مستقبل مشرق ينتظر الصومال العائم على كنوز من النفط والغاز
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/12/2022
القاهرة: صفاء عزب
من بين البشائر التي تشهدها الساحة الصومالية حاليا والتي يجنيها الصومال من ثمار انفتاحه الإيجابي على العالم وتحسين صورته الدولية والجولات المكوكية لرئيسه منذ تولىه مقاليد الحكم في البلاد، والتي ساهمت بدورها في بث مشاعر الثقة والطمأنينة للعالم أجمع، بشائر نجاح الصومال في عقد اتفاقات هامة بشأن التنقيب عن ثرواته النفطية وتعظيم الاستفادة منها لتحقيق مكاسب للاقتصاد الصومالي تعينه في أزمته وتعود بالنفع على الشعب الصومالي عوضا عن السنوات الطويلة العجاف التي تكبد خلالها الكثير من الخسائر والأزمات.
لقد كشفت الدراسات الجيولوجية عن أن الصومال يسبح فوق كميات كبيرة من الذهب الأسود كما تشرف سواحله على مياه إقليمية غنية بالنفط وكذلك الغاز الطبيعي الذي يسيل له لعاب كبريات شركات التنقيب في العالم. وهناك تقديرات من جهات متخصصة في مجال الطاقة بوجود احتياطيات نفطية بحرية كبيرة كفيلة بأن تضع الصومال في مصاف كبار منتجي النفط في العالم وأثريائه، حيث تؤهله لاحتلال المرتبة السادسة في العالم وذلك بناء على مسح زلزالي بحري. والمثير في الأمر أن هناك احتمالات لزيادة الأرقام الخاصة بالاحتياطيات النفطية مع إضافة نتائج المسح الزلزالي البري، حيث يتوقع الخبراء تضاعف الاحتياطيات المعلنة لعشرات المليارات من البراميل خاصة مع وضع الحقول النفطية بشمال الصومال في الحسبان.
جدير بالذكر أن النتائج التي توصلت إليها شركة سبيكتروم من دراستها الزلزالية الثنائية الأبعاد في 2015 في المياه الصومالية مشجّعة وكذلك شركة تي جي إس للدراسات الطبوغرافية والسطحية حيث كشفت النقاب عن تقديرهما لحجم الموارد النفطية بـ 30 مليار برميل. ومع ذلك فقد ارتفعت التقديرات عن هذا الرقم بكثير وفقا لتصريحات صادرة عن سلطة النفط الصومالية باقتراب البلاد من دخول عصر إنتاج النفط ، مع وجود احتياطات نفطية تقديرية تزيد على 30 مليار برميل، إضافة إلى ارتفاع تقديرات احتياطات البلاد من الغاز الطبيعي إلى 200 مليار متر مكعب. ومع الوجود الفعلي لـ52 بئرا نفطية تم حفرها في ثمانينيات القرن الماضي، ذكرت تقارير أخرى تقديرات تتجاوز 100 مليار برميل، في إجمالي المناطق التي تم مسحها واستكشاف النفط فيها.
على الرغم مما يمتلكه الصومال من هذه الاحتياطيات الضخمة من الغاز والنفط، يعاني الصوماليون من الفقر والأزمات المزمنة، وفي نفس الوقت تعد دولة الصومال من الدول الإفريقية القليلة وربما الوحيدة التي لم تبدأ بعد في الاستفادة من ثرواتها النفطية، رغم معاناتها الشديدة وحاجتها القصوى لعوائد هذه الثروة.
لقد أكدت مؤسسات اقتصادية عالمية أن الصومال يمكنه التغلب على مشاكل الفقر والصحة ونقص المياه بالاستثمار في ثرواته الطبيعية من النفط والغاز.
ومن هذا المنطلق كان اهتمام الحكومة الصومالية الحالية بفتح آفاق جديدة للاستثمار في مجال النفط والغاز وإتاحة الفرصة للشركات العالمية للتعاون مع الصوماليين في استخراج كنوزهم البترولية الكامنة لسنوات طويلة وتبحث عمن يكتشفها. وفي هذا الإطار وافق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على السماح لشركة “كوست لاين إكسبلوريشن” بمواصلة خططها للتنقيب عن النفط والغاز في البلاد، حيث يتوقع أن يشهد الصومال عمليات التنقيب عن ثرواته من البترول والغاز في سبع مناطق، وذلك بناء على 7 اتفاقيات لتقاسم الإنتاج، إذ ستدفع الشركة، مكافأة توقيع قدرها 7 ملايين دولار إلى الصومال لتبدأ عملية الاستكشاف بالبلوكات النفطية الواقعة عميقا في المياه قبالة سواحل الصومال، حيث ترى “كوست لاين إكسبلوريشن” أن هناك فرصة كبيرة للتنقيب عن البترول في الصومال.
وعلى الرغم مما أثارته عمليات التنقيب من جدل واسع في فترة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، إلا أن الاتفاقيات الأخيرة جاءت وسط أجواء سياسية هادئة ومهيأة لهذه الخطوة المهمة للاقتصاد الصومالي، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس شيخ محمود بأن الحكومة الفيدرالية ستبذل قصارى جهدها لدعم مشروع التنقيب عن النفط والغاز، والرغبة الشديدة لسرعة البدء في بئر الاستكشاف الأولى.
وكان وزير البترول، عبدالرزاق عمر محمد، قد صرح بأن الاتفاقية الموقعة مع شركة “كوست لاين إكسبلوريشن” هي استكمال لاتفاق سابق، حيث أجرت الحكومة الصومالية مراجعة متعمقة لعملية المنح، التي تمت الموافقة عليها في فبراير 2022، من أجل بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلاد، وتم إجراء خمسة تعديلات على الاتفاقات الأصلية. وأوضح وزير النفط الصومالي أن المدعي العام ومحامين دوليين قد اقترحوا تعديل بعض بنود الاتفاقات وفقا للقوانين الصومالية وقال مؤكدا:”فعلنا ذلك”. وهو ما يعكس التطور الإيجابي والمناخ السياسي الهادئ الذي تسير فيه الأمور بشكل يبشر بالخير.
من جانبها أعربت شركة “كوستلاين إكسبلوريشن” عن رغبتها في حفر آبار استكشافية عدة مؤكدة على أنه في غضون سبع سنوات سيتم تحقيق تدفق لعائدات النفط على الصومال، مشيرة إلى تقديراتها بتدفق نحو مئة ألف برميل من النفط يوميا من كل حقل مكتشف.
جدير بالذكر أنه مع بدء استخراج النفط من الآبار ستحصل الحكومة الفدرالية الصومالية على رسم بقيمة 5 بالمئة، وعلى حصة توازي 50 بالمئة من الأرباح، وستفرض ضريبة دخل على التنقيب في السواحل بنسبة 30 بالمئة، كما يمكن للحكومة أن تتدخل إذا دعت الحاجة لذلك، وفقا لتصريحات الشركة المعلنة.
وعلى الرغم مما قد يبدو للبعض صعبا أن يتصور الصومال دولة نفطية كدول الخليج العربي مثلا في ظل فقره الشديد ومعاناة شعبه من الأزمات الاقتصادية والجفاف والمجاعات، إلا أن الوقائع العلمية تؤكد ذلك، بل وتكشف عن جذور عميقة للتنقيب عن النفط منذ عقود طويلة. ترجع الخطوات الأولى لعملية استكشاف البترول إلى خمسينيات القرن الماضي. كما شهدت مرحلة الثمانينيات محاولة شركات شل وإني وإكسون-موبيل للتنقيب عن البترول في المنطقة ولكنها توقفت مع باقي الشركات بسبب الحرب الأهلية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وقتها.
لذلك تأتي أهمية العمل على كفالة الاستقرار السياسي والأوضاع الأمنية لما لهما من تأثير كبير وخطير على حركة التنقيب ونشاط الشركات العالمية المتخصصة في استخراج النفط والغاز بالمنطقة حتى لا تتكرر مسألة تجمد المشروعات الاستكشافية لعقود طويلة كما حدث من قبل وأضاع على الشعب الصومالي كنوزا ثمينة كان أحوج ما يكون إليها خاصة في الفترات الصعبة التي مر ولازال يمر بها.
لقد خطت الحكومة الصومالية خطوات جيدة نحو توفير المناخ المناسب لتحفيز قطاع الاستكشافات النفطية والعمل على توسيع حجم العمل خاصة مع وجود مؤشرات إيجابية بخصوص مشاكل القرصنة التي أكدت التقارير المختلفة على تراجعها بشكل مطمئن للجميع خاصة الشركات الأجنبية. كما اتخذ الصومال خطوة مهمة في هذا الخصوص حينما قام بإنشاء الهيئة المشرّعة والمنظمة التي تشرف على نشاط النفط والغاز وفقا لقانون النفط المعدل وحرصا على تطبيق مبادئ المساواة والانفتاح والمساءلة والشفافية وعدم التمييز لصالح جميع الشعب الصومالي. ونجحت الحكومة الصومالية في التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والولايات على تقاسم إيرادات النفط. وبموجب اتفاقية إدارة ملكية البترول وتقاسم الإيرادات مع الولايات المعنية، فإنه يتم تقاسم عائدات الموارد المعدنية والطبيعية والنفط والغاز في المستقبل بين الحكومة الفيدرالية والولايات ومجتمعاتهم المحلية. ولا شك أن تحديد هذه الأمور يضمن احتواء الخلافات المستقبلية المحتملة حول عوائد النفط والغاز ويعطي كل ذي حقه بشكل يسهم في الحيلولة دون حدوث القلاقل والتوترات والحفاظ على مناخ الاستثمار الهادئ خاصة بعد تجفيف منابع الإرهاب واجتثاثه من جذوره.
هذا ويحظى النفط الصومالي باهتمام دولي كبير بفضل الجهود الحكومية في إلقاء الضوء على مقدرات الصومال من هذه الثروات الثمينة. لقد شارك الصومال في مؤتمر أسبوع النفط الإفريقي بدبي العام الماضي وقدم للعالم عرضا لمعلومات مهمة عما يمتلكه من احتياطيات نفطية مذهلة، الأمر الذي دفع شركات عالمية للتأكيد على تفاؤلها بشأن نتائج البحث والتنقيب عن البترول الصومالي بالنظر لموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر والمحيط الهندي والتأكيد على إمكانية تحول الصومال إلى مركز تجاري رئيسي بالمنطقة ووجهة جاذبة للاستثمارات خلال فترة ليست طويلة.