مآلات أزمـــــة ســــد النهضــــة والسيناريوهات المحتملة للحل(الجـزء الثاني)
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 28/07/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 41
تناول التقرير في الجزء الأول ضبـط تعريفات ومفاهيم المصطلحات ذات العلاقة بموضوع الدراسة، وتوضيح دلالاتهـا، مثل تعريفات المياه والنهر وسد والنهصة وغيرها، ويركز الجزء الثاني من التقرير على الأهمية الاقتصادية لنهر النيل وأهداف ودوافع مشروع سد النهضة وما ترتب عليه من الصراع بين الدول المشاطئة للنهر.
الأهميـة الاقتصـادية لنهر النيل:
في الواقع يشكـل النيل أهميـة كبـرى في اقتصـاديات دول حوض النيـل، خاصـة في مجالات الزراعـة والصيـد والنقل والسياحـة وغيرها، ففي مجال الزراعـة مثـلاً يعتمد المزارعون في هـذه الدول على ميـاه النيـل من أجل ري محاصيلهم الزراعيـة.
هـذا وتزداد أهميـة الميـاه يوماً بعـد آخـر مع زيادة متطلبات التقدم العلمي والتكنولوجي الذي فتح أفاقاً جديدة في مجالات استخدام مياه الأنهار في غير شؤون الصيد والزراعة والملاحة.
ولهـذا فإن للمياه دور بالغ الأهمية في العالم اليـوم، حيث أصحت من أهم القضـايا وأكثـرها تأثيـراً في العلاقات الدولية المعاصرة.
ومن كل المعطيات أعلاه، يبدو جلياً أن من يسيطر على المياه بات يستحوذ على الحياة البشرية ويهدد وجودها، مما قد يحدد بشكل كبيـر تطور النزاعات والصراعات الدوليـة والإقليميـة ومآلاتها المستقبليـة.
مشـروع سـد النهضـة.. الأهداف والدوافـع:
o نشأة فكرة المشروع وتطورها:
كما سبقت الإشارة في المقدمة فإن مشـروع سـد النهضـة أو سـد الألفيـة الكبيـر كما يطلق عليه الإثيـوبيـون، هو مشـروع قـومي متعدد الأغراض، بدأت الحكومة الإثيوبية بإنشـائه منـذ 15 أبريل عام 2011م،على مجرى نهـر النيل الأزرق في إقليم بنيشنغول وبالقرب من الحدود الإثيوبية ـ السودانية.
ولم تكن فكــرة إنشـاء سـد النهضـة جـديدة، بل تعـود جذورها إلى حقبـة الخمسينات من القرن العشرين، وقد كان تم تحديد الموقع النهائي لبناء المشـروع في الفترة ما بين عامي 1956م ـ 1964م، وذلك خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجـريت بواسطة مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح.
لكن تنفيـذ المشـروع واجـه الكثير من الصعوبات نتيجـة لعوامل جيولوجية وجغرافية إضافة إلى أخرى سياسية واقتصاديـة وأمنية، تسببت في تعليق فكـرة المشروع لأكثر من نصف قـرن، قبل أن يتم تفعيلها مجدداً بواسطة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي، حيث قامت الحكومة بإجراء عملية مسح للموقع في أكتوبر عام 2009م ـ استمرت حتى أغسطس 2010م، وبعدها بشهـر واحد أعلنت الحكومة الانتهاء من تصميم السـد.
وفي مارس 2011م، أعلن رسمياً عن المشروع، وتم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار لشـركة ساليني الإيطاليـة لتنفيـذ بناء المشروع، وبعدها بيوم واحـد وضـع الراحل مليس زيناوي حجـر الأساس للسـد، وبدورها أعاد مجلـس الوزراء الإثيوبي تسميـة السـد بسـد النهضـة الإثيوبي الكبيـر.
ومن جهـة أخرى أعلنت الحكومة الإثيوبية في مايو 2011م، عن استعدادها للتشـاور مع مصـر والسودان بشـأن مخططات السـد ومدى تأثيـره على دول المصـب.
ويتم تمويل المشـروع من السندات الحكوميـة والتبرعات الخاصـة، وكان من المقرر أن يكتمـل بناء السـد في يونيـو 2017م، لكن ذلك لم يتحقق فعـلا وما زالت أعمال البناء تجـرى حتى بعد عام من ذلك التاريـخ.
o الأهميـة الاقتصاديـة للمشروع:
ترى إثيـوبيا بأن هنـاك فوائـد كبيـرة لبناء سـد النهضـة، خاصـة وأن هـذا المشروع سـوف يوفر لها إنتاج طاقـة كهرومائيـة نظيفه تغطي حاجتها المتزايدة للطاقـة، مما ينعكس إيجاباً على التنميـة المستدامة وزيادة النمو الاقتصادي في البـلاد.
سد النهضة.. والصراع على ميـاه النيل
من حقائق التاريخ أن إثيوبيا ومصـر ظلتا متعارضين في أغلب فترات تاريخهما الحديث، وتعـد الاتفاقيات حول مياه النيـل مركز الجدل والخلاف بيـن البلدين، وكما سبقت الإشـارة فإن أغلب تلك الاتفاقيـات كانت الأداة التي استخدمتها بريطانيـا في القرنين التاسع عشر والعشرين لإدارة العلاقات بين مستعمرتيها في مصر والسودان، لكن إثيوبيا لم تكن مستعمرة في تلك الحقبـة، ولذلك تفاوضت مع الحكومة البريطانية لكنها لم تصل إلى اتفاق حول تنظيم استخدام مياه النيل، لذا عادة ما تعارض إثيوبيا الإطار القانوني والسياسي لتلك الاتفاقيـات بحجة أنها لم تكن طرفاً فيها.
ثم جاءت اتفاقيـة القاهرة التي تم توقيعها سـريعاً عقب استقلال السودان عام 1956م، لتجسد بداية التاريخ الحديث لعلاقات دول حوض النيل، لكن مرة أخرى لم تشمل هذه الاتفاقية باقي دول حوض النيل وفي مقدمتها إثيوبيا، وللأسباب ذاتها تعارض أديس أبابا هذه الاتفاقيـة .
ومع التوجهات القوميـة العربيـة التي تبناها الرئيـس المصري الراحل جمال عبد الناصـر، دخلـت العلاقات المصرية الإثيوبية منعطفاُ تاريخياً أكثر تشدداً، خاصة فيما يتعلق بتأميـن مياه حوض النيل، وكان النظام الملكي في أديس أبابا قد اعتبر تلك التوجهات تهديداً خطيراً لاستقرار حكمـه، ولذلك قطـع علاقات التعاون مـع الرئيـس عبد الناصر، مما أجبر مصر على البحث في وسائل أخرى لحمايـة نفوذها في منطقـة النيل الأزرق.
وربما لا تفـوتنا الإشـارة إلى تأثيرات الحرب الباردة وانعكاساتها السالبة على تأجيج التوتر للعلاقات المصرية الإثيوبية خلال تلك الحقبة التاريخية، حيـث كانت القارة الإفريقيـةـ بما لها من أهميـة استراتيجية واقتصادية كبيـرة معتركاً للتنافس بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.
وقد شهدت بدايـة حقبـة السبعينات من القرن العشـرين تراجعاً نسبياً في حـدة الخلافات المصرية الإثيوبية حول مياه النيل، نتيجة للتحولات الكبرى في الخارطـة السياسية الإثيوبية، المتمثلـة في الإطاحة بالنظام الملكي، من قبل مجموعة من ضباط القوات المسلحة التي استولت على الحكم عام 1974م.
وفي تلك الفترة لم يعد عبد الناصر حاكماً لمصر، وقد تغيـرت الأولويات السياسية للدولة مع وصول أنور السادات للسلطة، خاصة وأن إثيوبيا لم تعـد في وضع يسمح لها بمنافسة مصر، نتيجة للصراعات الداخلية بجانب الحرب الإريترية من أجل الاستقلال، وبالتالي تراجع اهتمامها بقضايا مياه النيل.
ولكن النـزاع المصري الإثيوبي، عاد إلى السطح مجدداً بحلول عام 2011م، عنـدما بدأت إثيوبيا في أنشـاء سد النهضـة على النيل الأزرق بالقرب من حدودها مع السودان، وتزامن ذلك مع متغيـرات سياسية محلية وإقليمية في مصر والمنطقة العربية .
المخاوف المصرية:
لقد أثـار مشـروع سد النهضة مخاوف جـدية لدى دول المصـب ولدى مصر على وجـه الخصـوص، ومنذ البدايـة طالبت القاهرة بضـرورة الفحص والتفتيـش على تصميم السـد وكافة الدراسات المتعلقـة بالمشـروع، غيـر أن الجانب الإثيوبي رفض هـذا الطلب ما لم تتنازل مصـر حق الاعتـراض على إعادة توزيـع ميـاه النيـل.
وتعتبر مصر ضمن الدول الصحـراوية في شمال قارة إفريقيـا وليس لها مصـدر مائي غيـر نهـر النيل، واحتياجاتها للمياه تتزايد مـع تزايد عدد السكان ومع مشاريع التوسيع الأراضي الزراعيـة، وهي ترى أن مشروع سد النهضـة، سيقلـص حصتها من ميـاه النيـل بنسبـة تصـل إلى 15 مليار متر مكعب سنويـاً، مما يسبب في تخفيـض الطاقة الكهرومائيـة المنتجـة من السـد العالي بنسبـة تصل إلى 20 بالمئة، فضـلاً عن تقليص الرقعة الزراعيـة بمعدل مليون ونصف فدان.