مؤتمر بونتلاند التشاوري.. أسبابه، توقيته، والقرارات أو النتائج المتوقعة منه:
الصومال الجديد
آخر تحديث: 15/03/2020
انطلقت اليوم الأحد 15/مارس/2020م من مدينة غرووي عاصمة بونتلاند فعاليات مؤتمر بونتلاند التشاوري الّذي دعا إليه قبل شهر تقريبا السيد سعيد عبدالله دني رئيس بونتلاند أعيان القبائل القاطنة في بونتلاند إلى المشاركة في هذا المؤتمر الّذي لم يعلن حتى الآن بشكل رسمي وعلني أجندات جلساته التشاورية.
وقد لقيت دعوة السيد دني استجابة وقبولا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية في بونتلاند حيث يلاحظ في الأيام الأخيرة توافد الملبين لتلك الدعوة على مدينة غرووي من بينهم سياسيون ومثقفون ورؤساء سابقون لبونتلاند، ووزراء حاليون في الحكومة الفيدرالية الحالية وأعضاء من مجلسي البرلمان الصومالي ينحدرون من تلك الأقاليم.
هذا، ومن المقرر أن يستمر المؤتمر لمدة 3 أيام يناقش فيها المشاركون قضايا حساسة لعلّ من بينها الأوضاع السياسية السائدة في البلاد وعلاقة إدارة بونتلاند بالحكومة الفيدرالية.
وتضيف الأنباء بأن وسائل الإعلام سيسمح لها بحضور الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر فقط، بينما سيمنع منها حضور الجلسات الأخرى التي يناقش فيها المؤتمرون القضايا الرئيسة التي من أجلها عقد هذا المؤتمر.
ويتساءل كثير من المتابعين الأسباب التي أدت إلى انعقاد مؤتمر كهذا في بونتلاند، وفي هذا الوقت بالذات حيث إن العلاقات بين إدارة بونتلاند والحكومة الفيدرالية تتسم بخلافات وتوترات سياسية شبه دائمة نتيجة لاختلاف رؤى القيادتين في كلا الإدارتين تجاه عدّة قضايا سياسية ومصيرية تتعلق بشؤون البلاد وإدارتها، كما أن من بين تساؤلات المتابعين نوعية القرارات والنتائج التي ستنبثق عن هذا المؤتمر.
ففيما يتعلّق بالأسباب التي دعت إلى عقد مؤتمر كهذا في بونتلاند، وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها العلاقات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية، فإنه من الممكن القول بأن إدارة بونتلاند ارتأت أن تتشاور مع أعيان القبائل المكونة لإدارة بونتلاند فيما يتعلق بنوعية العلاقات التي ستحكم التعامل بينها وبين الحكومة الفيدرالية، وذلك بعد وصول المؤتمرين إلى قرار جماعي، يتفق عليه جميع المشاركين في هذا المؤتمر بأنه – أي القرار- سيكون أساسا لتحديد طبيعة العلاقات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية، وبذلك تكون بونتلاند قد أغلقت الباب على بعض القبائل التي تتوق لإنشاء علاقات قوية ومتنية مع الحكومة الفيدرالية ضدّ إدارة بونتلاند، لشعورها (أي تلك القبائل) بتهميش دورها في المشاركة في قيادة بونتلاند وتحديد قراراتها المصيرية، أو لشعورها بأن إدارة بونتلاند خالفت فيما تم الاتفاق عليه سابقا في تحديد نوعية العلاقات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية.
