومة الكينية على استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين على أرضها. ورغم هذه الفترة الطويلة والتي شهدت ميلاد أجيال جديدة داخل المعسكر، إلا أنهم جميعا لازالوا يقيمون في مخيمات قابعة في باطن الصحراء والرمال البركانية وسط الرياح والعواصف، حيث تحظر الحكومة الكينية بناء أي بيوت دائمة.

على الرغم من هذا العدد الكبير الذي يؤيه معسكر “داداب” للاجئين، إلا أنه معرض للترحيل القسري حيث طلبت الحكومة الكينية من المفوضية العليا للاجئين بتسريع إعادة إسكان اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يقيمون في المعسكر، وذلك بعد أن أرسلت كينيا إلى المفوضية تبلغها بمشروع إقفال معسكر داداب خلال ستة أشهر من بعد شهر فبراير 2019 وذلك لأسباب أمنية واقتصادية، وقد أعلنت المفوضية العليا للاجئين أن هذا الإجراء يتطلب منها العمل بالتعاون مع الحكومة الكينية لإيجاد أماكن بديلة لإسكان لاجئي “داداب” في كينيا أو في بلدان أخرى مع محاولة إعادة بعضهم لبلادهم الأصلية إذا كان ذلك ممكنا. وليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها كينيا عن نيتها غلق المعسكر الأكبر للاجئين في العالم، فقد كشفت عن نيتها هذه عام 2016 إلا أن المحكمة العليا في كينيا أصدرت وقتها حكما يقضي بأن إغلاق مخيم داداب غير دستوري، ويستهدف اللاجئين الصوماليين ويعد من أعمال الاضطهاد الجماعي، لكن الحكومة الكينية أعلنت عن استئنافها حكم المحكمة. وتعرضت كينيا لانتقادات كبيرة من المجتمع الدولي والمدافعين عن اللاجئين بسبب موقفها من المعسكر وعدم تفعيل عمل الهيئة المعنية بتسجيل اللاجئين الوافدين حديثا امتثالا لحكم المحكمة، وهو ما يحرمهم من الحصول على الخدمات الأساسية من غذاء ومأوى في المعسكر. جاء ذلك في الوقت الذي تعهد فيه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أمام القمة الخاصة بشأن اللاجئين الصوماليين، بالمحافظة بتعزيز حماية اللاجئين الصوماليين.

وقد أعربت الحكومة الكينية عن اضطرارها لاتخاذ هذا المسلك تجاه المعسكر لاعتبارات أمنية وضغوط اقتصادية، حيث تخشى الحكومة الكينية تهديدات حركة الشباب واحتمالات اختفائهم في صفوف هذا المعسكر، وهي مخاوف ازدادت حدتها مع تصعيد جماعة الشباب لنبرة العنف تجاه كينيا وبعض الدول المجاورة واتهامهم بالنجاح في تجنيد بعض الأشخاص من سكان المعسكر.

كما تواجه كينيا ضغوطا اقتصادية كبيرة بسبب الأعباء المالية الضخمة التي يتطلبها المعسكر خاصة مع ضعف حجم الدعم الدولي الذي تتلقاه من المؤسسات الدولية المعنية باللاجئين. ووفق تصريحات رسمية فقد خفضت الحصص الغذائية المقدمة لمثل هذه المعسكرات إلى الثلث تقريبا بسبب النقص في التمويل، لذلك يكافح «برنامج الغذاء العالمي» للحصول على تمويل لعملياته في «داداب»، التي انخفضت حصصه بنسبة 30 في المئة، ما يعني تدني حصص اللاجئين عن الحدود الدنيا التي حددتها الأمم المتحدة نفسها. وهي ظروف تفرض مزيدا من الأعباء الإقتصادية على البلد المضيف أي كينيا التي يعاني اقتصادها من ديون كثيرة، بينما تمنع قوانينها قيام اللاجئين بممارسة أي عمل خارج حدود المعسكر.

ولاشك أن نتائج هذه الظروف مجتمعة تصب بالسلب على أوضاع سكان معسكر “داداب” الذين يعانون ظروفا حياتية صعبة كما يتعرضون لمخاطر صحية كثيرة بسبب تفشي الأمراض المعدية الناتجة عن ضعف الرعاية الصحية. ويولد في المعسكر 300 طفلا من أبناء اللاجئين شهريا، وهم يعانون من سوء التغذية ونقص في الأوزان بشكل كبير عن قرنائهم الأسوياء. كما يحرم أغلب هؤلاء المواليد من التعليم حيث تقول منظمة «يونيسيف» إن أكثر من 156 ألفاً من الأطفال الذين وصلوا إلى سن الدراسة يعيشون في معسكر«داداب»، ثلثهم فقط يذهبون إلى المدارس. ويضاف إلى ذلك معاناة سكان المعسكر من عدم توفر الحماية الأمنية من قبل الحكومة الكينية مما يعرضهم لمخاطر أمنية.

من أجل ذلك تجدد الجدل حول معسكر “داداب” والدعوة إلى إغلاقه وحقيقة الجدوى من وجوده في الوقت الحاضر في ظل هذه المعاناة التي يعانيها سكانه من اللاجئين. وهناك من يطالب بعدم إجبار اللاجئين على العودة لبلادهم خاصة إذا كانت عوامل الخطورة لازالت قائمة، ويقترحون تحديد أماكن بديلة لمعسكر “داداب” لإيواء هذا العدد الكبير من اللاجئين وأسرهم التي استقرت وكونت عائلات على مدار سنوات طويلة. وقد أكدت إيفون نديج المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأنه لن يتم إجبار اللاجئين على العودة إلى ديارهم. وقالت إن اتخاذ قرار العودة يلازمه جمع معلومات حديثة من أكثر من 30 منظمة محلية على الأرض في الصومال حول الوضع هناك. كما يطالب آخرون دولة كينيا بأن تتعهد بالإستمرار في تنفيذ التزاماتها تجاه أولئك اللاجئين وحمايتهم وفقا للإعتبارات الإنسانية والقوانين الدولية الخاصة باللاجئين.

ويعيش اللاجئون حالة من القلق والترقب لما ستسفر عنه الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الكينية مستقبلا في المدة التي حددتها فيما يتعلق بمصير معسكر “داداب” الأمر الذي يستلزم نظرة اهتمام ورعاية إنسانية ومد أيادي التعاون من المجتمع الدولي لمساعدة هؤلاء اللاجئين في جميع الإحتمالات الممكنة. فهل تكون هناك تحركات فعلية لإنقاذ لاجئي “داداب” أكبر معسكر لاجئين في العالم ؟!

هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة!

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال