مستقبل العلاقات الصومالية الإريترية بعد زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ إلى أسمرة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 17/07/2022
القاهرة: صفاء عزب
“اليوم هو يوم عظيم”، عبارة رددها أهالي المجندين الصوماليين الموجودين في إريتريا، تعبيرا عن شعورهم بالسعادة الغامرة، بعد أول ظهور علني لأبنائهم وذلك أثناء لقاء الرئيس حسن شيخ محمود بهم خلال زيارته الرسمية إلى إريتريا وهي الزيارة التي أعادت الأمل لآلاف الأسر وأثلجت صدور الأباء والأمهات الذين انفطرت قلوبهم لانقطاع أخبار أبنائهم المجندين منذ فترة طويلة.
جاءت زيارة الرئيس الصومالي المنتخب حديثا حسن شيخ محمود إلى إريتريا كثالث محطة من محطات زياراته الخارجية بعد الإمارات العربية وتركيا، وأول محطة لدولة في منطقة القرن الإفريقي، تعبيرا عن حرص الصومال على الاحتفاظ بعلاقات طيبة بدول منطقة القرن الأفريقي، وتأكيدا على تبني الإدارة الصومالية الجديدة في عهد شيخ محمود لسياسات خارجية تعاونية ومنفتحة على الجيران ودول المنطقة والأصدقاء بعيدا عن خلافات الماضي وما سببته من صراعات متشابكة. كما عكست الزيارة الأهمية التي يوليها الصومال لعلاقته مع إريتريا.
لقد مرت العلاقات الصومالية الإريترية بعدة مراحل لم تخل من التوتر لبعض الفترات بدأت بمرحلة نضال الإريتريين لنيل الاستقلال عن إثيوبيا حيث دعمهم نظام سياد بري في مساعيهم إلى الإستقلال لكن الصومال غرق في الحرب الأهلية الطويلة المدى قبل حصول إريتريا على الاستقلال في عام 1993، ثم احتضنت إريتريا بعد الاجتياح الإثيوبي للصومال في آخر عام 2006 الإسلاميين الصوماليين والمعارضة السياسية الذين أسسوا في أسمرة عام 2007 تحالف إعادة تحرير الصومال ما أدى إلى توتر علاقاتها مع الحكومة الصومالية بعد اتهامها بتزويد متمردين إسلاميين بالسلاح، وهو ما نفته أسمرة زاعمة أن الاتهامات لفقتها إثيوبيا على خلفية ما بينهما من نزاع سياسي.
واستمرت حالة التوتر بين الدولتين مرورا بتعرض إريتريا لعقوبات أممية نتيجة هذه الإتهامات، حتى ظهور رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد على الساحة السياسية والذي صاحبه انفراجة في علاقة بلاده بإريتريا، الأمر الذي انعكس على علاقة الأخيرة بالصومال حيث تم الإعلان في عام 2018 عن توقيع اتفاق أدى إلى تشكيل تحالف يضم الدول الثلاث في أسمرة وإلى فتح صفحة جديدة من التقارب بين الصومال وإريتريا، الأمر الذي ساعد على تبديد غيوم الخلافات وأثار أجواء من التفاؤل بإسدال الستار على حقبة من التوترات، والتوجه للعمل على البناء والتنمية بما ينعكس بشكل إيجابي على أحوال الشعوب. وتأكيدا على ذلك، أعقب تلك الزيارة في نفس العام زيارة أخرى للرئيس الإريتري أسياس أفورقي لمقديشو وصفها السياسيون والمراقبون بالتاريخية لأنها كانت أيضا الأولى من نوعها وجاءت بعد سنوات طويلة من القطيعة مع الصومال.
خلال تلك الأثناء شهدت العلاقات الصومالية الإريترية تطورا إيجابيا ملحوظا، لكن إرسال الحكومة الصومالية آلاف الجنود إلى إريتريا سرا لتلقي التدريبات أثار أزمة داخلية في الصومال حيث أشعلت قضية الجنود الصوماليين الذين أرسلهم الرئيس السابق محمد فرماجو إلى إريتريا، الجدل وأثارت موجات من الغضب الشعبي بسبب غموض مصيرهم والتكتم على حقيقة أوضاعهم خارج بلادهم. وازدادت وتيرة التوتر مع تردد شائعات قوية عن مشاركتهم في الحرب إلى جانب القوات الإريترية ضد متمردي التيجراي وتعرض بعضهم للقتل ، وهو الأمر الذي دفع عائلاتهم للتظاهر والمطالبة بالإفصاح عن حقيقة أوضاعهم.
وجاءت قضية الجنود الصوماليين على رأس أولويات الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود وهو ما أكدته أول تصريحات رسمية للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية الصومالية عبد الكريم علي كار الذي قال فيها: “بما أنهم جنود صوماليون، فإن إعادتهم أمر حاسم لأنهم كنز وطني”. وهو الأمر الذي اتسق مع تأكيدات الإدارة الصومالية الجديدة باعتزامها إعادة آلاف الجنود الصوماليين الذين فقدوا منذ سنوات بعد نقلهم إلى إريتريا لتلقي تدريب عسكري.
أثارت هذه التصريحات الصارمة فيما يتعلق بالجنود الصوماليين مخاوف لدى بعض المراقبين من تسببها في إحداث أزمة بين إريتريا والإدارة الصومالية الجديدة خاصة مع ارتباط الأولى بعلاقة وطيدة مع الرئيس السابق فرماجو. وربط المحللون بين غياب أفورقي عن مشهد تنصيب الرئيس الصومالي وبين زيادة احتمالات هذه الأزمة وتوقع وجود خلافات تحت السطح.
لذلك كان اختيار الرئيس الصومالي لدولة إريتريا لتكون أول دولة إفريقية يقوم بزيارتها بعد توليه الحكم، مفاجئا للكثيرين لأنها لم تكن زيارة متوقعة في ظل تلك الإحتمالات بوجود خلافات وخاصة مع التشدد الصومالي في قضية المجندين، إلا أنها صارت زيارة عكست حكمة الإدارة الصومالية في التعامل مع القضايا الحساسة.
وجاء مشهد لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالمجندين الصوماليين وظهورهم على وسائل الإعلام بشكل علني للجميع لأول مرة بمثابة طمأنة لعائلاتهم والتأكيد على عودتهم القريبة لبلادهم بعد طول غياب.
ومع ذلك فإن هناك سؤالا ملحا يطرح نفسه عن توقيت رجوع هؤلاء الجنود خاصة وأنه لم يتم تحديد موعد محدد لعودتهم خلال زيارة الرئيس الصومالي لإريتريا. لقد اعترف الرئيس فرماجو بإرساله ما يقرب من خمسة آلاف جندي إلى إريتريا للتدريب وأنه قرر تأجيل عودتهم للصومال رغم انتهاء مدة تدريبهم لتجنب أي تدخل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كانت جارية آنذاك وذلك على حد قوله.
وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أية تفاصيل خاصة باتفاقات بين الطرفين الصومالي والإريتري حول هذا الموضوع وما يمثله من إرث شائك خلفته الإدارة الصومالية السابقة، إلا أن زيارة الرئيس حسن شيخ محمود لإريتريا أثمرت عن اتفاقية مهمة تتكون من سبع نقاط نشرتها وزارة الإعلام الإريترية، تسهم في تعميق الروابط وتوطيد العلاقات الثنائية والذي من شأنه أن يخلق مناخا صافيا وملائما للتوافق حول ملف أزمة الجنود الصوماليين وسرعة التعامل معه.
لقد أكدت أسمرة على تفهمها العميق لأهمية سلام وتنمية الصومال من أجل تحقيق التكامل الإقتصادي بين دول المنطقة ومن ثم فإن العمل على استباب الأمن والسلام في الصومال يعد من أهم أولويات منطقة الإفريقي ككل، وانطلاقا من ذلك وقع الرئيسان شيخ محمود وأفورقي اتفاقية شاملة تضمنت تقوية التعاون السياسي والدبلوماسي للحفاظ على المصالح المشتركة للبلدين وتعزيز العلاقات الشعبية وتوسيع التعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي إلى جانب التعاون الأمني والدفاعي للحفاظ على السلام والاستقرار.
كما ركزت الإتفاقية أيضا على مجالات التجارة والاستثمار والأمن المائي والزراعة والثروة السمكية والصحة والتعليم، إلى جانب رفع التعاون في مجال الفنون والرياضة والثقافة والتكنولوجيا والعلوم، ومجال حماية البيئة وحل المشكلات الناتجة عنها.
ولا شك أن تفعيل بنود هذه الإتفاقية بشكل عملي سوف يسهم في تطور الأوضاع المعيشية بالصومال وتحسينها كما يؤدي إلى خلق بيئة مستقرة تساعد على العمل والإنتاج وتحقيق الإزدهار لشعبي البلدين.
ومع ذلك تبقى قضية شائكة وشديدة الأهمية لما لها من تأثير خطير على مستقبل العلاقات بين الصومال وجيرانه ودول القرن الأفريقي، ويتوقف عليها توفير المناخ السياسي المناسب لتحقيق التعاون في مختلف المجالات، وهي قضية تتعلق بمستقبل التحالف الثلاثي الذي تم تدشينه عام 2018 بين الرئيس السابق فرماجو والرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وهو التحالف الذي أصبح مصيره محل علامة استفهام كبرى بعد رحيل فرماجو وتولي شيخ محمود الحكم في الصومال. لاشك أن معادلة القوى بالقرن الإفريقي وتأثرها بما يدور في العالم من حرب مستعرة تمارسها روسيا ضد أوكرانيا ، وكذلك حرص بعض القوى الكبرى على التواجد بهذه المنطقة الحيوية من العالم يلعب دورا مهما في رسم خارطة التوازنات بين دول القرن بالإضافة إلى أهمية دعمهم للقضاء على الإرهاب وتحقيق دفعة قوية لاقتصاديات البلدان المتعثرة وعلى رأسها الصومال، من شأنه أن يسهم في المساعدة على تحقيق الإستقرار خاصة في ظل وجود الرئيس حسن شيخ محمود الذي يسعى إلى التصالح مع جميع الأطراف وفتح صفحة جديدة للتعاون والتنمية.