مؤتمر الاستثمار الأجنبي بالصومال يكشف الفرص الواعدة للمستثمرين
الصومال الجديد
آخر تحديث: 7/12/2022
القاهرة: صفاء عزب
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو مؤخرا حدثا فريدا يعد الأول من نوعه بالبلاد، وهو انعقاد أول مؤتمر دولي للاستثمار الأجنبي بالصومال والذي نظمته وزارة التخطيط والاستثمار والتنمية الاقتصادية، وذلك بهدف البحث عن تنمية الفرص الاستثمارية وضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد الصومالي. ولا شك أن هذا الحدث يحمل في ثناياه بشائر جيدة في المستقبل، خاصة وأنه تواكب مع تصريحات رسمية من البنك الدولي تفيد بأن الاقتصاد الصومالي قد نجح في تحقيق معدل نمو إيجابي يقترب من 3% بعد فترة من الانكماش خلال سنوات سابقة. حيث سجلت المؤشرات الاقتصادية الصومالية تحقيق نمو بمقدار 2.9% عام 2021 على الرغم من صعوبة الظروف والأزمات التي مرت بها البلاد بما فيها توابع جائحة كورونا وكوارث الجفاف والمجاعات والمشاكل السياسية والأمنية. وتأكيدا على حدوث انفراجة مستقبلية في الاقتصاد الصومالي تحمل مزيدا من البشائر للشعب الصومالي، كشف البنك الدولي في أحدث تقاريره عن توقعات إيجابية لمستقبل الاقتصاد الصومالي مشيرا إلى إمكانية تحقيق نمو3.6% في الناتج المحلي الإجمالي في 2023 و3.7% في 2024.
واقع الأمر أن الاستثمار في الصومال يتضمن العديد من المزايا النسبية التي تشجع الأجانب على ضخ أموالهم في مشروعات حيوية في الأراضي الصومالية. يأتي في مقدمتها القوانين الاستثمارية المشجعة على الاستثمار من خلال ما تتيحه من تسهيلات وحوافز منها إيجار أراضي للشركات لسنوات طويلة جدا والاقتراض من المؤسسات المالية داخل الوطن بالحد الذي يقبله البنك المركزي الصومالي بالتشاور مع لجنة الاستثمار، وكذلك السماح بتحويل الدخل الصافي من المشروع إلى الخارج وفقا لإجراءات التسجيل أو إعادة استثماره في مشروعات أخرى، يضاف إلى ذلك تيسير التسجيل للشركات والأفراد الأجنبية. وتتيح الدولة للمستثمرين الأجانب على أرضها الاستفادة من مزايا الإعفاءات الضريبية للمشروعات كما أنها تضمن حماية المشروعات الاستثمارية الأجنبية من التأميم أو تعويضها إذا كانت هناك ضرورة وطنية للتأميم. كما تكفل الحكومة الصومالية طريقة تسوية النزاعات التي قد تنشأ مع المستثمر وفقا للاتفاقيات التي وقَّعتها مع المنظَّمات الإقليمية أو الدولية فيما يتعلق بالاستثمار الخارجي، أو الاتفاقيات مع الدولة التي يحمل جنسيتها المستثمر. وتعطي الدولة الصومالية المستثمرين الأجانب الحق في اختبار العمال المرشحين للعمل لديهم، وفي حالة عدم لياقة أحد العمال لصاحب العمل فيحق له أن يطلب من تفتيش العمل المختص بالناحية بإرسال عامل آخر إليه. وكذلك من حق صاحب العمل رفض تشغيل العمال الذين كانوا يشتغلون لديه قبل ذلك، وطردهم لسبب معقول، كما ينص قانون العمل في مادته (129).
إلى جانب المزايا الاستثمارية والحوافز التي وضعتها الدولة لتشجيع المستثمرين، يتمتع الصومال بمزايا أخرى ترتبط بالموقع الجغرافي باعتباره بوابة القرن الإفريقي الرئيسية، وإطلاله على منافذ مائية حيوية فهو متاخم لكل من منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي، كما يقع في نقطة التقاء قارتي آسيا وإفريقيا بالقرب من مضيق باب المندب، ومن ثم تطل على واحدة من أهم خطوط الملاحة البحرية الدولية بين أوروبا وآسيا، كما تشرف على خليج عدن والبحر الأحمر الذي يربط بحر العرب والمحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة مضيق باب المندب.
وقد حبا الله الصومال بسواحل مترامية الأطراف، تعد أطول سواحل الدول الإفريقية بعد دولة جنوب إفريقيا وتبلغ 3300 كيلومترا، يطل من خلالهما على منفذين بحريين كبيرين هما خليج عدن والمحيط الهندي. ولاشك أن هذا الأمر يضيف للصومال فرصا استثمارية لا حصر لها سواء فيما يتعلق بالثروات السمكية أو الخدمات اللوجستية أو التنقيب عن الغاز والبترول وكذلك الثروات المائية الأخرى.
لذلك لم يكن غريبا طرح قضايا الاستثمار في الاقتصاد الأزرق كأحد المجالات الحيوية في مؤتمر الاستثمار الدولي الذي شهدته العاصمة مقديشو مؤخرا، إلى جانب مجالات الزراعة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويمكن للمستثمر الاجنبي الاستفادة من المزايا الجغرافية للصومال حيث يطل على مسطح مائي من أغني مناطق الصيد في العالم بأنواع مختلفة من الاسماك، كالقرش والتونة والسردين. ورغم ذلك تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن حجم ما يتم صيده فعليا في الصومال لا يتجاوز حوالي 2000 طن من الأسماك، 450 طن من جراد البحر و100 طن من سمك القرش، و 20 طن من الجمبري، بينما تصل تقديرات حجم الصيد المتاح سنويا إلى 300 ألف طن من الأسماك و10،000 طن من القشريات، بما يعكس فرص الاستثمار الكبرى في هذا المجال، بشكل لا يقتصر على الصيد فقط إنما يتسع ليشمل أيضا صناعة السفن والشباك والثلاجات وتصنيع الأسماك وتعليبها وتسويقها.
يعد قطاع الثروة الحيوانية في الصومال من أهم القطاعات لمن يبحث عن الاستثمار الثري، حيث يمتلك الصومال في الظروف العادية بعيدا عن كوارث الجفاف ملايين الرؤوس من الماشية والماعز والإبل يمكن أن تؤهله ليكون سلة غذاء مهمة محليا وإقليميا وعالميا بشرط ضخ استثمارات جيدة لهذا القطاع لتحسينه وتطويره وتعظيم الاستفادة من مزاياه. ويحظى هذا القطاع بعدة نواح للاستثمار منها في مجال تربية ورعاية الحيوانات واستخراج اللحوم والألبان وتنميتها بما يتيح تسويقها خارجيا بجانب مجالات تصنيع اللحوم وتعليبها بما يضيف هوامش ربحية أكبر وزيادة في المدخول القومي بدلا من الاكتفاء ببيع وتصدير الرؤوس الحية. وترتبط بهذا المجال صناعة أخرى حيوية ومهمة جدا تتمثل في صناعة دبغ الجلود واستخدامها في صناعات جلدية كبيرة.
ويأتي مجال الزراعة كواحد من أهم القطاعات الاقتصادية التي تستحق اهتماما كبيرا من رجال الاقتصاد والمستثمرين، فالصومال يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الممتازة التي لا يستفيد إلا من 0.04% منها فقط وبالتالي فالفرصة سانحة بشكل كبير للاستثمار في هذا القطاع. كما يؤدي تنوع المناخ الصومالي إلى إتاحة فرص كبرى لتنويع المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها.
ولا شك أن الزراعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية لايمكنها الاستناء عن المياه، لذلك تعد مشروعات المياه والصرف الصحي وبنيتها التحتية على رأس المجالات التي تبحث عمن يستثمر فيها خاصة في ظل معاناة الصوماليين من عدم توفر مياه الشرب الصالحة للاستخدام.