ويأتي هذا المؤتمر بعد مؤتمرات قبلية أخرى مماثلة له عقدت في كلّ من كسمايو، وهبيو، ومقديشو، مما يجعل بعض المتابعين يرون أن هذه المؤتمرات هي محاولة لسدّ فراغ الحكومة الفيدرالية التي عجزت عن تحقيق رغبات المجتمع الصومالي المتمثلة في استتاب الأمن واستقراره، وتنمية الاقتصاد الوطني، وتطوير البنى التحتية، وغير ذلك من تطلعات الشعب الصومالي، ولما رأت القبائل الصومالية عجز الحكومة الفيدرالية ونكوصها عن تحقيق ما سبق، اتّجه المجتمع الصومالي القبلي إلى التكتلات والقيادات القبلية التي طالما اعتمد عليها في إدارة حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، علّه بذلك يستدرك ما فاته بسبب انتظاره للحكومة الفيدرالية الحالية، ومن القائلين بهذا الرأي السيد عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض الذي نشر في 24/فبراير/2020م، على صفحته في الفيس بوك منشورا جاء فيه بأن: “القاسم المشترك بين المؤتمرات القبلية التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة هو الشكوى والتذمر من سلوك الحكومة الفيدرالية وعجزها عن سدّ دور القبائل والقيام به، ونتيجة لذلك تتابعت المؤتمرات، بدءًا بمؤتمر قبيلة كومذي في كسمايو، مرورا بمؤتمر هبيو للسلام الذي نظمته قبائل هبرغيذر في هبيو، واجتماع عشائر حوادلي في فندق غياجو، ووصولا إلى مؤتمر قبائل مودولود في مقديشو، وانتهاءً بمؤتمر بونتلاند التشاوري”. وفي منشور آخر له نُشر على صفحته في الفيسبوك بتاريخ 28/فبراير/2020م، أشار السيد عبدالشكور إلى أن كلاّ من القبيلة، والطريقة (الصوفية أو الدينية بشكل عام)، وأعيان المجتمع أو المنطقة، كلّها عبارة عن مؤسسات قيادية تقليدية للمجتمع الصومالي كانت تقوم بحل المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المجتمع الصومالي، مشيرا إلى أن المجتمعات المعاصرة التي تريد أن تنتهج النظام الإداري المعاصر لا يصلح معها الاعتماد على تلك المرجعيات أو المؤسسات القيادية التقليدية في تسيير شؤون حياتها المعاصرة إلّا إذا ابتعدت أوقصّرت قيادة الحكومات فيها عن القيام بواجباتها الحكومية المنوطة بها، وعندها أي عند تقصير الحكومة في أداء واجباتها، يفضّل المجتمع القبلي العودة إلى مؤسساته التقليدية المتمثلة في الأسرة والقبيلة والطريقة وأعيان المجتمع لإدارة شؤون حياته، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على مدى اقتناع السيد عبدالشكور بأن الحكومة الفيدرالية أخفقت في القيام بواجباتها مما أعاد إلى الواجهة المؤسسات والتكتلات القبلية التي اشتهر بها المجتمع الصومالي ردحا من الزمن.
وبالنسبة للقرارات التي ستنبثق عن هذا المؤتمر، فإنه من الصعب التكهن بها، إلاّ أن بعض المعطيات والقرائن المتوفرة قد تساعد على معرفة المحيط أو الفلك الذي ستدور عليه تلك القرارات التي ستؤكّد فعلا على كون بونتلاند جزءا رئيسيا من أجزاء الصومال، له حكمه الذاتي المستقل وفق شروط النظام الفيدرالي الذي تنتهجه الصومال، وأنها – أي بونتلاند- لا تنوي الانفصال لا من قريب ولا من بعيد عن بقية جمهورية الصومال.
وقد يكون لموقف الحكومة الفيدرالية الإيجابي تجاه هذا المؤتمر تأثيرا كبيرا في القرارات التي سيتم الوصول إليها حيث إن من الوفود المشاركة في هذا المؤتمر وزراء حاليون ينحدرون من تلك الأقاليم ومقرّبون في نفس الوقت من قادة الحكومة الفيدرالية، وهذا مما يجعل هذا المؤتمر يختلف عن بقية المؤتمرات السابقة له والتي كان من بينها مؤتمرات قبلية حاولت الحكومة الفيدرالية منع عقدها أو إجرائها، وفقا لتصريحات بعض منظمي تلك المؤتمرات.
ومهما يكن من أمر، فإنه من الواضح أن مؤتمر بونتلاند التشاوري والذي انطلقت فعالياته اليوم الأحد من مدينة غرووي سيكون بداية جديدة للعلاقات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية سواء بالإيجاب أو بالسلب.