مخاوف على مستقبل الثورة السودانية بعد أحداث العنف الأخيرة

صفاء عزب

آخر تحديث: 16/05/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة – الطريق نحو الديمقراطية ليس دائما مفروشا بالورود ولم يكن أبدا سهلا خاصة في إفريقيا وفي المناطق التي سيطر عليها الحكم العسكري لسنوات طويلة، حيث يتطلب الأمر من الشعب أن يبذل جهدا كبيرا وأن يكون مستعدا لدفع الثمن وغالبا ما يكون ثمن الديمقراطية هذا غاليا وباهظا. وقد أثبتت فصول الربيع العربي التي هبت رياحها على المناطق العربية باختلاف سيناريوهات الهبوب والإنتشار، أن الديمقراطية غالية جدا وقد يدفع ثمنها مقدما ولا تتحقق! ويخشى على السودان أن تؤول أحواله وتنتهي ثورته إلى هذا الأمر، حيث تمر مسيرة الديمقراطية بما يشبه حالة المخاض الصعب والتي قد تحتاج إلى تدخل جراحي حرصا على حياة الأم والمولود، ولكن ما يخشاه المراقبون أن تتم التضحية بالجنين من جديد بزعم حماية الأم من الخطر!! أما الجنين فهو تلك الديمقراطية التي طالما حلم بها السودانيون لسنوات طويلة واعتصموا انتظارا لخروجها  للنور على مدار ليال طويلة وعصيبة حتى تم إسقاط رأس النظام، والأمل يغمرهم بالقدرة على صنع مستقبلهم بأيديهم وتحقيق المستحيل في الماضي والمتمثل في تحييد العسكريين وإفساح الطريق لسياسيين مدنيين يأتون وفق عملية ديمقراطية. أما الأم فهي البلد أو السودان الذي يعاني عبر السنوات من تراكم مأساوي لمساوئ الأنظمة العسكرية التي سيطرت على الحكم لفترات زمنية طويلة، وهي الأم التي اشتاقت لمولودها الذي يأخذ بيدها نحو التقدم والرخاء بعد المعاناة الطويلة، لكن هناك من يتربص بها ويحاول دفعها للخلف بافتعال أعمال عنف وتخريب لإفساد فرحة السودانيين وتخويفهم أو الإيعاز لهم بأن المدنيين لا يمكنهم أن يحكموا أنفسهم مع محاولة إثارة الفتنة بين المدنيين والعسكريين وزعزعة الثقة بينهم بما يؤدي إلى وأد المولود الجديد في مهده وقمع الثورة السودانية، وهو ما يريده أصحاب الثورة المضادة والمنتفعين من النظام القديم ومن الفساد بشكل عام. ولاشك أن هذا الوضع يفرض سؤالا ملحا عن مستقبل مسيرة الديمقراطية في السودان ومدى نجاح السودان في الحفاظ على ثورتهم وامتلاكهم لقدرتهم على اختيار رئيسهم القادم؟

لقد مر السودان بفترات طويلة من الحكم العسكري تجاوزت أضعاف الفترات التي تولاها مدنيون. وهو قديم العهد بالإنقلابات العسكرية حيث يرجع تاريخ أول انقلاب عسكري ضد حكومة ديمقراطية منتخبة في أواخر الخمسينات من القرن الماضي حيث نجح أول انقلاب عسكري في عام 1958 بقيادة ابراهيم عبود. وفي عام 1964 تمت الإطاحة بحكومة عبود من خلال ثورة شعبية عاد المدنيون على إثرها إلى الحكم بانتخابات جرت عام 1965 بإشراف حكومة انتقالية.

واستغل العسكريون حالة الإضطرابات السياسية التي وقعت نهاية ستينات القرن العشرين وقام جعفر نميري بانقلاب جديد عام 1969 وظل مسيطرا على الحكم لمدة 16 عاما وصمد في مواجهة ثلاث محاولات انقلابية فاشلة. إلا أن قبضة الرئيس العسكري عمر البشير كانت الأقوي والأثقل في تاريخ السودان حيث استمر حكمه ثلاثين عاما شهدت أحداثا ساخنة ودموية قبل أن يعزله السودانيون في ثورتهم التي بدأت إرهاصاتها الأولى في شهر ديسمبر 2018 على شكل انتفاضة خبز ثم تحولت إلى ثورة شعبية على كل الأوضاع السياسية والإقتصادية في البلاد. وعلى مدار تاريخ السودان لم يفي رئيس عسكري بوعده في تسليم السلطة في موعدها للمدنيين سوى المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي أعلن تنحية الرئيس نميري وقاد بلاده رئيسا لحكومة انتقالية بعد أن تسلم الجيش السلطة، وذلك لعام واحد فقط، حيث قام بتسليم السلطة عام 1986 لحكومة منتخبة ترأسها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة.

لذلك لا يأمن السودانيون من قبضة العسكريين ويشعرون بقلق دائم وتوجس من عدم وضوح موقف المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد حاليا. ساهم في إثارة هذا التوجس والحساسية الشديدة من العسكرين ما شهدته الفترة الأخيرة من أحداث ساخنة ودموية، استهدفت العُزل في ميادين الإعتصام وتسببت في موت وإصابة ضحايا لا ذنب لهم سوى دفاعهم عن حلم الحرية والتغيير نحو الديمقراطية. ولاشك أن هذه الأحداث أدت إلى زعزعة الثقة بين المعتصمين السودانيين وقادة المجلس العسكري خاصة بعد أن أكد وجود فئة مندسة بين السودانيين كانت وراء أحداث العنف الأخيرة، دون الإفصاح عن ماهية هذه الفئة مما آثار الشكوك، خاصة بعد ما تردد عن الدور الخفي الذي  تلعبه ما يعرف ب” قوات الدعم السريع” واحتمالات ضلوعها في أحداث العنف الأخيرة.

وقد شهدت الساعات الأخيرة قبل كتابة هذه السطور تطورات سريعة ومتلاحقة في المواقف وردود الأفعال بين طرفي التفاوض في السودان. في البداية كانت الأمور تسير بشكل مطمئن للمعتصمين عندما أعلن السودان عن نجاح اتفاق المجلس العسكري  وتحالف قوى الحرية والتغيير المعارض، على ترتيبات هيكل السلطة الانتقالية في البلاد، وتم تحديد المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات، وتشكيل ثلاثة هياكل أساسية للحكم، هي: المجلس السيادي ومجلس الوزراء، إضافة إلى المجلس التشريعي. والإتفاق على أن يتم تشكيل المجلس السيادي بالتوافق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، على أن يتم ترشيح أعضاء مجلس الوزراء بالكامل من قوى “الحرية والتغيير”. الذي يشكل نسبة 67 في المئة من المجلس التشريعي. وتم التأكيد على أن الوصول للإتفاق النهائي عن تفاصيل المرحلة الإنتقالية سيكون خلال ساعات. ولكن الأحداث المتسارعة وتبادل الإتهامات بين القوى الثورية والمجلس العسكري حول أحداث العنف الأخيرة بالسودان، أدت إلى حالة من الإحتقان وزعزعة الثقة المتبادلة وتعكير صفو أجواء الحوار السياسي التي كانت سائدة في الفترة الماضية.

لقد أبدى عباس مدني القيادي في “الحرية والتغيير” تخوفا من قوى الثورة المضادة، وفي بيان لها أكد “الحرية والتغيير  أنها ستواصل الاحتشاد بساحات الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، وطالب قادة المجلس العسكري بالسودان عن الإفصاح عمن وصفهم بـ”جهات مندسة” ممن نفذوا الإعتداءات الدموية على المعتصمين في تلميح بشبهة الإتهام لقوات الدعم السريع. وفي المقابل نفى المجلس العسكري في بيان رسمي ارتكاب قوات الدعم السريع “أي مخالفة بحق المحتجين”. ونتيجة لذلك قام المتظاهرون بالعودة لميادين الإعتصام حول وزارة الدفاع السودانية وأغلقوا الطرق والجسور بالطوب والحجارة. لتشديد الضغط على المجلس العسكري ليسلم السلطة سريعا. ومع استمرار العنف في ميادين الإعتصام على أيدي أطراف “غير معلومة” قرر المجلس العسكري الانتقالي في السودان، تعليق الجلسة النهائية لحواره مع قوى الحرية والتغيير بشأن الفترة الانتقالية وتسليم السلطة، لحين قيام المعتصمين بفتح الطرق المغلقة في أجزاء من الخرطوم .

وفي تطور آخر وسريع صرح رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان أن الثورة فقدت سلميتها، وأعلن قرارات جديدة من بينها إزالة المتاريس وفتح الطرق مع التحذير للإعلام من توجيه أية تهم لقوات الدعم السريع وطالب الثوريين بعدم القيام بـ”استفزازات” ضد الجيش السوداني.

في ظل هذه التطورات تزداد المخاوف على أحلام السودانيين وثورتهم وعلى مستقبل الديمقراطية في السودان، ومع حالة الزخم السياسي والمناخ الثوري الساخن في مواجهة قوة الجيش العسكرية المنظمة والمسلحة يرتفع سطح المخاوف على السودان نفسه وأهله من الوصول لتلك اللحظة التي تشتعل فيها الأحداث ويتفجر الغضب الشعبي بشكل غير واعي مصطدما مع الجيش وهو أمر نتمنى ألا يحدث أبدا وسننتظر ما ستسفر عنه الساعات القادمة الحاسمة.

 

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال