مآلات أزمـــــة ســــد النهضــــة والسيناريوهات المحتملة للحل(الجـزء الأول)
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/07/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 40
مقدمـة:
من حقائق التاريـخ أن نـزاع البشريـة حـول الموارد المائيـة ليس أمراً جديـداً في العالم وكذلك الحال بالنسبـة لملف الميـاه في حوض النيـل، حيـث يُعـدّ إحـدى الأزمات التاريخيـة بالمنطقـة ذات الصلـة بالأمـن القـومي.
ومـع أن مطالبـة إثيـوبيا وبعـض دول المنبـع لنهـر النيـل بإعـادة توزيـع حصص الميـاه ليسـت وليـدة اللحظـة، إلا أن قضيـة سـد النهضـة أصبحـت من أكثـر القضـايا إثـارة للجـدل والخـلاف بيـن دول حوض النيـل، نتيجـة لاعتبـارات تاريخيـة وسيـاسية واقتصـادية وأمنيـة عـلاوة على السريـة والغموض وغيـاب الشفافيـة من قبـل الطـرف الإثيـوبي حـول أهـداف وطبيعـة المشــروع.
وتحـاول هـذه الورقة عكـس طبيعـة الخلافات حـول قضيـة سـد النهضـة وأبعـادها السياسيـة والاقتصـادية والقانونيـة والأمنيـة من خلال تسليـط الضـوء على تفاعـلاتها المختلـف على الصعيـدين الإقليمـي والدولي، واستعـراض أهـم السمـات والخصائص المميـزة لمسـيرة بنـاء سـد النهضـة خـلال السنـوات الماضيـة.
واحـد مـن أهم أغـراض هذه الورقـة هو الإمسـاك بأهـم العناصـر التي أدت إلى تصاعد وتيـرة الخلافات بيـن دول حـوض النيـل وتفاقـمها بهـذا الشكـل، كمـا تهـدف هـذه الورقة إلى رؤيـة مستقبليـة لمآلات الأزمـة من خـلال تحليـل المؤشـرات والمعطيات الراهنـة والتعـرف على موازيـن القـوة لدى أطـراف الأزمـة، وكذلك الدور المستقبلي لكـل من إثيـوبيا ومصـر والسـودان في ملف سـد النهضـة، مـع اعتبـار الظروف التاريخيـة الجديدة والمتغيرات الإقليميـة والدوليـة الراهـنة.
ولـذلك فإن هـذه الورقة ستركـز فعـلاً على المكونات الأساسية لأزمـة سدة النهضـة وأبعادها الرئيسيـة، ولن تتعرض للتفاصيل الجزئيـة إلا في إطار القضايا الكليـة وما يخدمهـا.
مدخـل تمهيـدي:
قبـل الولوج في صلـب الموضـوع لا بـد لنا من ضبـط المفاهيـم وتوضيح دلالاتهـا، لأن ذلك يعـد مسـألة في غايـة الأهمية، باعتبـارها الخطـوة الأولي التي من خلالهـا يتسنـى لنـا تحـديد مدلولات المصطلحات ذات العـلاقة بموضـوع الدراسـة، كمفهـوم الميـاه والأنهـار والمجاري المائيـة وحوض النيـل ودول المنبـع والمصـب وغيـرها من المصطلحات ذات الصلـة، ويتـم ذلك على النحـو التالي:
• تعريف الميـاه:
يعـد الميـاه أحـد المقومات الأساسيـة لحيـاة الإنسـان وجميـع كائنـات الحيـة الأخـرى، لذا لا يمكن العيش والتطور من دونها، لأن التقدم والتطور الحضاري والتكنولوجي في أرجاء المعمـورة المختلفة يعتمـد بشكل أسـاسي بإمكانية الحصول على الماء واستغلاله؛ ولذلك عـرف بعض العلمـاء الحيـاة بأنها ظاهـرة مائيـة.
وإلى جانـب ذلك يتسم الماء بخصائص قانونية أخرى بكونه (حق) لكل إنسان ولهذا فقد نصـت اغلب الدساتير الوطنية إلى تنظيم هذه الثروة وبيان أحكام ملكيتها وكيفيـة استغلالها وحمايتها من خطر التلوث والاستنزاف.
• المفهـوم العام للنهـر:
يقصد بالنهر بصورة عامة تلك المجاري المائية التي تتكون من منابع النهر ومجاري المياه وما يتصل بها من بحيرات، وما يسير به مجراه يكون حوضاً واحداً ينتهي في بحر أو بحيرة داخلية تسمى المصب، ويدخل فيه مجاري المياه التي تسير تحت الأرض وتكون متصلة بالنهر “أي المياه الجوفية.
• نهـر النيـل:
لقـد عرفت موسوعـة ويكيبيـديا بنهـر النيـل: بأنه أطول أنهـار الكرة الأرضيـة ويقـع في الشمال الشـرقي للقارة الإفريقيـة وينسـاب إلى جهـة الشمـال حيـث يبلـغ إجمالي طوله نحـو 6650 كـم.
ويتكـون النيـل من رافديـن رئيسييـن يقـومان بتغذيتـه وهما: النيـل الأبيـض وينبـع من منطقـة البحيـرات العظمي وسط إفريقيـا، والثاني هـو النيـل الأزرق وينبـع النيـل من بحيـرة تانـا على مرتفعات إثيـوبيا، ويجتمـع النيـلان الأبيض والأزرق في العاصمـة السودانيـة الخرطوم، ليشكلا معـاً نهـر النيـل متوجهـاً لمصـر حتى مصباته في البحـر الأبيض المتوسـط.
• حوض النيـل:
حوض النيـل هو مصطلح يطلق علي عشـر دول إفريقيـة يمر بها نهر النيـل بالإضافة إلى إريتريـا كمراقب، سـواء تلك الدول التي يجـري مسـار النيـل مختـرقاً أرضهـا، أو تلك التي يوجـد على أراضيهـا منابـع نهـر النيـل، أو تلك التي يجـري عبـر أراضيها الأنهـار المغذيـة.
• سـد النهضـة:
سـد النهضـة أو سـد الألفيـة الكبيـر كمـا يطلـق عليـه الإثيـوبيـون هو سـد إثيـوبي يجـري انشـاؤه على نهـر النيـل الأزرق بإقليـم بنيشنغـول جنوب غرب إثيـوبيا، وعنـد اكتمال تشييـده سـوف يصبـح أكبـر سـد كهرومائي في القارة الإفريقيـة، والعاشرة على مستوى العالم.
أولاً: المفهــوم والمرتكزات القانونيـة للأنهـار
مدخـــل:
بما أن الحكـم على الشيء يعـد فرعـاً من تصـوره، لذا فإن تكييف الطبيعـة القانونيـة لنهـر النيـل يعتبـر مسـألة بالغة الأهميـة سـواء فيمـا يتعلـق بإعطـاء التوصيـف القانوني السليـم لنهـر النيـل أو تحديد طبيعـة الحقـوق القانونيـة لدول الحوض في ميـاه نهـر النيـل.
لقـد صنف القانون الدولي العام الأنهار إلى نوعيـن رئيسييـن همـا؛ الأنهــار الوطنيـة والأنهـار الدوليـة، ويعرف القسـم الأول: بأنها تلك الأنهار التي لها مجرى مائي يقع من منبعه إلى مصبه في إقليم دولة واحدة كنهر البارد في لبنان ونهر السين في فرنسا ونهر التايمز في بريطانيـا.
فيمـا يعرف القسـم الثاني -أي الأنهـار الدوليـة- بأنها “تلك الأنهار التي تمر أحواضها بين إقليم أكثر من دولة،أو تلك التي تفصل بين إقليم دولتين” كما هـو حال نهـر النيـل من الأنهار الدولية باعتبـاره يمـر في إقليـم أكثـر من دولـة. وتخضع الأنهار الوطنية لسيادة الدولة التي يجري في إقليمها، وعليه فإنها وحدها لها حق تنظيم الاستفادة من مياهه، وفقا لما تقتضيه متطلبات التنمية الاقتصادية.
بينمـا تخضـع الأنهـار الدوليـة للمعاهدات والاتفاقيات الدوليـة التي حددت مفهـوم المجرى المائي الدولي وأوضحـت دلالاته القانونيـة والسياسية، وجلها قد أجمعت على ضـرورة تنظيم الملاحـة في الأنهـار المشتركة في أكثـر من دولـة، عن طريق الاستفادة المشتركة وتقاسـم مياهها فيما بيـن الدول المتشاطئـة وذلك طبقـاً لقـواعد القانون الدولي.
التوصيـف القانوني لنهـر النيـل:
وبناء على ما سبقـت الإشـارة أعلاه، فإن نهـر النيـل من الأنهار الدوليـة حيـث تشترك فيـه عشـر دول إفريقيـة يطلق عليهـا دول حوض النيـل، ويتـم تقسيمها إلى دول المنبـع وهي: أوغندا وإثيوبيا وبورونـدي وتنـزانيـا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وروانـدا وكينيا، ودول المصـب وهي مصـر والسـودان إضافـة إلى دولة جنوب السـودان.
وظهـرت أولى الاتفاقيـات لتقسيـم ميـاه النيـل عـام 1902م، وعقـدت بيـن إثيـوبيا وبريطانيـا بصفتها ممثلـة لمصـر والسـودان، وقـد نصـت الاتفاقيـة على عدم إقـامة أي مشـروعات على نهـر النيـل الأزرق وبحيـرة تانـا ونهـر السـوباط، ثم تلتها اتفاقيـات أخـرى، منها اتفاقيـة بيـن بريطانيـا وفرنسـا عام 1906م.
وفي عام 1926م، جـرت اتفاقيـة أخـرى بيـن مصـر وبريطانيـا ممثلة لكينيـا والسـودان وتنزانيا وأوغنـدا، وهـذه الاتفاقية تضمنت إقرار دول الحوض بحصـة مصر المكتسبة من ميـاه النيـل، كما نصت حق مصـر بالاعتراض في حالـة إنشـاء هـذه الدول مشروعـات جـديدة على نهـر النيـل وروافـده.
وبعـد استقـلال مصـر والسـودان في الخمسينات من القرن العشريـن، تم توقيـع اتفاقيـة نهر النيـل بالقاهـر في نوفمبر عام 1959م، وهي مكملـة لاتفاقيـة عام 1929م، وليست لاغيـة لها، وجاءت هـذه الاتفاقيـة استجابة للمتغيـرات الجديدة التي ظهـرت على الساحة أنذاك، وقد نصت على احتفاظ مصر بحقها المكتسب من ميـاه النيـل وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً، وكذلك حق السـودان المقدر بثمانيـة مليار متر مكعب سنوياً، كما نصت أيضاً على قيام مصر بإنشـاء السد العالي، وقيام السودان بإنشـاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال أخرى تلزم السودان لاستغلال حصتها من مياه النيـل.
وبما أن كل هـذه الاتفاقيات جـرت خلال حقبـة الاستعمـار الأوروبي الذي كان يسيطـر على دول حوض النيـل، فإن معظم هذه الدول ترفض تلك الاتفاقيات وتعتبرها جائرة في حقها لاستغلال مواردها المائيـة.
ومع استقـلال هـذه الدول ونيـل سيادتها، بدأت محاولات عديدة لتعديل هذه الاتفاقيـات للوصول إلى صيغـة مشتركة للتعاون بيـن الدول المتشاطئة على نهـر النيـل.
وفي عـام 1993م، توصل دول حوض النيـل إلى اتفاق تعاون تضمن إنشـاء أجنـدة عمل مشتركة للاستفادة من الإمكانيات التي يوفر لها نهـر النيـل.
وفي عـام 1995م، طلب مجلـس وزراء مياه دول حوض النيـل من بعض الجهات الدوليـة الاسهـام في تفعيـل التعاون ووضع آليات عمل مشتركة فيما بينهـا، ولهـذا أصبح كل من البنك الدولي وصنـدوق الأمم المتحـدة الإنمائي شركاء لدول حوض النيل.
وفي عام 1997م، قامت دول حوض النيـل بإنشـاء منتدى للحوار من أجل الوصول إلى أفضل آلية مشتركة للتعاون فيمـا بينها، وقدجـرى التوقيـع على الأحـرف الأولي لهـذه الاتفاقيـة في تنزانيـا في فبراير عام 1997م، وتم تفاعلها لاحقاً في مايو من نفـس العام، وسميت رسميـاً باسم “مبادرة حوض النيـل.
وتهـدف هـذا المبادرة إلى الوصول إلى تنميـة مستدامة في من خلال الاستغلال المتساوي والعادل لمياه حوض النيـل، وتنميـة المصادر المائيـة لنهـر النيـل وبشكل دائـم، لضمان الأمن والسلام لجميع شعـوب دول حوض النيل، فضـلاً عن ضرورة تطوير برنامج التعاون المشترك والانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيـذ.
وأبرز مجالات التعاون التي نصت عليها المبـادرة تمثلت بالاستخدام الأمثل للموارد المائيـة وحماية الأحياء المائية والغابات، واستئصال الفقر في إطار التنمية المستدامة وإنتاج الطاقة من أجل التنمية.