بطبيعة الحال تستلزم هذه المجالات ضرورة توفر مصادر الطاقة التي لا يمكن الاستغناء عنها في كافة مناحي الحياة، ولذلك تضطر البلاد لاستيراد كميات كبيرة من مصادر الطاقة على الرغم مما يمتلكه الصومال من ثروات نفطية وغازية كامنة في أراضيه ومياهه الإقليمية، وكذلك مصادر طاقة متجددة تغطي سماءه، الأمر الذي يشي بإمكانية دخول مستثمرين في هذا الحقل الاقتصادي المهم وتحقيق مكاسب كبرى.
في ظل ضعف الإمكانيات بالصومال يعاني القطاع الصحي هناك من مشاكل كثيرة ويحتاج ليد العون من المستثمرين لرفع كفاءته وتحسين مستواه وتقديم خدمة راقية للشعب الصومالي الذي يضطر كثيرا للبحث عن العلاج بالخارج بشكل يزيد من أعبائه المادية. لذلك فإن الصومال بحاجة إلى استثمارات طبية كبرى كالمستشفيات والمراكز المتخصصة ومراكز الأشعة والجراحات الدقيقة وما يرتبط بها من أجهزة متقدمة تمثل جانبا آخر مهما من مجالات الاستثمار في الصومال.
ويرتبط كل ما سبق بتطور المنظومة التعليمية وتوفير كافة عناصرها من مدارس وكوادر تعليمية وجامعات لإنتاج خريجين ذوي مستويات علمية راقية في مختلف التخصصات ولذلك يعد قطاع التعليم أيضا من القطاعات الواعدة التي تضمن للمستثمر تحقيق مردود كبير له وللمجتمع.
يأتي إلى جانب ذلك قطاعات أخرى شديدة الأهمية وتحتاج لاستثمارات كبيرة منها البناء والتشييد والطرق ووسائل الانتقالات التي تمكن أصحاب الأعمال وكذلك الأيدي العاملة من الوصول للمناطق الاستثمارية وتيسير التحرك بلا عقبات. وهناك جانب آخر لا يحظى باهتمام مناسب لقيمته وهو المجال السياحي لأن الصومال بلد زاخر بالبيئة الطبيعية ومكوناتها الجذابة التي يمكن أن تستقطب عددا كبيرا من عشاق السياحة البيئية ولذلك فإن الاستثمار في القطاع السياحي والفندقة يمثل نافذة اقتصادية مهمة.
لاشك أن الصومال يمتلك مقومات كثيرة محفزة على الاستثمار ولكن الأمر يتطلب مزيدا من الإجراءات الحكومية لتحقيق دفعة كبيرة في الاستثمار خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني والاستقرار السياسي وضرورة العمل على تجفيف منابع الإرهاب بالبلاد لتبديد أية مخاوف يمكن أن تدفع المستثمر الأجنبي للإحجام عن ضخ أمواله في مشروعات صومالية.
وقد عكست تصريحات المسؤولين الصوماليين الاهتمام بهذا الجانب وبذل الجهود للتنسيق مع الجهات المحلية والأجنبية لإبراز فرص الاستثمار في البلاد وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الصومال وكانت كلمة حمزة عبدي بري رئيس الوزراء الصومالي في خطابه الختامي لمؤتمر الاستثمار الدولي في الصومال بمثابة رسالة طمأنة للعالم على الأوضاع في الصومال، حيث أكد إن الحكومة التي يقودها ملتزمة بإصلاح القوانين الاقتصادية والأمنية التي ستسهل ممارسة الأعمال التجارية في الصومال وتهيئة بيئة استثمارية تجتذب رؤوس الأموال.
وعلى ذلك نشارك المؤسسات الدولية ومنها البنك الدولي، مشاعر التفاؤل بمستقبل أفضل للاقتصاد الصومالي في ظل زيادة متوقعة للاستثمارات مع العمل على توفير بيئة جيدة للاستثمار.