ما الذي يحدث في إثيوبيا؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 12/07/2019
القاهرة- تمر إثيوبيا بمنعطف خطير بسبب ما تشهده من أحداث عنف تعصف بالبلاد من وقت لآخر، وتشتعل معها نيران الفتنة والإنقسام مع استمرار تغذيتها بالخلافات العرقية، وهو ما بدا واضحا في محاولة الإنقلاب الأخيرة التي وقعت في أهم الأقاليم الإثيوبية وهو إقليم أمهرا والتي راح ضحيتها العديد من المسؤولين والضحايا الأبرياء، إلى جانب ما شهدته العاصمة أديس أبابا من أحداث عنف مؤسفة تزامنت مع محاولة الإنقلاب.
يأتي ذلك في الوقت الذي يقوم فيه رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد بالعديد من الإصلاحات ويبذل جهودا كبيرة للنهوض بالبلاد ومحاربة الفساد واتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات المهمة لبث مناخ الثقة والأمان بين الدولة والشعب من خلال المصالحات التي أجراها مع المعارضين السياسيين سواء الذين عادوا من الخارج أو المسجونين الذين أفرج عنهم بهدف بدء عهد جديد يقوم على العدل والسلام. ولم يقتصر هذا النهج على الصعيد الداخلي، بل قام أبي أحمد بمد يد التعاون وطي صفحات الخلاف والصراع مع الجيران وهو ما تمثل في عقد اتفاق المصالحة التاريخي مع إريتريا، إضافة إلى سياسته الخارجية التي تعتمد على الإنفتاح على العالم وتحسين علاقات بلاده مع مختلف الدول وتوسيع آفاق التعاون لخلق مزيد من الفرص التي ترتقي بالإقتصاد الإثيوبي وتحقق ازدهار الحالة الإقتصادية وتحسين مستوى المعيشة للشعب.
في الوقت الذي يقوم فيه رئيس الوزراء الإثيوبي ببذل هذه الجهود كانت هناك تدابيرعكسية من خصومه ومعارضيه لتعكير صفو وأمن البلاد وكأنهم يريدون هدم المعبد على رأسه للتخلص منه. ففي تلك الليلة الحزينة من شهر يونيو الماضي وقعت أحداث مؤسفة في إقليم أمهرا ثاني أكبر منطقة إثيوبية من حيث عدد السكان، عندما قامت مجموعة مسلحة باقتحام مكتب «أمباتشو مكونن»، رئيس ولاية أمهرة، بينما اقتحمت مجموعة أخرى مكتب مستشاره «إزيز واسساي» وأعلنت الجهات الرسمية عن مقتل الجنرال المتقاعد «جيزاي ابيرا»، هو ورئيس الأركان الإثيوبي «سيري ميكونين» أثناء تواجدهما في منزل الأخير في أديس أبابا على يد حارسه الشخصي، وهي عملية جاءت بعيدة عن مكان الإنقلاب إلا أنها تزامنت معه وهو ما فسره مسؤولون بأنها ترتبط بالأحداث نظرا لأن الضابطين المقتولين كانا يخططان للرد الفوري على محاولة الإنقلاب الفاشلة. لم يكن رئيس أمهرا ومستشاره الضحيتين الوحيدين للحادث حيث بلغ عدد القتلى خمسة أشخاص منهم أيضا النائب مقبارو، كما ساهمت أحداث العنف التي شهدتها مدينة بحر دار عاصمة أمهرا وكذلك الأحداث التي وقعت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في وقوع عدد من القتلى والجرحى ما جعل الإثيوبيون يعلنون الحداد وينكسون الأعلام حزنا على الضحايا. وقد وصف مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي ما حدث بأنه محاولة انقلاب فاشلة وكشف عن أن مدبرها هو رئيس جهاز الأمن الإثيوبي في أمهرة بهدف التخلص من الحاكم المحلي للولاية. والملفت للنظر هو الظهور الأول لرئيس الوزراء الإثيوبي منذ توليه الحكم بالزي العسكري وهو يلقي كلمة مقتضبة للتليفزيون الإثيوبي حول أحداث أمهرا بشكل يعكس الجدية والحزم في مواجهة أمر خطير تمر به البلاد.
وليست هذه هي المحاولة الأولى للإنقلاب خلال حكم أبي أحمد، فعلى الرغم من مرور عام واحد وشهور قليلة على توليه منصب رئيس الوزراء، إلا أن تلك الفترة القصيرة شهدت وقوع ثلاثة أحداث عنف ذات صبغة انقلابية تهدد أمن البلاد. ومن المصادفات الغريبة وربما المدبرة أن كان أول انقلاب على أبي أحمد في الثالث والعشرين من يونيو 2018 عندما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة بعد شهرين فقط من توليه المسؤولية بسبب قراراته الإصلاحية في البلاد، وهو تقريبا نفس التاريخ الذي شهد أحداث أمهرا الأخيرة والتي وقعت مساء 22 يونيو 2019. وفي العاشر من شهر أكتوبر من عام 2018 أي بعد أربعة أشهر من المحاولة الأولى قامت مجموعة من أفراد القوات الخاصة بالجيش الإثيوبي باقتحام مقر رئاسة الوزراء في محاولة وصفها حينها آبي أحمد بأنها كانت تهدف لتصفيته، وإجهاض التغيير الذي تشهده البلاد.
لا شك أن تكرار هذه المحاولات خلال تلك الفترة الزمنية المحدودة من حكم الدكتور أبي أحمد تنذر بمؤشرات خطيرة على وجود مقاومة كبيرة لجهود الإصلاح وقفز على الشرعية الديمقراطية التي جاء أحمد للحكم من خلالها وهو ما يعني أن النيل من هذه الشرعية يسبب تراجع البلاد لأجواء غير ديموقراطية عانى الشعب كثيرا من مرارتها. ويزيد من خطورة الأمر أن تأتي هذه المحاولات الإنقلابية مدفوعة بخلفيات عرقية تغذيها الخلافات الإثنية التي يمكن أن تشعل الفتن في أنحاء البلاد، ودليل ذلك أن بيان حزب أمهرة الديمقراطي أعلن في بيانه أن العقل المدبر للإنقلاب الأخير ليس رئيس جهاز الأمن الذي بدا على رأس المقتحمين وإنما أسامنيو تسيجي القائد العسكري السابق في الجيش الإثيوبي والمتهم بتجنيد ميليشيات عرقية تكدر أمن البلاد وكان ذلك محور اجتماع رئيس ولاية أمهرا مع بعض المسؤولين لمواجهة أسامنيو ولكنه باغتهم بهجومه عليهم خلال المحاولة الإنقلابية الفاشلة قبل تصفيته في اشتباك مع قوات الأمن، خلال محاولته الهروب بمنطقة “زينزلاما” على بعد 10 كلم من مدينة بحر دار. ولا شك أن الأحداث التي شهدتها أمهرا مؤخرا تعكس حالة من الصراع العرقي الكامن والمحموم بين مختلف طوائف الشعب الإثيوبي والإحساس بالظلم والإضطهاد وهو ما يفرض مهمة صعبة وثقيلة على رئيس الوزراء الإثيوبي الذي ينتمي لأكبر القوميات الإثيوبية وهي الأورومو والتي عانت كثيرا من الإضطهاد في الماضي، ويلقي بأعباء جسام في الحفاظ على التوازن بين الإجراءات الإصلاحية الديمقراطية وبث روح الطمأنينة واستعادة الثقة بين الشعب بمختلف أعراقه وبين الحكومة، والحفاظ على وحدة الدولة وهيبتها والضرب بيد من حديد ضد أي محاولة تسعى للنيل من أمن البلاد. لقد قطع أبي أحمد شوطا جيدا خلال الفترة التي مرت منذ توليه رئاسة الوزراء وحقق إنجازات لابأس بها بالمقارنة بما تمر به البلاد من أحداث عاصفة. وقد أثبت جدارته خلال المحاولات الثلاثة للإنقلاب عليه في قدرته على المواجهة والحسم، لكن ليس في كل مرة تأتي الرياح بما تشتهي السفن، سيما وأن أحمد تسلم البلاد في أعقاب حالة من عدم الإستقرار والإنشقاقات المتتابعة في الجبهة الديموقراطية الثورية للشعب الإثيوبي وما صاحبها من تظاهرات مناهضة للحكومة دفعت رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين إلى الإستقالة. ونجح أحمد في إدارة شؤون البلاد وتبني إجراءات إصلاحية ومواجهة صارمة لكل قوى الفساد سيما في المؤسسة العسكرية، إلا أن هذا الأمر يجب أن يؤخذ في الحسبان ويستلزم الحذر لأن هذه الإجراءات خلفت عددا من الخصوم والأعداء الذين يصبون جام غضبهم على أحمد ويستغلون الإنقسامات العرقية في افتعال الأزمات واشتعال الصراعات لتحقيق أهدافهم الخاصة وإسقاطه. لذلك لابد أن تكون القيادة الإثيوبية شديدة الحرص والحذر في تعاملها مع تلك القيادات وعدم تركها تعبث بأمن البلاد مع ضرورة قيام أبي أحمد بزيادة الجهود الخاصة بكفالة العدالة والمساواة في الحقوق والتوازن في المناصب بين الفئات العرقية المختلفة لسد الثغرات التي يمكن أن يستغلها الخصوم في تكرار مثل هذه المحاولات.