مآلات أزمـــــة ســــد النهضــــة والسيناريوهات المحتملة للحل(الجـزء الثالث)

الصومال الجديد

آخر تحديث: 28/08/2018

[supsystic-social-sharing id="1"]

لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 44

تناول الجزء الثاني من هذا التقرير، نشأة فكرة إنشاء مشروع سد النهضة والصراع على مياه نهيل والمخاوف التي تبديها السلطات المصرية حولعملية بناء “سد النهضة” كما استعرض جانباً من ملامح السياسةالإثيوبية المتواصلة منذ عهد الملك الإثيوبي الراحل هيلا سيلاسي، بشأن إعادة توزيع حصص مياه نهر النيـل، حيث ظلت أديس أبابا، تطالب بضرورة الاستخدام المنصف والعادل للمياه بين دول حوض النيل.
وقد تمت الإشارة في هذا الصدد إلى أن رفض السلطات الإثيوبية للاتفاقيات السابقة “اتفاقية 1929م، واتفاقية عام 1959م”مبني على أن منها ما كان مع المستعمر وأخرى كانت بين مصر والسودان، وأنها لم تكن طرفاً فيها.
وفي هذا الجزء من التقرير، يتناول مواقف الأطراف الثلاثة الأساسية في هذه الأزمة، كما سيسلط على على تحديد أبرز التحديات والمعوقات التي أسهمت فعلاً في إخفاق المساعي الدبلوماسية للوصول إلى حل نهائي للأزمة.
وهذا يعتبر مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لهذا التقرير، على اعتبار أن المفاوضات بين الدول الثلاثة – إثيوبيا ومصر والسودان – حول ملف “سد النهضة” قد بدأت قبل سبع سنوات تقريباً، ورغم ذلك لم يتم التوصل إلى أي اتفاق رسمي حول مجمل القضايا الأساسية، فحتى الآن ما زالت مرحلة المفاوضات لم تتجاوز عتبة الموافقة على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات الآثار السلبية لبناء “سد النهضة”على دولتي المصب مصر والسودان.

أولاً: الموقف المصري:
لقد أسلفنا أن بناء “سد النهضة” أثار مخاوف جـدية لدى دول المصب ولمصر على وجه الخصوص، حيث ترى القاهرة أن هذا المشروع، سيقلـص حصتها من ميـاه النيـل بنسبـة تصـل إلى 15مليار متر مكعب سنويـاً، مما يسبب في تخفيـض الطاقة الكهرومائيـة المنتجـة من السـد العالي بنسبـة تصل إلى 20 بالمئة، فضـلاً عن تقليص الرقعة الزراعيـة بمعدل مليون ونصف فدان.
ووفق المتاح من المعلومات، فإن الهواجس والمخاوف التي تبديها السلطات المصرية حول بناء “سد النهضة الإثيوبي” يمكن تقسيمها إلى شقين أساسيين هما:
1. الشق الفني: وهو يتعلق ببنية وتصميم “سد النهضة”ومدى جودته وملاءمته مع ظروف المنطقة المشيدة عليها، وهذا ما أكده الدكتور العلا أمين – القائم بأعمال رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، معللاَ ذلك بأن “انهيار السد سيؤدي إلى آثار تدميرية وخيمة على كل من مصر والسودان، إذ يمكن لكمية المياه المتدفقة الناجمة من انهيار السد أن تصل إلى القاهرة وتغرقها خلال ثلاثة أيام، بعد أن تغرق مناطق شاسعة من إثيوبيا والسودان ومصر.
2. الشق الآخر من المخاوف،فهو يتعلق بحجم المياه التي سيحجبها السد من حصة مصر البالغة نحو 56 مليار مكعب سنويا، وهو بدوره يمكن تقسيمه إلى جزءين، أحدهما يتعلق حجم المياه التي يتم حجبها خلال فترة ملء خزان السد، والآخر بالفترة التي تلي عملية الملء.
وحسب العديد من التقارير الصحفية، فإن الخلاف المتصاعد بين مصر وإثيوبيا منصب بشكل أساسي على مدى الفترة الزمنية المقررة لملء الخزان، حيث ترغب إثيوبيا في ملء خزان السد خلال 3 سنوات فقط، من أجل تسريع عملية إنتاج الكهرباء منه، بينما يرى الجانب المصري أن أقل مدى زمني لعملية ملء خزان “سد النهضة” يجب أن لا تقل عن ستة سنوات، فيما بعض “التقارير” تحدث عن 7 – 10 سنوات.
وفي هذا السياق كشف مسؤول في وزارة الري المصرية، تحدث لوكالة (AP) الأمريكية: “بأن الدراسات الحكومية الداخلية، تشير إلى أن كل نقصان في مياه النيل بمقدار مليار متر مكعب، يمكن أن يؤدي إلى فقدان 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية، ويؤثر على سبل معيشة مليون مواطن، على اعتبار أن كل خمسة أشخاص في المتوسط يعيشون في المحصول الناتج عن فدان واحد.
ووفقاً لهذه الدراسات، فإن ملء خزان “سد النهضة” خلال ستة سنوات، سيؤدي إلى فقدان مصر ما يعادل 17 في المئة من الأراضي الزراعية، وأنه كلما زاد عدد سنوات ملء الخزان، قل الأثر السلبي على حصة مصر من المياه، وعلى قطاعها الزراعي والقطاعات الأخرى المرتبطة به.
ثانياً: الموقف السوداني:
على الرغم من أن أغلب آراء وتحليلات الخبراء والمتخصصين، تجمع على أن الآثار السلبية من بناء “سد النهضة” على السوان لن تختلف كثيراً عن تلك يمكن أن تتعرض لها مصر المذكورة أعلاه، وهذا ما عبر عنه أحد الخبراء السودانيين، مشيراً إلى أن هذا السد إذا ما تعرض للانهيار بفعل الطبيعة أو الإنسان، فإن كثيرا من المدن السودانية ستكون “خبر كان”، إلا أن لسياسة حساباتها الخاصة، ولعل ذلك ما جعل موقف حكومة السودان، يتسم بمرونة أكثر تجاه أزمة “سد النهضة”، بعيداً عن تلك المخاوف والهواجس.
ويبدو أن الموقف السوداني أقرب إلى موقف إثيوبيا منه إلى مصر، فقد سبق للخرطوم أن أعلنت – أكثر من مناسبة – عن دعمها لجهود الحكومة الإثيوبية في بناء “سد النهضة” بل إنها ذهبت أبعد من ذلك حيث أكدت مطلع يونيو 2016م، استعدادها الكامل للمساهمة في بناء هذا المشروع إلى جانب الحكومة الإثيوبية، وقد سبق أن رفضت حكومتا السودان وإثيوبيا الموافقة على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات “سد النهضة” التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، فيما وافقت عليه مصر في نوفمبر 2017م.
وهنا نلاحظ أن حكومة السوان تنظر إلى مشروع “سد النهضة”بمنظور مختلف ومغاير كلياً عن “المنظور المصري” لهذا المشروع، فكان الرئيس السوداني عمر البشير، قد صرح في مايو الماضي، بأن بلاده متفقة تماماً مع موقف إثيوبيا، فيما يتعلق بقضية “سد النهضة” متعهداً بأن حصة مصر من مياه نهر النيل لن تتأثر بهذا المشروع، وأضاف قائلاً: “نحن متفقون مع إثيوبيا منذ أن كان “سد النهضة” مجرد فكرة، وقد تبين لنا أن آثار السد الموجبة أكثر من السالبة”.
ولهذا تؤكد الخرطوم باستمرار أن لهذا المشروع فوائد عديدة يمكن للسودان أن يستفيد منها في مختلف القطاعات الإنتاجية، حيث سيوفر لهاالحصول على طاقة كهربائية أكثر نقاءً وأقل تكلفة، تغطي احتياجاتها المتزايدة للطاقة، خاصة بعد أن خسر في أهم مصادره للطاقة، نتيجة لانفصال جنوب السودان وإعلان استقلاله، وما كان لذلك من تأثيرات عميقة على النشاط الاقتصادي في السودان وعوامل استقراره وامكانيات تطوره وازدهاره وفي مجالات تكامله الإقليمي والدولي.
وحسب رأي المحللين، فإن مسألة الطاقة تشكل بالنسبة للخرطوم أهمية قصوى، وتستدعي التركيز على بناء العلاقات الاقتصادية مع دول القرن الإفريقي ومع إثيوبيا بشكل خاص .
في حين يؤكد الأخرون، أن إيجابيات هذا المشروع، لا تقتصر على ذلك فحسب، بل هناك فوائد أخرى عديدة يمكن أن يوفره المشروع للسودان، لعل أبرزها متمثل في تخفيف الفيضانات في موسم الأمطار بينما يستمر جريان النيل بمستويات واحدة طوال فصول العام وهذا ما يقلل كثيرا من الأضرار التي كانت تسببها الفيضانات في السودان.
ومن جهة ثانية يرى العديد من الخبراء، أن ثمة تداعيات كارثية مرشحة للظهور في المدى المتوسط، ولذا فإن على الحكومة أن تدرس بشكل علمي في كافة الآثار السلبية للمشروع، وتأثيراته وتداعياته المحتملة على القطاع الزراعي والنشاط الاقتصادي والتنمية بشكل عام.
والجدير بالذكر فإن هذه الهواجس لم تأت من فراغ، بل إنها تستند إلى معطيات وبراهين علمية عديدة وكذلك تقارير اللجنة الثلاثية التي شكلت من خبراء مصريين وسودانيين وإثيوبيين ودوليين، لدراسة آثار السد ومدى ملاءمته مع طبيعة وظروف المنطقة المشيدة عليها.
فقد أشار تقرير سابق للجنة “غير منشور بشكل رسمي” إلى أن التصميمات الإنشائية لأساسات “سد النهضة” لم تأخذ في الاعتبار انتشار الفواصل والتشققات الكثيفة الموجودة في الطبقة الصخرية أسفل السد، بما يهدد بانزلاق بنية السد وانهياره.
وفي ذات السياق حذرت دراسة أجراه أستاذ السدود والمياه بجامعة كيوتو اليابانية الدكتور “سامح قنطوش” من تراكم الطمي داخل بحيرة “سد النهضة” نتيجة لعدم وجود فتحات كافية عند القاع لتمرير المواد الرسوبية، ما يزيد من احتمالات انهياره.

ثالثاً: الاستجابة الإقليمية والدولية للأزمة:
نسبة لتصاعد حدة الخلافات بين مصر وإثيوبيا حول ملف سد النهضة، وتعثر المفاوضات في الوصول إلى اتفاق ثلاثي بشأن التقرير الاستهلالي الذي أعده المكتب الاستشاري الفرنسي حول الأثار السلبية لبناء “سد النهضة”، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، فقد ذكرت صحفية “الحياة” اللندنية، نقلاً عن مسؤول مطلع بمفاوضات “سد النهضة” أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تدخلت في هذا الملف، من أجل تقريب مواقف الدول الثلاثة وذلك بعد زيارة قام بها مطلع أبريل الماضي، وفد أمريكي رفيع إلى كل من الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، بهدف التعرف على مواقف الدول الثلاثة حيال قضية السد، وتكوين وجهة نظر تقود إلى خلق أرضية مشتركة للوصول إلى التفاهمات والحلول التي ترضي جميع الأطراف.
وقد ضم الوفد الأمريكي، مساعد وزير الخارجية لشرق إفريقيا “إريك سترماير” ومدير مكتب الشؤون المصرية وشؤون الشرق الأدنى ” ديفيد جريني” إضافة إلى المنسق الخاص للموارد المائية في مكتب المحيطات والبيئة والشؤون العلمية “أرون سالزبيرغ”.
وفي الوقت ذاته، أشارت صحيفة “الانتباهة” السودانية، إلى أن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، بحث ملف “سد النهضة” في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية بالإنابة السيد/ جون سوليفان، دون أن تذكر مزيد من التفاصيل.
أما على الصعيد الإقليمي الإفريقي والعربي، فقد كانت ردود الأفعال دون مستوى الطموح، رغم التأكد من خطورة تفاقم الأزمة وتأثيراتها المحتملة على الأمن والاستقرار الإقليمي، وانصبت في مجملها في تأييد المساعي الأمريكية لهذا الأزمة، ربما باستثناء مبادرات “فردية”أعلنها الرئيس الأوغندي يويري موسفيني في منتصف مايو الماضي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بالقاهرة، مؤكداً أنه سيبحث أزمة سد النهضة مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، مشيراً إلى أن بلاه تسعى إلى تضييق هوة الخلاف والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال