مشكلة الهجرة غير الشرعية في إفريقيا

صفاء عزب

آخر تحديث: 3/03/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- تعتبر مشكلة الهجرة غير الشرعية من أخطر الظواهر السلبية الملحوظة في العصر الحديث خاصة في الفترة الأخيرة مع انتشار الحروب والصراعات السياسية وجرائم التنظيمات الإرهابية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن هناك ما لا يقل عن 200 مليون مهاجر في العالم وأن العدد قابل للزيادة مع استمرار زيادة اتساع الفجوة في مستويات المعيشة بين دول العالم الغنية والفقيرة. وقبل عشرين عاما كان الفارق بين معدل الدخل الإفريقي والأمريكي بنسبة 22:1 إلا أن هذه النسبة قد تغيرت الآن وأصبحت 70:1 ، وهو ما يعكس مدى التردي في الأوضاع الإفريقية مقارنة بالأمريكيين على سبيل المثال.

لذلك تعد قارة إفريقيا أحد الأضلاع الرئيسية المشتركة في أركان عملية تهريب البشر وهجرتهم غير الشرعية سواء من الجنوب إلى الشمال في اتجاه أوروبا من خلال دول الشمال الإفريقي، أو من خلال دول الشرق الإفريقي عبر سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي باتجاه منطقة الجزيرة العربية والقارة الآسيوية، بحثا عن لقمة العيش وهربا من جحيم الحروب والمجاعات. ومن المؤسف أن تصبح قارة إفريقيا طاردة للسكان على الرغم من أن مساحتها تبلغ عشرة أضعاف القارة الأوروبية العجوز، ويكمن سر ذلك في الجانب الإقتصادي الذي تتفوق به أوروبا على إفريقيا. وتكشف الإحصائيات الإقتصادية عن وصول الناتج القومي الإجمالي لأوروبا إلى ما يزيد على 17 ضعفا عن نظيره في إفريقيا، وهو ما يفسر وجود أفقر دول العالم في إفريقيا بينما تحتضن القارة العجوز أغنى شعوب العالم.

وبحكم التقارب الجغرافي بين قارتي إفريقيا وأوروبا، وفي ظل الظروف السيئة للقارة السمراء، فإن القارة الأوروبية تعتبر هي الوجهة الرئيسية لغالبية المهاجرين غير الشرعيين متخذين من دول الشمال خاصة ليبيا والمغرب نقطة انطلاق نحو الشاطئ الآخر للبحر المتوسط على أمل تحقيق حلم دخول أوروبا. وللأسف الشديد كان ثمن هذا الحلم باهظا فشمل الأرواح أيضا إلى جانب المال الذي يضيعه المهاجرون على تلك الرحلات غير المضمونة. وفي تقريرها الرسمي كشفت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن هناك 139 ألف و300 مهاجر غير قانوني حاولوا دخول أوروبا، وقد فقد منهم 2275 شخصا. وأكدت المفوضية أن هناك ارتفاعا مخيفا في أعداد ضحايا الهجرة غير الشرعية عام 2018 مقارنة بالعام 2017، حيث يموت ستة من هؤلاء اللاجئين يوميا أثناء رحلات عبور البحر المتوسط إلى الشاطئ الأوروبي، كما يموت شخص بين كل 14 شخصا وصلوا لأوروبا بسبب الظروف الخطيرة التي يواجهونها في أماكن الإحتجاز. ووفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن ما يزيد علي نصف مليون مهاجر غير شرعي دخلوا القارة الأوروبية خلال السنة الماضية‏.

وتعد فرنسا وإيطاليا وأسبانيا واليونان أكثر الدول استقبالا للمهاجرين وللأفارقة بشكل خاص. حيث تضبط فرنسا ما يقرب من 15 ألف مهاجر سنويا على طول سواحلها، بينما استطاعت أسبانيا توقيف ما يقرب من 13 ألف مهاجر على مدار عشر سنوات. وتكشف التقارير الصحفية عن وجود عدة بؤر خطيرة لتهريب البشر وتهجيرهم بشكل غير قانوني في القارة الإفريقية، منها ليبيا والمغرب، وهو ما تؤكده تقارير رسمية إيطالية أفادت بأن هناك ما يقرب من مليون ونصف مهاجر من ليبيا وحدها، معظمهم من دول الشمال الافريقي إضافة إلى الصومال وإريتريا وتشاد وإثيوبيا‏. وهم يقصدون ليبيا استغلالا لحالة الفوضى الأمنية بها وسعيا للوصول لأقرب نقطة أوروبية في جزيرة مالطا أو لامبيدوزا بهدف الدخول لإيطاليا. وتعتبر النيجر من الدول الإفريقية التي يقصدها المهاجرون السوريون برا بغرض العبور نحو الصحراء الكبرى والوصول إلى ليبيا لاستكمال المشوار نحو أوروبا. أما المغرب فيقصدها الكثيرون بغرض الانطلاق منها لدخول أوروبا عبر أسبانيا، حيث كشفت تقارير صحفية عن استقبالها ما يقرب من عشرين ألف مهاجر من دول الصحراء وسط احتمالات بزيادة الأعداد رغم جهود المملكة المغربية لمواجهة هذا الأمر.

ونتيجة لمحاولات التضييق الأمني التي تمارسها السلطات في إسبانيا وإيطاليا للتصدي لهذه الظاهرة التي تمثل عبئا اقتصاديا وتهديدا أمنيا للقارة كلها، ولقطع الطريق في وجه المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا والمغرب، ظهرت بؤر أخرى للهجرة غير الشرعية في المناطق الصومالية الساحلية. فلقد تسببت الظروف السياسية والأمنية الخطيرة التي مرت بها البلاد إلى جانب المجاعة والتدهور الإقتصادي، في خروج عدد كبير من الصوماليين من بلادهم، وقدرت الأمم المتحدة أعدادهم بمليون ونصف المليون شخصا منذ عام 1991. وتتخذ ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الصومال عدة مظاهر تبدو متناقضة غريبة، ففي الوقت الذي يعاني فيه الصومال من أزمات طاحنة ومشاكل سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، يستقبل الصومال مهاجرين غير شرعيين من اليمن عبر البحر الأحمر على أمل الدخول بعد ذلك لإثيوبيا ومنها للصحراء الكبرى في اتجاه أوروبا، يأتي ذلك في الوقت الذي يسعى فيه بعض الصوماليين لعبور الحدود إلى اليمن تمهيدا لدخول المملكة العربية السعودية.

وكانت تقارير محلية قد أعلنت عن قيام الحكومة الصومالية والهيئة الوطنية لشؤون اللاجئين والنازحين بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة للعمل على إعادة وحماية الصوماليين العالقين في الخارج ممن هاجروا بشكل غير شرعي. وبحسب الهيئة الصومالية، فإن الحكومة تمكنت من إعادة صوماليين كانوا مسجونين بكل من ليبيا، وإثيوبيا، وجزيرة سيشل، والهند، وجزر القمر؛ لأسباب تتعلق بالهجرة غير الشرعية، وهي الظاهرة التي يعاني منها الصومال بسبب الحروب الأهلية ومشاكل الفقر والبطالة.

وتشير التقديرات إلى وفاة مئات الصوماليين سنويا يمثل الشباب فيهم نسبة 95%، حيث يتعرضون لكافة أنواع المخاطر في رحلة الهجرة سواء عبر صحراء ليبيا شمالا أو في خليج عدن عبر ميناء بوصاصو الساحلي. ويعد حادث غرق 500 مهاجر معظمهم من الصوماليين في البحر المتوسط عام 2016 من الحوادث المأساوية في سجل الهجرة غير الشرعية للصوماليين.

وتعتبر منطقة بونت لاند في الصومال من أكثر البؤر النشطة في الهجرة غير الشرعية، حيث أفادت تقارير المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن مناطق بونت لاند الصومالية استقبلت 6930 لاجئاً أجنبياُ، معظمهم من إثيوبيا، يليهم مهاجرون من تنزانيا، وهم يأتون للهجرة إلى اليمن عبر سواحل الصومال ومنها إلى المملكة السعودية. وفي عام 2016 اتخذت أرض الصومال خطوات للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية واعتقال مهربي البشر، حيث كشف مسؤولون أن سوء الأحوال في أرض الصومال يدفع مزيدا من الشباب لطرق أبواب مهربي البشر للهجرة سرا إلى إثيوبيا والسودان وليبيا للتوجه بعيدا خارج القارة الإفريقية بعبور الصحراء الكبرى وشق البحر المتوسط في اتجاه أوروبا. وقد خصصت الحكومة في أرض الصومال صندوقا لتشغيل الشباب، يتم تمويله بمبلغ 130 مليون دولار سيتم جمعها من خصخصة المباني الحكومية السابقة، وذلك للمساهمة في مواجهة ظاهرة الهجرة بإيجاد فرص عمل للشباب وإثنائهم عن الهجرة.

