لم أحظَ برؤيتها .. ومرت سنون!!
محمد عبد القادر سعدال
آخر تحديث: 11/05/2016
بقلم: محمد عبد القادر سعدال / كاتب وصحفي صومالي
كنا في منتصف الفصل الدراسي السادس وانضمَّت إلينا. كانت واسعة الاطلاع أكثر منا، وهذا مما جعلني إلي جنبها، تشرَّفتُ بمعرفتها رغم التحديات التي وقفت في طريقي،! كانت مشاكسة أكثر من اللازم، وكنت فوضويا وساذجا أكثر مما ينبغي.!
في ذاك الصباح استيقظتُ مبكرا وذهبتُ إلى المدرسة كما جرت به العادة، لم تكن موجودة فكرت فيها، تساءلت: لماذا تأخَّرت وكانت أول من يأتي؟!، تفقَّدت حالتها ولم أعرف سبب غيابها، جلستُ إلى الكرسي متوتّرا، فإذا بورقة على طاولتي،!! أخذتها بحماس، وإذا برسالة منها مكتوب على ظهرها: إلى روح قلبي، إلى شريان دمي.!
قالت: إن كلماتها من قلبها، وإنها تبوح لي بما لم تستطع إخبارى به سنوات عدة، وإنها متأكّدة من أن عندي نفس الشعور الذي هو عندها، إلا أنني خائف منها، تحدثت عن ليال وساعات مضت كنّا بها فرحين معا، قالت لي: أريد أن تحبني كما أحب أبي أمي، وأن تتزوَّجني كما تزوّج أحمد بحبيبته،! وأن نربي أولادنا كما ربَّيانا أبوانا.
يا حبيبي! قل لي هل أحببتني يوما؟! هل تتذكر ذاك اليوم الذي قلت لي إننا جميلان عندما ننسجم؟! هل تتذكر وهل تتذكر وتذكر عندما رأيتني يوم الخميس، وقلت لي أنت الأجمل، ما في الكون بأسره أحد مثلك.
اصطدمت برسالتها، وخفت أن يطلع عليها أبي دون علمي، كنت أحملها داخل دفتر الأدب، لأنه كان رفيقي الأقرب، لم أكن أدري ما الحب ولا كيف وُلدنا، ولا معنى العشق ولا كيف تزوج أحمد بحبيبته، هي كانت تعرف كل هذه المعلومات التى ذكرتُها مسبقا، وكنت التهف شوقا لسماع قصصها، أحيانا تروى لي غراميات علمي بوطرى الذي مات قبل قرن، وحفظت عن ظهر قلب الأغنية الصومالية:
هل كُتِبَ الحب بالدم التي تعود الي السبعينات وكانت تدندن دوما:
warqad ma isku dhiibnaa waayaha ku qorantay oo wadajirkeeni wehel ma u sameynaa wada kulenkeeni ma hoynaa wadeecada ma deynaa
هذه الأغنية تعود إلى ألبوم زينب عغي في الثمانينات، رغم صغر سنها إلا أنها تحفظ الكثير من الأغاني والقصص في ذاك القرن الغابر.
كنا دوما معا ولم أسأل تفسيرًا عن رسائلها التي لا جدوى لها، ولا هي سألتني عن رد رسائلها، لم تصبح تعساتي كما كانت فرحتي، كنت أتساءل دوما: لماذا هي معي دائما؟ لماذا لم تخلّ طريقي مثل الآخرين الذين كانو معنا أياما ومضوا إلى طريقهم!، لم أفهم آنذاك ماذا كانت تقول لي، كنت أشعر بأن أقوالها مثل قوانين الجاذبية، لذا كيف لغبيٍّ مثلي أن يفهم شخصا مثلها.
في آخر أيامي لدراستي الثانوية سمعت صديقا لي وهو يردد بيتي الشاعر القائل:
إني عشقتكِ واتخذت قراري** فلمن أقدم يا تري أعذاري
لا سلطة في الحُبّ تعلو ُسلطتي** فالرأي رأيي والخيار خــياري.
عندها فهمتُ ماذا كانت ترسل لي جميلتي الصغيرة التي لم أكن أفهم غايتها،! وعبثا حاولت البحث عنها سنين.
الليلة أعشقها ولا أدري رأيها، لأنني لم أعد ذاك الطفل الذى أحبَّت، ولا صديقها الذى تمنَّت… مرَّت سنون ولم أحظ برؤيتها لا هي ولا رسائلها.