مستقبل السلم الاجتماعي في إثيوبيا: إشكالية العنف وخيارات المصالحة المجتمعيـة

عبد الله الفاتح

آخر تحديث: 1/01/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

قراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 56

مقدمة:
في البـــــــــدء لا بد لنا من تسليط الضوء على مصطلح السلمي الاجتماعي وإعطاء الوصف التعريفي السليم لكل من المفردتين وضبط دلالاتهما وتحديد العلاقة بينهــما.
وقــــد أصبح من نافلـة القول التأكيـــــــد على أن مفهوم السلم الاجتماعي لا يختلف في جوهـــــــره عن بقية مصطلحات العلوم الإنسانيـة والاجتماعيـة بشكل خاص من حيث الغموض والاختلاف وعدم وجود تعريف جامع ومانع متفق عليه لكثيـــــر من تلك المفاهيم، وهذا ما سنعمل على توضيحـــــه في السطور التاليــــــة:
تعريف السلام:
تقصد مفردة “الســــلام” بمعناها اللغوي التسليم والصلح والاستسلام والبراءة من العيوب والسلامة من كل عيب، والسلام مأخوذة من مادة “سلم” وتعني النجاة والتخلص مما هو غير مرغوب، ويقال؛ “سلم من الأمر” والسلام هو أحد أسماء الله الحسنى( ).
فقد ورد لفظ السلام في القرآن الكريم في عــــدة مواضيع، وله عدة معان بناءً على سياق الجملة التي وضع بها، ومنها قال الله تعالى:﴿ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ..﴾( )وقوله تعال:﴿هُوَ الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّسُ الْسَّلامُ﴾( ).
أما مقصود السلام في الاصطلاح فإنه لا يخـــــرج عن معناه اللغوي المذكور أعلاه، وإن كان يشمل الترتيبات المفصلة للتصالح والاتفاق ورتق النسيج الاجتماعي، وهنا اتجاهان رئيسيان للنظر إلى مفهوم السـلام – في أبسط تعريفاته – الأول يعني غيـاب الخلاف والعنف والصراع والحرب ..” وهـــذه نظــــــرة لها جـذور في الحضارة اليونانيـة القديمة، وامتدت في التاريخ الإنساني المسيحي ويتبنى هـــــذا التعريف لمفهوم السلام الكثيـــــر من دعاة السلام،إذ يـرى كثيــــــر منهم أن السلام في المجتمعات الإنسانية تعني؛ غيـاب كل ما له علاقة بالعنف مثل الجرائم الكبرى المنظمة كالإرهـــاب أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو المناطقيـة وغيرها.
أما الاتجاه الثاني فيرى؛”أن الســــــــلام يعني الاتفاق والانسجام والهـدوء”، وهي نظرة شائعة في أوساط المفكرين والكتاب والباحثين المنشغلين بمسألة السلام، ووفقا لهـــــذا التعريف فإن مفهوم السلام – بعكس التعريف السابق – لا يعني غياب العنف بكافة أشكاله وأنواعـه، ولكنه يعني صفات إيجابية مرغوبة في ذاتها مثل الحاجة للتوصل إلى اتفاق والرغبة في تحقيق الانسجام في العلاقات بين البشــــر( ).
ونخلص مما تقدم القـــول بإن مفهــــوم السلم الاجتماعي يقصـد به وجود حالــــة الانسجـام والوئام داخـــل بيئـــــــة المجتمع، ومدى قبــــــول مكونات المجتمع الأساسية بالتعايش السلمي ومد جسور التواصل الاجتماعي بين أفرادها وشرائحها المختلفة وقواها الدينية والعرقيـة والسياسية والطبقية، وذلك كعنصــر أساسي من عناصر تقدم وتطور بناء المجتمع ونهضتــه وازدهــــاره.
هــــــذا ولا يقتصر مفهوم السلام على تعايش الفرد في محيطـــــــه الاجتماعي فحسب، وإنما يتعداه للتعايش الآمن بالنسبة للدول سواء تعايش الدولـة مع جيرانهــــــا والانسجام مع محيطها الإقليمي والدولي بشكل عام، ولكن الاختلاف يكمن في أدوات وآليات صنع ذلك القرار الآمن
وعودة للسلم الاجتماعي فإن وحدة المجتمع وتجانسه من حيث الاشتراك في اللغة والعادات والتقاليد والعرف والدين والآمال، تعتبر عوامل مهمـة لتحقيق السلام والاستقرار الاجتماعي، وبالتالي فإن الانقسام الثقافي داخل المجتمعات التقليدية غالباً ما يؤدي إلى كثير من النزاعات والحروب الأهليـة وغيرها من المشاكل التي قد تؤدي بدورها إلى فشل وانهيـار الدولة الوطنيـة وتفككها( ).
مدخــل سوسيولوجي:
تمثـــــــــل إثيوبيا ببعدها الجغرافي والطبيعي والبشري، واحدة من أكثر الدول الإفريقية تعقيــــــداً في تركيبتها العرقية والإثنيـة والدينية والسياسية،وعدم الانسجام والتوافق طوال تاريخها الحديث،نتيجة لأسباب وعوامل موضوعية عديدة تتمثل في التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي وحالات من الحرمان والظلم تعاني منها بعض شرائح المجتمع، علاوة على العامل الخارجي الذي ظل عنصراً مهماً ومؤثراً في كل تفاعلاتها البينيـة، فهـــــو المرجح لكفة المكون الذي تتاح له فرصة السيطرة والتحكم على باقي المكونات العرقيـة والإثنيـة مع الحفاظ دوماً على ملمح ثابت للوجه الديني والثقافي بطبعـه المسيحي في البلاد، وهو الأمر الذي أدى في كثير من المحطات التاريخية لسحق وضرب واستضعاف كثير من المكونات الاجتماعية لا سيما المسلمة بسبب انتمائها الديني والعرقي، دون أن تنجح تلك المجتمعات المقهورة في مقاومة الظلم ومناهضة الهيمنة المفروضة عليها من الداخل والخارج( ).
أهم التحديات والمعوقات الراهنة:
من كل تلك المقدمات والتحليل السوسيولجي أعلاه، يمكننا القول بأن ظاهرة الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي في إثيـــــــوبيا، تواجه اليوم كثيــــــرا من المشاكل والمخاطر تشكل خطراً مميتاً لمجمل المنظومة الأمنية ومستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، لا سيما في ظل وجـــود خلل استراتيجي حقيقي في كثيـــــــر من المقومات الضرورية الأساسية التي ترتكز عليها قواعد ومبادئ تحقيق السلم الاجتماعي الناجح.
ويبدو أن أهم التحديات التي تواجه حاليا رئيس الوزراء الإثيـــــوبي أبي أحمد علي، يتمثل في المشاكل والمعوقات المعقدة التي ساهمت للفترة السابقة في تعقيــــد الأزمـة السياسية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية ودفعت به إلى سدة الحكم في البلاد، وجزء منها مرتبط ببنيـة النظام السياسي، فيما يرتبط بعضها الآخر ببنية التركيبة العرقية والإثنية والدينيـــــة للدولة الإثيـــــــوبية الحـديثة التي تساعد في تأجيج النزاعات والصراعات بين مختلف المجموعات العرقية في البلاد( ).
الفرص أمام المصالحة المجتمعية:
وفي خضم تلك الظروف، أقر البرلمان الإثيــــــوبي يوم الثلاثاء الـ 25 ديسمبر 2018، قانوناً جديداً ينص على تشكيل لجنة للمصالحة الوطنيـة تتمثل مهمتها الرئيسية في إنهــاء العنف بين المجموعات العرقية وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
وبحسب ما أفادت إذاعة “فانا” الإثيوبيـة، فإن “الغرض وراء تشكيل اللجنـة المذكورة هو الحفاظ على السلام والوحدة الوطنية والتوافق والمصالح بين مكونات المجتمع الإثيوبي، وبالتالي يتعين عليهـــــا أن “تحقق في أسباب النزاعات الداخلية وانتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، مع الأخـذ الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية للضحايا والمعتدين، وستقدم مقترحاتها إلى البرلمان الإثيوبي لمعالجة الانتهاكات وتعزيز الوئام.
وجاءت تلك الخطوة بعـــــد يوم واحد من إعلان جهاز الأمن والمخابرات الإثيــــــــوبي باعتقال 15 عنصراً من أعضاء المافيـا التي تسمي نفسها “أبا توري” يشتبه في تورطهم بأعمال العنف العرقي في إقليم أوروميا، وبحسب وكالة الأنباء الإثيوبيـة (ENA) فقد تم إلقاء القبض على الجماعة المذكورة في العاصمة أديس أبابا، قبل تنفيذهم عمليات اغتيال تستهدف لمسؤولين كبار في الحكومة وشخصيات سياسية ونشطاء بارزين( )، كما أعلنت شرطة إقليم أوروميا عن اتخاذها إجراءات أمنية صارمة ضد جميع المليشيات التي تنتهك حقوق الإنسان وتزعزع أمن واستقرار المجتمع( ).
وتلك الأحداث الأمنية المتسارعة قد سلطت الضوء بشكل أكثر سطوعاً على الخطورة الأمنية التي تشكل الأعمال الانتقامية التي تشنها قوميـة الأورومو التي ينتمي إليها بحق المجموعات العرقيـة الإثيوبيـة الأخرى.
ويبــــــــــدو أن رئيس الوزراء أبي أحمــــــد، أدرك بأن مخططات “الدولة العميقة” ليست العائق الوحيـد أمام التحول والإصلاح السياسي، بل إن تلك العصابات العرقيـة باتت تشكل تهديداً حقيقياً لا يقل منها خطورة بالنسبة للاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
بيــــد أن التعامل مع هــــــذه التحديات والمشاكل، قد أصبح أكثر تعقيداً حالياً مع تدهور الوضع الأمني وانتشار أعمال العنف فضلاً عن غياب وجود سلطات حكم قوية قادرة على ضبط واحتواء العنف والانتقام وردع ومعاقبة المخلين بالسلم والتعايش الاجتماعي في البلاد.
وهــــــــــــــــذا ما نستعرضه في الجزء الثاني من هذا التقرير

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال