ماذا بعد سقوط البشير؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 13/04/2019
القاهرة: صفاء عزب
بين ليلة وضحاها تغيرت الأحوال وتبدل المشهد السياسي في السودان باختفاء رأس النظام بعد أن تم عزل الرئيس عمر البشير وإعلان وزير الدفاع السوداني اقتلاع نظامه ورأسه والتحفظ عليه في مكان آمن وذلك من خلال البيان الرسمي الذي تمت إذاعته استجابة لمطالب الشعب وضغوط الجماهير المحتشدة في مختلف ميادين السودان خلف شعار “تسقط”. وهو ما تواكب مع إعلان وزير الدفاع السوداني حل مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان والبدء في مرحلة انتقالية لمدة عامين، مع قيام الجيش بمداهمة المقر الرئيسي للحركة الإسلامية المقربة من الرئيس المعزول البشير وحزبه الحاكم. وقد جاء هذا التطور ثمرة حراك ثوري ضخم احتضنه الشارع السوداني على مدى شهور ساخنة منذ اندلاع المظاهرات في شهر ديسمبر من العام الماضي.
لقد بدأت الأحداث بانتفاضة خبز وتحولت إلى ثورة حرية وعدالة، ورغم المواجهات العنيفة من قبل نظام البشير ضد المتظاهرين وما تسبب فيه من سقوط عدد من القتلى، إلا أن الشعب السوداني صمم على استمرار مسيرة الثورة ورفض وأدها في مهدها وزحف بكل شجاعة إلى الأماكن الحيوية واعتصم أمام مقر قيادة الجيش معلنا مطالبه تحت شعار “تسقط”.
وسقط البشير ليلحق بمن سبقوه من القادة العرب المخلوعين والمعزولين فيما سمي بثورات الربيع العربي. ومعلوم أن البشير مطالب من محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت سابقا مذكرة لاعتقاله جراء اتهامات تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم قتل ضد شعبه، لكن ما سيؤول إليه مصيره ستجيب عنه الأيام القادمة.
ولكن هل تنتهي ثورة الشارع السوداني وتهدأ الميادين المشتعلة باختفاء البشير من المشهد فقط؟ يبدو أن الإجابة الأقرب ستكون بالنفي خاصة في ظل استمرار حالة الاستنفار والغضب الشعبي والنداءات المتكررة من قوى الشعب الثائرة لاستمرار الاحتشاد أمام مقر القيادة العسكرية غير عابئين بقرار حظر التجوال الذي فرضته القيادة العسكرية التي تتولى إدارة البلاد بعد إعلان عزل البشير وسقوط نظامه. فعلى الرغم من سقوط البشير يرى البعض أن نظامه لازال مستمرا من خلال استمرار وزير دفاعه الذي أعلن بعد تنازله عن رئاسة المجلس العسكري، وتسليمها للفريق أول عبدالفتاح البرهان. كما يعترض الثائرون على سيطرة مجلس عسكري على الحكم بعد مطالبتهم بإسقاط البشير وكأنهم استبدلوا عسكريا واحدا بمجموعة من العسكريين الأمر الذي يبدو أشبه بانقلاب عسكري بدأ بثورة شعب وانتهى بسيطرة الجيش. وفي أول جمعة اعتصام بعد إسقاط البشير دعت قوى “إعلان الحرية والتغيير” جميع السودانيين للتجمع بساحة الاعتصام أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، وقد تدفق المحتجون إلى الساحة تعبيرا عن رفضهم لبيان المجلس العسكري الانتقالي ومطالبتهم بتسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية.
لاشك أن الوضع في السودان لازال خطيرا وحساسا سيما مع زيادة احتمالات الصدام بين المدنيين العزل المعتصمين في الميادين وبين العسكريين الذين أعلنوا سيطرتهم على البلاد بعد عزلهم للبشير.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث على مدى الفترة الزمنية المقبلة ، خاصة في ظل ترقب العالم لما ستسفر عنه الأحداث من قرارات وإجراءات ، وفي ظل تشابك الأحداث في الشأن السوداني الداخلي ما بين أوضاع اقتصادية متردية وأحوال اجتماعية صعبة ومشكلات مع بعض دول الجوار، وتدهور في الحالة الأمنية. ولو تطورت الأحداث نحو مزيد من العنف والدموية سيؤدي ذلك إلى مزيد من الكوارث الصحية والإنسانية ويزيد من استحكام أزمة اللاجئين الذين دفعهم نظام البشير للهرب من بطشه لخارج البلاد، بما يسهم في زيادة الأعباء على دول الجوار التي يجب أن تكون على أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات الواردة والحفاظ على الأمن.