مؤشرات إيجابية على تطور العلاقة الصومالية المصرية ومزيد من التعاون المستقبلي في كافة المجالات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 22/11/2022
القاهرة: صفاء عزب
بشائر كبير أسفرت عنها اللقاءات المتعددة التي جمعت بين كبار المسؤولين بمصر والصومال على أعلى المستويات في الفترة الأخيرة حيث أسفرت عن اتفاقيات متنوعة للتعاون في مختلف المجالات المشتركة بشكل يعكس تطورا مهما في العلاقات الثنائية بما يمثل إنجازا مهما للشعب الصومالي يفتح له الآفاق نحو فرص أفضل، كما يعني أيضا خطوة مهمة للجانب المصري الذي يسعى للاستفادة من المزايا الكبرى التي يتمتع بها الصومال من موارد وكنوز لم تستغل.
تحركات واسعة ولقاءات مكثفة أجراها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ومعه الوزراء وكبار المسؤولين، وكان لمصر ومسؤوليها نصيب كبير منها حيث تكررت اللقاءات التي جمعت بين الرئيسين الصومالي والمصري وكذلك بين كبار المسؤولين من الجانبين خلال فترة قصيرة، في مشاهد إيجابية طيبة تؤكد حالة النشاط والتقدم الملحوظ في العلاقة بين البلدين العربيين الشقيقين. وكانت البداية حينما حرصت مصر على المشاركة في مراسم تسلم الرئيس شيخ حسن مقاليد الحكم بعد نجاحه في الانتخابات وذلك بحضور رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، وتقديرا لذلك كانت مصر في طليعة قائمة الدول التي حرص الرئيس الصومالي على زيارتها عقب توليه الحكم في بلاده.
كان اللقاء دافئا مشمولا بالحيوية والعزم على فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بعد سنوات طويلة من التباعد، وهو ما تأكد مجددا في اللقاء الودي الذي جمع الرئيسين السيسي وشيخ محمود في القمة العربية الأخيرة المعقودة بالجزائر، والتي تم التطرق فيها إلى آفاق أرحب للتعاون وتبادل المصالح بما يصب في تحقيق النفع العام لشعبي البلدين.
هذا وقد أسفرت الزيارة الأولى للرئيس شيخ محمود للقاهرة بعد انتخابه عن زيادة عدد المنح الدراسية المصرية المقدمة للطلبة الصوماليين من 200 إلى 550 منحة للجامعات مؤخرا، بجانب برنامج الدراسات العليا لتأهيل وتدريب الكوادر البشرية الصومالية، فضلا عن المنح الدراسية للأزهر من أجل نشر الدعوة الوسطية والاعتدال.
وساهمت الفعاليات العربية والدولية المشتركة في إتاحة الفرصة لتكرار اللقاءات المشتركة، حيث شهدت القمة العربية الأخيرة بالجزائر مؤشرات قوية لتقارب كبير بين مصر والصومال ألقى بظلاله على اللقاء الدافئ الذي جمع بين السيسي وشيخ محمود. وقد أكد الرئيس المصري على اعتزاز بلاده بالعلاقة التاريخية مع الصومال وعلى دعمه في مواجهته للتحديات الداخلية خاصة خطر الإرهاب، وأعرب عن الاستعداد لتقديم يد العون للصومال لبناء وترسيخ مؤسساته، وتفعيل مختلف أوجه التعاون الثنائي معه، خاصة على الأصعدة الاقتصادية والتجارية بجانب المساعدات الإنسانية والإغاثية لمواجهة أزمات الجفاف وتدريب الكوادر الفنية الصومالية.
ومن جانبه أشاد الرئيس الصومالي بدور مصر التاريخي في مساندة الصومال وما تقدمه من دعم فى مختلف المجالات مؤكدا على حرص بلاده على تعزيز التشاور والتنسيق مع مصر بشأن مختلف الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن تطوير التعاون الثنائي على مختلف المستويات.
وفي هذا الإطار من العلاقات الأخوية وجه الرئيس السيسي بسرعة التحرك لإرسال معونات عاجلة للأشقاء بالصومال ممن يعانون من توابع التغيرات المناخية وحالات الجفاف الشديد.
وجاءت الفرصة الثالثة على هامش فعاليات الدورة 27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 27) بمدينة شرم الشيخ المصرية حيث ازداد التقارب ونشطت اللقاءات بين مسؤولي البلدين ونشط معها الإصرار المشترك على تحقيق إنجازات كبيرة والإستفادة من الإمكانيات المشتركة لصالح البلدين الكبيرين والعريقين.
الزراعة وصيد الأسماك وتربية الحيوانات والطاقة والخدمات التقنية والصحة والتجارة والإعلام والأمن كانت من أهم القطاعات التي شهدت اهتماما كبيرا على طاولة الاجتماعات الثنائية مؤخرا وتم الإتفاق على زيادة التعاون فيها بين البلدين.
بناء على توجيهات من الرئاسة المصرية بتقديم كافة أوجه الدعم للدول الإفريقية وعلى رأسها الصومال العربي الشقيق، تم الاتفاق على تقديم الدعم الفني والتدريب وبناء القدرات للأشقاء الصوماليين والاستثمار في قطاع الاسماك هناك ونقل الخبرة المصرية في تأهيل الكوادر الصومالية للعمل في تصدير الأسماك وحماية الشواطئ وأجهزة المراقبة. جاء ذلك على خلفية لقاء أحمد حسن آدم وزير الثروة السمكية الصومالي مع السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري لبحث التعاون المشترك في ملف الثروة السمكية، خاصة وأن الصومال يمتلك سواحل شاسعة مترامية الأطراف تؤهله لتحقيق إنتاج كبير من الثروة السمكية مع الاستعانة بالخبرات الخارجية والتقنيات الحديثة. ومن جانبه دعا السفير الصومالي بالقاهرة الياس شيخ عمر أبو بكر، المستثمرين والشركات المصرية للاستثمار في الثروة الحيوانية والقطاع الزراعي والسمكي ، مشيرا إلى إمكانية استغلالها في مواجهة الآثار الخطيرة لتفاقم الازمة الغذائية العالمية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وأعرب عن تطلع بلاده إلى التعاون مع مصر في مجال الثروة الحيوانية والسمكية ،خاصة أن الصومال تمتلك ثروة سمكية كبيرة.
وتم تتويج هذا اللقاء باتفاق الجانبين المصري والصومالي على تحديث مذكرات التفاهم الموقعة في عام ٢٠١٥ ، بحيث يبدأ العمل بها بمجرد الانتهاء من التوقيع عليها وتشكيل لجنة فنية مشتركة تضم في عضويتها خبراء من كل التخصصات الزراعية والسمكية والحيوانية والبيطرية. كما تم تدشين مذكرة تفاهم فى مجال التعاون الاقتصادى تضمنت إنشاء لجنة تجارية مشتركة برئاسة وزيرى التجارة فى البلدين وتضم كبار المسئولين فى مجال التجارة، لمناقشة تسهيل حركة التجارة وإزالة كل المعوقات. وتتضمن حركة التجارة بين البلدين تصدير مصر لعدد من السلع الغذائية ومواد البناء، والأدوية للصومال، فيما تستورد مصر منه الماشية، ووفقا لإحصائيات أممية بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الصومال 63.88 مليون دولار أمريكى خلال عام 2021 .
جدير بالذكر أن هناك مجالات متنوعة كثيرة تحظى بالاهتمام المشترك وترقى إلى مستوى التعاون القوي بين مصر والصومال، منها على سبيل المثال مشروعات الطاقة والمياه التى تشهد تطورا كبيرا بين البلدين، خاصة ما یتعلق بمشروعات خلایا الطاقة الشمسية وشبكاتها حيث تم تركيب وحدات ديزل وبعض الأعمال الكهربائية بتكلفة حوالى 1.5 مليون جنيه فى الصومال كما يجرى الإعداد لإنشاء محطة شمسية بقدرة 2 ميجاوات وتركيب وحدات ديزل وبعض المهمات الكهربائية لتوزيع الطاقة في شتى أنحاء الصومال. كما یُعد قطاع البنوك من قطاعات التعاون الواعدة، حيث يوجد اتفاق على تدشين برامج تدريبية للمصرفیین الصومالیین عبر البنوك الوطنية المصرية، كما تسعى مؤسسات بنكية مصرية للتواجد بشكل أقوى بالصومال.
وفي إطار التعاون في المجال الصحي، التقى الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان المصري، الدكتور علي حاج آدم أبو بكر وزير الصحة الصومالي، وذلك على هامش اجتماع اللجنة الإقليمية الــ 69 لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، وتم بحث سبل التعاون بين وزاتي الصحة في البلدين في مجالات (الأدوية، تجهيز المنشآت الطبية، تدريب الكوادر البشرية). كما ناقش الوزيران تكثيف البرامج التدريبية للكوادر الطبية بالصومال، لدعم المنظومة الصحية لديه، في ظل تأكيدات مصرية على الاستعداد لاستقبال الكوادر البشرية الصومالية لتلقي التدريبات في التخصصات اللازمة ونقل تلك الخبرات لزملائهم في العمل بالمنشآت الطبية لدى دولتهم، كما تم بحث فرص زيادة المنح المقدمة للأطباء الصوماليين في الزمالة المصرية. يضاف إلى ذلك استمرار القوافل الطبية العلاجية التي ترسلها وزارة الصحة المصرية إلى الصومال بمختلف التخصصات الطبية.
إن العراقة المشتركة لأصول وتاريخ الصوماليين والمصريين لعبت دورها في تعميق أواصر التعاون بين البلدين لأزمنة بعيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وترجع تحديدا إلى عهد خامس فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، الملكة حتشبسوت، التي أقامت علاقات تجارية مع الصومال عندما كانت تعرف ب”بلاد بونت”، لتستمر بعدها العلاقات الثنائية حتى يومنا هذا، بل وتزداد توطدا مع تقارب القيادتين في البلدين. وامتدت ملامح التعاون لآفاق واسعة من خلال أطر ومجالات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وطبية.
وقد شهدت الساعات الأخيرة مزيدا من اتفاقيات التعاون بين الشقيقين العربيين الأفريقيين، حيث التقى كل من وزير القوى العاملة الصومالي بيحي ايمان عغي مع نظيره المصري حسن شحاتة على هامش فعاليات مؤتمر العمل العربي في دورته 48 وتم الاتفاق على استعداد الجانب المصري لتدريب العمالة الصومالية وصقل مهاراتها بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل.
وعلى هامش اجتماعات وزراء الإعلام العرب طالب وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالي داود أويس جامع بمزيد من التعاون والاستفادة من الخبرات المصرية في التعامل مع قضايا الإعلام والإرهاب، كما طالب بزيارة مصر في وقت لاحق لتوقيع عدد من بروتوكولات التعاون في المجال الإعلامي. وردا على ذلك قال الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن زيارة الوزير الصومالي لمصر هي بداية لعلاقات إعلامية وثيقة مع الصومال. وأكد جبر على ضرورة التعاون بين البلدين في مجال الإعلام والتدريب والإنتاج الدرامي والزيارات المشتركة.
ويأتي التعاون الأمني على رأس الأولويات المشتركة لمصر والصومال بحكم الموقع الجغرافي والأهمية الجيوسياسية وهو ما أكده اللواء طارق نصير أمين عام حزب حماة الوطن ووكيل أول لجنه الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ، وعضو البرلمان العربي، والذي أشاد بالتعاون بين مصر والصومال لدعم الأمن القومى الأفريقي ووصف العلاقات المصرية الصومالية بأنها تتسم بالقوة والمتانة منذ عهد الفراعنة حتى يومنا هذا وقال إن الصومال واحدة من أهم دول القرن الأفريقي التي تلعب دورا كبيرا في التحكم بمضيق باب المندب البوابه الجنوبية للبحر الأحمر. وقد أكد الرئيس الصومالي شيخ محمود على أهمية الدعم المصري للصومال لا سيما في مجال تدريب الكوادر المدنية والأمنية. ومن هذا المنطلق يتم تدريب الضباط الصوماليين بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية، بهدف مساعدة الصومال على حماية ثرواته في أراضيه وسواحله الشاسعة.
في ظل هذه المعطيات الإيجابية، يتوقع المراقبون أن تتخذ العلاقات المصرية الصومالية خطوات كبيرة ووثابة نحو التقدم والتطور عن قناعة مشتركة بأهمية تعاون وتقارب البلدين العربيين والأفريقيين لما فيه من خير كثير يعود على شعبيهما.