مصير جزيرة سواكن السودانية بعد انتهاء عصر البشير
صفاء عزب
آخر تحديث: 15/08/2019
القاهرة- عندما سقط النظام السوداني وتم عزل الرئيس عمر البشير في أحداث الثورة السودانية، أثير الجدل حول العديد من القضايا المرتبطة بذلك النظام ومدى إمكانية تأثير التغيرات الحادثة في السودان على هذه القضايا التي باتت بين يوم وليلة معلقة. من بين هذه القضايا ومن أهمها ما يثار حول مستقبل مصير جزيرة سواكن السودانية واحتمالات توقف عمل الإتفاقية المبرمة بين البشير والرئيس التركي أردوغان بخصوص الإستغلال التركي للميناء السوداني القديم. لذلك صدرت تصريحات كثيرة متضاربة من أطراف مختلفة حول احتمالات هذا الأمر من عدمه.
وكان العمل في سواكن قد توقف في أعقاب اشتعال الإحتجاجات ضد البشير وصولا لإسقاطه، ما أدى لانتشار شائعات عن تهديدات للمشروعات التركية بالجزيرة. وقالت أطراف سودانية على وسائل التواصل الإجتماعي أن الثورة الشعبية السودانية التي أطاحت بالبشير ونظامه، قد أطاحت أيضا بالإتفاق التركي السوداني. كما تداولت مواقع خبرية سودانية أخبارا عن أن المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد بعد عزل البشير قد منح تركيا مهلة لإخلاء الجزيرة محل الإتفاق. وهو الخبر الذي جاء على لسان أمجد طه، الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط حيث كشف عن أن مصدرا دبلوماسيا أخبره أن “الكبار أعطوا مهلة لنظام تركيا لإخلاء جزيرة سواكن السودانية من أي وجود تركي استخباراتي أو عسكري”.
على الجانب الآخر ردت تركيا على هذه الأخبار مؤكدة استمرار العمل داخل جزيرة سواكن ونفى حامي أكسوي المتحدث باسم الخارجية التركية الأنباء المترددة حول إلغاء اتفاقها المبرم مع السودان حول الجزيرة المذكورة.
تقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرق السودان، وترتفع عن البحر 66 مترا، وتبعد عن العاصمة السوداينة الخرطوم حوالي 560 كيلومترا. وتبلغ مساحتها عشرين كيلو متر مربعا وتضم ما يزيد عن 370 قطعة أرض ما بين حكومية وسكنية. وتتكون سواكن من جزيرة مرجانية صارت أطلالا مع الزمن، إضافة إلى مدينة سواكن التي تبدو منطقة واسعة وداخلها لسان بحري وهو ما جعلها ميناء هاما. وتتمتع جزيرة سواكن بأهمية استراتيجية كبرى باعتبارها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر. وتعتبر سواكن الميناء الثاني في السودان بعد ميناء بورسودان الذي أنشأه البريطانيون كبديل لسواكن لعدم قدرة الأخير استقبال السفن الكبيرة. وتعد سواكن من المناطق العريقة تاريخيا حيث شهدت حضارات متنوعة على مدار التاريخ منذ عهد الفراعنة حيث كان قدماء المصريين يمرون بها في طريقهم لبلاد بونط في الصومال، كما توجد بها آثار يونانية وعثمانية، وقد ذكرها رحالة كثيرون منهم ابن بطوطة. عندما أراد بعض أمراء بني أمية الفرار من العباسيين سلكوا طريق جزيرة سواكن ومروا عليها، وفي القرن السادس عشر الميلادي غزاها العثمانيون الأتراك وهو ما يفسر وجود آثار تركية في الجزيرة.
جدير بالذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد وقع اتفاقا رسميا مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال زيارة له للسودان عام 2017 وبمقتضى هذا الإتفاق وافق السودان على تطوير تركيا لجزيرة سواكن التاريخية في السودان على شاطئ البحر الأحمر، باعتبارها موقعا متميزا للحجاج إلى المملكة السعودية ومقصدا سياحيا أيضا وأشير إلى أن الإتفاق تضمن أيضا بناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والعسكرية. وترتب على هذا الإتفاق فتح المجال لدخول الأتراك إلى السودان بدون تأشيرة وتأسيس بنك تركي سوداني وإنشاء مطار في الخرطوم إلى جانب تعزيز الإستثمارات التركية في السودان في الزراعة والصناعة وتوليد الكهرباء، ويتوازى ذلك مع ترميم الآثار العثمانية في الجزيرة. وكان البشير يسعى لزيادة الإستثمارات التركية في بلاده إلى عشرة مليارات دولار في حين بلغت الإتفاقات المبرمة بالفعل 650 مليون دولار فقط وهو ما يعني أن البشير كان يخطط لمزيد من التعاون مع تركيا باستغلال تهافت الأتراك على جزيرة سواكن.
وقد أثار هذا الإتفاق وقت إبرامه انتقادات كبيرة من بعض الدول الإفريقية التي تتخوف من زيادة النفوذ التركي في القارة السمراء ويراودها هاجس عن الرغبة التركية في استعادة مجدها العثماني القديم من خلال السعي للسيطرة على مفاصل مهمة في إفريقيا تكون لها أهمية استراتيجية تنعكس على مصالحها. وازدادت نبرة الإعتراض على هذا الإتفاق مع زيادة الحديث عن احتمالات استغلال تركيا لجزيرة سواكن في بناء قاعدة عسكرية جديدة لتكون ثالث قاعدة عسكرية تركية في مناطق عربية بعد قاعدتي قطر والصومال. وقد ازداد الشك حول النوايا التركية في سيطرتها على جزيرة “سواكن” بعدما قال أردوغان وهو يتحدث في ختام ملتقى اقتصادي سوداني تركي نهاية 2017 أنه طلب تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لإعادتها إلى أصلها القديم وأكد أن الرئيس البشير وافق، وألمح أردوغان إلى “أن هناك ملحقا لاتفاقية سواكن لن يتحدث عنه حاليا”! وهو ما يعني احتمالات تطوير التواجد التركي بالجزيرة ليتخذ طابعا عسكريا أيضا.
لذلك يرى كثير من أبناء السودان ضرورة إلغاء تلك الإتفاقية الشائكة وعودة سواكن لحضن السودان الأم معربين عن رفضهم لأي قواعد أجنبية في بلادهم.
كما تعترض بعض دول الجوار على استمرار اتفاقية سواكن وفق هذا المخطط التركي المستتر وراء ستار الإستثمار والتعاون الإقتصادي، وذلك لما يمثله التواجد التركي في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية بالبحر الأحمر من خطورة تهدد الأمن القومي لدول عربية بالمنطقة.
ويبقى التساؤل كيف سيكون مصير “جزيرة سواكن” بعد زوال عصر البشير وتكوين مجلس سيادي يتضمن مدنيين وعسكريين! لقد جرت الأوضاع في البلاد على أن تغيير الأنظمة لا يعني تنصل الدولة من مسؤولياتها واتفاقياتها المبرمة مع أطراف دولية أخرى وذلك للحفاظ على الإستقرار في العلاقات الدولية ومن ثم فإنه من الصعب أن يتراجع السودان عن اتفاقه المبرم مع تركيا وهو ما أكدته تصريحات إدريس سليمان وزير العلاقات الدولية السابق حينما قال لإحدى الصحف التركية أن الإتفاق المبرم يتضمن تأجير تركيا جزيرة سواكن من السودان لمدة 99 عاما مؤكدا على أن الوضع لن يغيره وصول أي إدارة جديدة للبلاد.
وإذا كان الأمر كذلك فإن ما يأمله المراقبون خاصة من الجيران ألا يتجاوز الإتفاق حدود التعاون الإقتصادي والإستثماري دون التطرق إلى توسيع مدى الإتفاق نحو بنود تتعلق بجوانب عسكرية تزعزع أمن واستقرار المنطقة وهو ما يعول فيه كثيرا على أبناء السودان في تنقيح الإتفاق بشكل لا يثير أي تهديدات ولا قلاقل سياسية بالمنطقة وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.