لا شك أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية من المشكلات المزمنة التي تطارد مختلف دول العالم خاصة تلك الدول التي تعد وجهة للمهاجرين أو محطة من محطات عبورهم نظرا للمخاطر الأمنية والصحية والمشاكل الإقتصادية المترتبة على توافد أولئك المهاجرين بصورة غير شرعية وبعيدا عن أعين السلطات الرسمية. من أجل ذلك تهتم المنظمات الدولية المعنية بالظاهرة بمتابعتها وتتبعها كما باتت الدول الكبرى تحرص على اتخاذ الإجراءات والتدابير الخاصة بقطع الطريق على المهاجرين إضافة إلى تقديم بعض مساعدات للدول المصدرة للمهاجرين أو الدول التي تتجمع فيها أعداد المهاجرين استعدادا للسفر الطويل نحو أوروبا. وفي هذا الإطار عرض الاتحاد الأوروبي عام 2016 على النيجر 610 ملايين يورو (635 مليون دولار)؛ للحد من محاولات الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، حيث تعد مدينة أجاديز في النيجر وجهة لكثير من الراغبين في عبور الصحراء الكبرى للوصول إلى ليبيا، ومن ثم إلى إيطاليا. كما عرض الاتحاد الأوروبي عروضا مشابهة على السنغال، وإثيوبيا، ونيجيريا، ومالي. لكن للأسف لم يكن هناك نصيب للصومال في مثل هذه العروض على الرغم من معاناته من الظاهرة كبلد طارد ومستقبل في نفس الوقت !! وهو الأمر الجدير بالإهتمام لمساعدة أبنائه على تجاوز الأزمات وتوفير حياة كريمة تصرفهم عن الإضطرار للتفكير في الهجرة بحثا عن الرزق.

على الرغم من محاولات الأوروبيين قطع الطريق على المهاجرين الأفارقة، وزيادة احتمالات المخاطر المصاحبة لرحلات الهجرة السرية، إلا أن أعداد المهاجرين لا زالت كبيرة ولا زال حلم السفر إلى أوروبا يراود الكثيرين، وهو ما دفع إزابيلا كوبر المتحدثة باسم وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي “فرونتكس” أن تقول أن إدارة تدفقات المهاجرين تشبه بدرجة كبيرة الضغط على بالون، عندما يُغلق طريقٌ تتزايد التدفقات على غيره. ويكمن الحل كما قالت، في القضاء على أسبابها الأساسية وهما الحروب والفقر.

إن الخطاب الأوروبي المعادي للمهاجرين الأفارقة لن يفيد والمعالجة الأمنية والاتفاقيات المتعددة فيما بين إفريقيا وأوروبا لمواجة الهجرة غير الشرعية لا تكفي وحدها للتصدي للظاهرة، وإنما الحل يكمن في معالجة أسبابها كما قالت إزابيلا كوبر. ولابد من فتح آفاق جديدة لتوظيف طاقات الشباب مقابل أجور مجزية تمنحهم حياة كريمة دون مواجهة خطر الموت وركوب الأمواج القاتلة، وهو دور مشترك بين الدول الطاردة والدول المستقبلة للمهاجرين، حيث يجب على الأخيرة مد يد العون وتقديم المنح والمساعدات المطلوبة لدعم مشروعات توظيف الشباب وما يرتبط من مشروعات أخرى كالإسكان والصحة وخلافه في الدول الطاردة. ولا شك أنه لا يمكن تنفيذ هذه المتطلبات في بيئة غير مستقرة ، لذلك فإن القضاء على الحروب والصراعات الداخلية يعد من أهم وسائل تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية كما أنه يكفل بيئة مناسبة للتنمية الإقتصادية ورفع مستويات المعيشة.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال