“مجموعة شرق إفريقيا” بين طموح الفيدرالية وإحباط التحديات

صفاء عزب

آخر تحديث: 12/01/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- تشهد القارة الإفريقية تطورات سياسية واقتصادية كبيرة اقترنت بظاهرة إيجابية تمثلت في إقامة تجمعات متعددة في شتى الأنحاء، تهدف في الأساس إلى تعظيم التعاون بين دول القارة السمراء، ودعم التوجه نحو التكامل. ومن بين هذه التجمعات مجموعة شرق إفريقيا ” EAC” والتي يحتفل الأفارقة هذا العام 2019 بمرور 20 عاما على ذكرى توقيع معاهدة إعادة تأسيسها عام 1999، وذلك قبل دخولها إلى مرحلة التنفيذ الكامل في يوليو عام 2000.

لقد بدأت الإرهاصات الأولى لأول تكتل إفريقي في منطقة شرق القارة عام 1967 عندما قامت ثلاث دول في شرق إفريقيا، وهي تنزانيا، كينيا وأوغندا، بتأسيس تكتل يهدف إلى إنشاء كيان سياسي جديد باندماج الدول الثلاث مستقبلا وفق نظام فيدرالي. لكن هذا الحلم لم يكتب له النجاح بسبب حل التكتل نتيجة اشتعال النزاعات والحروب الإقليمية في تلك المنطقة وأخطرها كانت الحرب التنزانية – الأوغندية عامي 1978- 1979، وساهم ذلك في تدهور التكتل وتدني مستوى الخدمات الأساسية والطرق والمواصلات المشتركة بين هذه الدول.

تحت مسمى مجموعة شرق إفريقيا “East African Community”، تم تجديد التكتل من خلال معاهدة لإنشاء اتحاد اقتصادي وسياسي بين نفس الدول الثلاثة، وذلك خلال قمة أروشا التنزانية في نوفمبر 1999. وكان السابع من يوليو من عام 2000 هو الموعد الرسمي للدخول إلى حيز تنفيذ الإتفاقية من قبل أعضائها الثلاثة بعد تصديقهم عليها.

اتخذت دول شرق إفريقيا مجموعة من الأهداف التي أنشئت من أجل تحقيقها، أولها: تعزيز التعاون على أساس العلاقات التاريخية والتفاهم المشترك بين الدول الأعضاء، وثانيها الـتأكيد على أن قطاعات النقل والاتصالات والتجارة والصناعة والهجرة والأمن وتشجيع الاستثمارات في المنطقة هي من أولويات التعاون بين دول المجموعة. كما كان إقامة سوق مشتركة وتيسير إجراءات السفر والتعريفات الجمركية من بين أهداف هذا التجمع، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات الفعالة لتحقيق التكامل والوصول لتطبيق نظام العملة الموحدة.

وفي عام 2006 انضمت كل من بوروندي ورواندا للتكتل الإفريقي الشرقي. وبعد انفصالها عن السودان، انضمت جنوب السودان عام 2016 إلى مجموعة شرق إفريقيا لتصبح صاحبة العضوية السادسة بالتكتل.

على مدار تلك الفترة اتخذ التكتل طابعا اقتصاديا حيث تغلبت الأنشطة التجارية على اجتماعات دول المجموعة. وشهد عام 2008 توسعا وزيادة في سوق التجارة الحرة بين المؤسسين الثلاثة لتكتل شرق إفريقيا بإطلاقهم سوق مشتركة للبضائع ورؤوس الأموال. وفي نفس العام دخلت مجموعة EAC في مفاوضات مع مجموعة تنمية أفريقيا الجنوبية والكوميسا، توصلت بموجبها لإتفاق لتوسيع سوق التجارة الحرة بين بلدان المنظمات الثلاثة.

كما نجح تجمع شرق إفريقيا في ترويج أنشطته التجارية في الأسواق التقليدية بأوروبا وأمريكا الشمالية، وكذلك في الأسواق الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية. ونجح أيضا في استضافة “المنتدى الاقتصادي العالمي لإفريقيا” عام 2010، الأمر الذي ساهم في رفع سقف الطموح بجعل المنطقة محورًا رئيسيًّا للتجارة والسياحة والاستثمار العالمي.

وفي عام 2013 شهد ال” EAC” تطورا كبيرا بتوقيع أعضائه الخمس كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي – آنذاك قبل انضمام جنوب السودان- على بروتوكول تطبيق نظام العملة الموحدة خلال عشر سنوات. كما نجحت الدول الخمس في نفس العام في إقرار تأشيرة سياحية موحدة بهدف إنعاش سوق السياحة باعتبارها واحدة من القطاعات الاقتصادية المهمة لدول المنطقة لتمتعها بمقومات سياحية جيدة لعشاق السفاري ورحلات الصيد.

وفي عام 2014 وقَّع التجمع أيضًا ككتلة إقليمية موحَّدة اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي يتعلق بالإستثمار، أعقبه اتفاق مماثل مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2015 .ونجحت مجموعة شرق إفريقيا في رفع حجم اقتصادها من 20 مليار دولار عام 1999 إلى 110 مليار دولار عام 2014.

وعلى الرغم من قرب اكتمال العام العشرين لاتفاق إعادة تأسيس مجموعة شرق إفريقيا، إلا أنه لم يتحقق التكامل المنشود ولم يكتمل تحقيق الأهداف العميقة لتأسيس هذه المجموعة. ولا زالت عوامل الفرقة والإنقسام تتغلب على عناصر الوحدة والإتفاق، وذلك بسبب الخلافات السياسية الثنائية بين بعض دول المجموعة، والتي نتجت وتسببت في نفس الوقت في إحداث شرخ في جدار الثقة المتبادلة بين دول المجموعة والتخوف من فتح الأبواب بشكل كامل أمام بعضها البعض خشية التعرض لأية مشكلات أو تحمل مزيد من أعباء الدول الأخرى. وقد بدا هذا الخلاف واضحا فيما يتعلق بالتوقيع على اتفاقية الشراكة الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي، حيث وقعت كينيا ورواندا معا بشكل منفرد على الاتفاقية نهاية عام 2018 ، بينما امتنعت باقي دول المجموعة عن التوقيع بشكل يؤكد وجود انقسام حاد بين الأعضاء. حيث كانت كينيا قد وجهت اتهاما لكل من تنزانيا وأوغندا بعدم الإخلاص لرفضهما التوقيع على الاتفاقية، ورد الرئيس التنزاني جون ماجوفولى بأن الإتفاقية شكل من أشكال الإستعماروأنها لن تفيد الدول الإفريقية.بينما رأى الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى أن هذه الاتفاقية قد تتسبب فى تفتيت وحدة الدول الإفريقية، وفضل تأجيل التوقيع عليها حتى يتم إجراء المزيد من المشاورات بشأنها، وهو ما دفع مسؤولا كبيرا بالاتحاد الأوروبي لحث مجموعة شرق أفريقيا على التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية حتى يتم بموجبها فتح الأسواق الأوروبية أمام الدول الأعضاء بمجموعة شرق أفريقيا.

لاشك أن هذا التباين في الرؤى تجاه مسألة التوقيع على اتفاقية الشراكة الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي، يعكس ثغرات خطيرة في جسد ال ” EAC” ويكشف عن تحديات مثيرة للقلق على مستقبله ومدى قدرته على تحقيق أهدافه التي قام من أجلها.
وتتنوع هذه التحديات ما بين سياسية واقتصادية وأمنية، فعلى المستوى الأمني يلعب عدم الاستقرار الأمني وافتقاد عوامل الأمن والأمان دورا سلبيا يعطل مسيرة التعاون خاصة مع وجود تباين أمني بين دول المجموعة في ظل أجواء سياسية متباينة وغير مستقرة أيضا، خاصة في حالات جماعات التمرد المسلح والتي قد تكون مدعومة من دول أخرى مجاورة. وهو ما يرتبط أيضا بالتحديات السياسية والتي تتمثل في وجود خلافات سياسية بين الدول وتعكر على أجواء العلاقات الثنائية.

ويأتي الخلاف بين الجارتين رواندا وبورندي من أخطر أنواع التحديات السياسية التي تعرقل عمل مجموعة شرق إفريقيا اللتين تنتميان إليها، خاصة عندما يتطور الخلاف إلى مستوى دعم الجماعات المعارضة في البلدان المجاورة بما يهدد الأمن الإقليمي. ويبدو ذلك واضحا في تبادل الاتهامات بدعم المعارضة بين كل من رواندا وبوروندي. ووفقا لتقريرها الأخير الصادر في 18 ديسمبر 2018، كشفت مجموعة الأمم المتحدة المعنية بالكونغو عن أدلة تفيد بأن حزب الحركة الوطنية للمعارضة يؤيد أيضا المقاومة المسلحة ضد رواندا، الممول والمنظم من بوروندي.

وفي خطابه بمناسبة العام الجديد اتهم الرئيس الرواندي كاجامي الدول المجاورة بدعم تمرد ضد رواندا. في تلميح لاتهام الجارة بوروندي وهو ما اعتبره البعض تصريحا مثيرا لمزيد من التوتر والشقاق. كما تبادلت رواندا وأوغندا الاتهامات بتغذية عناصر مزعزعة للاستقرار. وتردد أن أوغندا تسعى لإخراج بوروندي من المجموعة بسبب عدم سداد رسوم العضوية!

وبرز الخلاف في المواقف الدولية تجاه بعض الإجراءات المتعلقة بدعم العلاقات بين دول مجموعة شرق إفريقيا كإصدار جواز سفر إلكتروني موحد لشرق إفريقيا، حيث طعن دستوريون أوغنديون في شرعية هذا الجواز ما أدى إلى تعطيل العمل به. وكذلك عند إصدار تأشيرة سياحية شرق أفريقية ضمن مخطط تم إطلاقه في عام 2014 ، والذي يسمح لحاملها بالتنقل بحرية عدة مرات لمدة 90 يومًا دون أي تكلفة إضافية، حيث خرجت تنزانيا عن الصف ورفضت تطبيق تلك التأشيرة السياحية، ما أدى إلى استفزاز الأعضاء الآخرين.

وتأكد اتساع دائرة الخلاف والانقسامات السياسية بين دول شرق إفريقيا في الفترة الأخيرة، مع تكرار تأجيل اجتماع رؤساء الدول الست الأعضاء لتتأخر القمة العشرون مرتين في 30 نوفمبر و27 ديسمبر عام 2018، ولازال الموعد البديل غير مؤكد. وعلى الرغم من ظهور تكهنات بعقد القمة العشرين لمجموعة شرق إفريقيا في فبراير أو مارس 2019، إلا أن كريستوف بازيفامو، نائب الأمين العام، صرح أن موعد ومكان القمة غير محددين والتأجيل لأجل غير مسمى!

وبحكم الارتباط الوثيق بين السياسة والإقتصاد، فإن لهذه الخلافات السياسية تأثيرها السلبي على التعاون الإقتصادي، بالإضافة إلى وجود تحديات اقتصادية تسهم في تعطيل تحقيق أهداف هذا التجمع. وعلى سبيل المثال فإن هناك فجوة اقتصادية بين دول التجمع الست حيث يشهد بعضها نموا ولو بسيطا مثل كينيا ورواندا وأوغندا، بينما هناك دول أخرى مثل جنوب السودان تعاني من تدني الأداء الإقتصادي لنظامها، وهو ما يتسبب في خشية المجموعة الأولى من تفعيل فتح الحدود وحرية الحركة والتجارة وانتقال السلع والعمالة ورؤوس الأموال، لئلا تفاجأ بنزوح عدد كبير من الفقراء والباحثين عن عمل إليها بما يمثل عبئا ثقيلا على اقتصاداتها الناشئة حديثا. وقد تسببت تحديات اقتصادية في إثارة خلافات بين دول أعضاء بالمجموعة منها الاحتكاك التجاري بين كينيا وتنزانيا، والذي يرتقي لمستوى الحرب التجارية بينهما في بعض الأحيان. ومؤخرا قامت تنزانيا بحظر الطيور الكينية الحية والجزر الكيني، وردت كينيا بحظر استيراد القمح التنزاني، وهو أمر يتناقض مع روح بروتوكول السوق المشتركة. ولا شك أن مثل هذه الحروب تطعن في ملف التكامل الإقتصادي المنشود تحقيقه من وراء هذا التجمع.

واقع الأمر أن النظر إلى حال مجموعة شرق إفريقيا في ظل هذه التحديات الخطيرة يثير القلق على المستقبل خوفا من تكرار السابقة الأولى في حل هذا التجمع في القرن الماضي. ولكن يبقى الأمل موجودا ومدعما ببعض الأدوات المتمثلة في إعطاء فرصة للخبراء الإقتصاديين والمتخصصين للعمل على تحقيق الأهداف وعدم الإقتصار على الزعماء السياسيين، حتى يكون هناك مجال لبحث القضايا ومواجهة التحديات بشكل موضوعي بعيدا عن الخلافات السياسية. كما أن احتمالات تغير النخب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي في بلادها خلال الفترة المقبلة وظهور قيادات إصلاحية ذات آفاق رحبة قد يسهم في دفع عجلة التكامل وتجاوزها لعناصر المقاومة التي تواجهها في الفترة الحالية. ويرتبط ذلك أيضا بدور مهم للدول الكبرى في دعم الاقتصادات المتعثرة بما يمكنها من رفع مستواها لتحقيق تقارب المستويات بين الأعضاء لتفعيل السوق المشتركة والعملة الموحدة، سيما ما يتعلق بتوفر البنى التحتية ووسائل المواصلات والاتصالات لتيسير حركة الانتقالات للأشخاص والبضائع. وفيما يتعلق بالمشاكل الأمنية وما يرتبط بها من زعزعة للإستقرار وهي مسألة تتطلب دعما قويا من المفوضية الإفريقية والمنظمات الأممية للوقوف بشكل جماعي وضاغط على الدول الداعمة للمتمردين المسلحين ضد دول أخرى، إضافة إلى ضرورة كفالة التنسيق الأمني بين هذه الدول.

وإلى جانب ذلك كله، فإن الصمود في مواجهة التحديات يبقى مرهونا بالعنصر الأهم وهو ارادة الدول الأعضاء أنفسهم في استمرار هذا الكيان الذي يجمعهم والحفاظ عليه.

وهنا يثارتساؤل ملح: هل يثمر اجتماع القمة العشرين المرتقب، والمؤجل لأجل غير مسمى عن قرارات مصيرية إيجابية لمجموعة شرق إفريقيا؟!

هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة!

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال