لماذا تخشى كينيا من التحكيم الدولي في نزاعها مع الصومال؟

صفاء عزب

آخر تحديث: 8/09/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- يترقب المجتمع الدولي باهتمام شديد ما ستسفر عنه جلسة محكمة العدل الدولية الخاصة بالنظر في النزاع الحدودي بين الصومال وكينيا والفصل فيه، والتي تأجلت مؤخرا لشهرين آخرين بناء على طلب كينيا بعد أن كان مقررا لها أن تنعقد خلال شهر سبتمبر الجاري. وتعد هذه القضية من الموضوعات الحساسة التي رفعت حرارة الأجواء الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي خاصة في ظل الإجراءات الإستفزازية التي يمارسها الطرف الكيني ضد الصومالين والتي تشبه الرد العقابي من جانبها على لجوء الصومال للتحكيم الدولي لعرض قضيته وإثبات حقه. ففي الوقت الذي سلك فيه الصومال المسلك القانوني المتحضر لحسم نزاعه الحدودي مع الجارة كينيا على طاولة التحكيم الدولي بمقر محكمة العدل الدولية، تستميت كينيا في بذل جهود جبارة لطرق كل الأبواب التي من شأنها أن تثني الصومال عن الإستمرار في هذا المسلك وسحب القضية من المحكمة الدولية، وكان آخرها تقدمها بطلب تأجيل جلسة الإستماع قبيل أيام قليلة من انعقادها، وهو الطلب الذي قوبل بالإستجابة من قبل محكمة العدل الدولية. ويبدو موقف كينيا من التحكيم الدولي والإلحاح على تجنب اللجوء إليه أمرا غريبا على الرغم أنه إحدى الوسائل المشروعة لحسم المنازعات بين الدول وفقا لقواعد القانون الدولي المعمول بها في مختلف أرجاء المعمورة، الأمر الذي يثير علامة استفهام كبرى حول أسباب مخاوف كينيا من التحكيم الدولي في نزاعها مع الصومال!!

لقد شهد هذا العام 2019 العديد من المواقف والخلافات التي أثارتها كينيا وافتعلت من خلالها أزمات مع جارتها الصومالية على خلفية النزاع الحدودي بينهما، بدأت بأزمة شهر فبراير حينما قامت باستدعاء سفيرها بالصومال لوكاس تومبو، وطلبت من نظيره الصومالى لديها محمد محمود نور العودة إلى مقديشو للتشاور مع حكومته، وذلك اعتراضا على قرار حكومة مقديشو بإقامة مزاد في لندن لطرح مناطق امتياز تضم خمسين حقلا لاستكشاف النفط والغاز فى منطقة تقع فى محور نزاع حدودى بحرى فى المحيط الهندى وزعمت أنها تتبعها.

ومع ذلك حينما تدخلت أطراف دولية وإقليمية للتهدئة تعسف الجانب الكيني في اشتراطاته التي حاول فرضها على الجانب الصومالي حتى “يقبل” بعودة العلاقات!! حيث وضعت كينيا حزمة من الشروط كان أولها موافقة الصومال على حل النزاع في الحدود البحرية بين البلدين بشكل ودي بعيدا عن محكمة العدل الدولية. كما طالبت كينيا الصومال بالتراجع عن عملية بيع حقول النفط والغاز ب”الأراضي الكينية” والإعتراف أمام شركات النفط العالمية بأن الصومال لا يمتلك هذه الحقول!! وجاء الرد الصومالي حاسما بتأكيده أن خرائط الحقول النفطية التي قام بعرضها في مؤتمر لندن لم تشمل أراضي كينية. كما أكد تمسك الصوماليين بحل النزاع على الحدود البحرية بين البلدين في محكمة العدل الدولية.

على صعيد آخر حاولت كينيا ممارسة ضغوطها على الصومال من خلال بعض المناورات والمواقف المزعجة والمثيرة لقلق الطرف الصومالي حتى يتراجع عن موقفه ويسحب القضية من المحكمة الدولية، وذلك بنجاح مساعيها في اختيارها لرئاسة العمليات البحرية الخاصة بمكافحة القرصنة في الصومال خلال العامين المقبلين، وهو القرار الذي اعترضت عليه الحكومة الصومالية حيث ألمح وزير الخارجية الصومالي أحمد عيسى عوض لخلفيات الموقف الكيني قائلا “لا توجد قراصنة هنا في الصومال، يوجد نزاع بحري بين كينيا والصومال”.

ومع اقتراب الموعد السابق لجلسة الإستماع في قضية النزاع أمام محكمة العدل الدولية تأزمت الأجواء في كينيا وشهدت الساحة السياسة الداخلية جدلا ساخنا مشوبا بتخوفات من توابع التحكيم الدولي في النزاع مع الصومال، الأمر الذي دفع البرلمان الكيني لمطالبة الحكومة بإرسال خطاب احتجاج إلى الأمم المتحدة لالتماس الحد من ولاية محكمة العدل الدولية في النزاع على الحدود البحرية، وذلك بزعم أن الصومال انتقل إلى محكمة العدل الدولية دون استنفاد آليات بديلة لحل المنازعات بموجب القوانين الدولية للبحار.

ومع إصرار الصوماليين على المضي قدما في عرض قضيتهم على هيئة محكمة العدل الدولية، ارتفعت نبرة الإستفزاز الكيني لجيرانهم نحو مزيد من العنف حينما قامت قوات كينية بتدمير مقر لشركة هرمود للاتصالات في منطقة “عوس قرن” في إقليم غدو جنوب غرب الصومال مما تسبب بأضرار جسيمة بالمقر وأجهزة الشركة الموجودة فيه وأثر على حياة سكان إقليم غدو.

وجاء الرد الصومالي على لسان عبدي عنشور حسن وزير البريد والاتصالات والتكنولوجيا بمطالبة بعثة الإتحاد الإفريقي المشاركة في التحقيقات التي تجريها الحكومة الصومالية في هجمات القوات الكينية المتكررة، مشيرا إلى ضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة ضد “الأعداء الذين تجرأوا على استهداف الاقتصاد والتجارة في الصومال بشكل مخالف للقوانين العالمية”، على حد قوله.

تحاول كينيا استغلال الظروف الأمنية الحرجة بالصومال للتدخل بممارسات عنيفة بزعم مواجهة جماعة الشباب، وقد حاولت استغلال الموقف للتسلل إلى الأراضي الصومالية خاصة عندما لجأت لبناء جدار عازل بينها وبين الصومال على حساب أجزاء من أراضي صومالية بحجة حماية نفسها من الإرهاب. ولم تكتف بذلك بل حاولت خلق رأي عام أممي لاستعداء المجتمع الدولي ضد الصومال مستغلة ترشيحها لشغل مقعد في مجلس الأمن، ومن هناك بمقر الأمم المتحدة تزعمت كينيا معركة حامية قاتلت فيها بكل شراسة لتشديد العقوبات على الصومال في المناطق التي تسيطر عليها جماعة “الشباب”. فقد طالبت كينيا بتطبيق القرار 1267 على حركة الشباب الصومالية، والذي يفرض عقوبات على القاعدة وتنظيم “داعش” والجماعات التابعة لهما، وهو الأمر الذي تصدى له الصومال بقوة بدعم من الكويت وبولندا وبلجيكا (الثلاثي الأعضاء في لجنة الأمم المتحدة المعنية بفرض عقوبات على الصومال) إضافة إلى ألمانيا وفرنسا وأمريكا، وسبب الموقف الصومالي الرافض لهذا القرار يرجع إلى التخوف من أن يؤدي إلى تجريم تقديم مساعدات من جانب الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية إلى هؤلاء السكان الصوماليين الذين يقعون في مناطق سيطرة جماعة الشباب.

ولا شك أن تبني كينيا لهذا الموقف ضد الصومال يأتي في إطار محاولاتها المتكررة للضغط وإثناء الصوماليين عن قضيتهم سيما في ظل المساعي الكينية الحثيثة للجوء إلى مفوضية الإتحاد الإفريقي ومطالبتها بالتوسط لحل نزاعها البحري مع الصومال بديلا عن محكمة العدل الدولية.

جدير بالذكر أن الجارتين كينيا والصومال كانتا تتعاونان لفترة طويلة في حربيهما ضد الجماعات المتشددة وأعمال العنف الخطيرة التي راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء في كلا البلدين، حيث قامت هذه الجماعات بأكثر من هجوم دموي في مناطق داخل كينيا والصومال بالإضافة إلى هجمات متكررة في المناطق الحدودية المشتركة، إلا أن النزاع الحدودي المثار حاليا والموقف الكيني المتعسف في مواجهة إصرار الصومال على التحكيم الدولي، يهدد بإصابة هذا التعاون في مقتل، وهو ما يعني فرصة ذهبية لجماعة الشباب وغيرها من الجماعات الخطيرة في ارتكاب مزيد من الجرائم الإرهابية واستغلال الثغرات الأمنية الناتجة عن هذا الخلاف في السيطرة على مزيد من الأراضي.

يعتبر النزاع الصومالي الكيني من أقدم النزاعات الحدودية في القارة السمراء ويرجع إلى عام 1948 نتيجة السياسات الإستعمارية في تقسيم الأراضي وفق مصالحه دون مراعاة شعوب المنطقة. كما شهد هذا النزاع تحولات متتابعة خاصة بعد ظهور النفط في منطقة النزاع، وكانت كينيا هي من بدأت في التعدي على الحقوق الصومالية حينما طالبت شركات عالمية 2012 بالتنقيب عن النفط في المنطقة محل النزاع مع الجارة الصومالية ودون موافقتها، وهو ما أثار غضب الصوماليين وقتئذِ، فقام الصومال باللجوء للتحكيم الدولي عام 2014 لاختصام الجانب الكيني والفصل في النزاع المشترك.

لذلك يبدو الموقف الكيني الرافض لهذه الخطوة أمرا غريبا ومثيرا للجدل، على الرغم مما أبداه الطرف الكيني من مبررات تمثلت في أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي وقع عليها البلدان، تلزم الدولتين بتسوية نزاعاتهما الحدودية خارج المحكمة. إذ إن الصوماليين لم يلجأون للتحكيم الدولي إلا بعد طرق مختلف أبواب التفاوض والمحادثات المشتركة مع طرف النزاع، في إشارة إلى حرص الصومال الدائم على علاقاته بالجيران.

ويحاول الكينيون توجيه بعض التهم المسيئة لهيئة محكمة العدل الدولية بغرض التشويه والتشكيك في نزاهتها بدعوى أن رئيس المحكمة صومالي، بينما يؤكد الواقع نزاهة المحكمة وأعضاءها ورئيسها الصومالي الدكتور عبد القوي يوسف المشهود له بالكفاءة وأحد خبراء القانون الدولي العالميين وله العديد من الكتب في القانون الدولي المنشورة باللغات الإنكليزية والإيطالية والفرنسية. ويعتبر كتابه standard setting in unecso من أهم الكتب التي كرست تشريعات المنظمات الدولية

ومن ثم فإنه لا يصح لأي من المسؤولين الكينيين التشكيك في نزاهة المحكمة والطعن في حكمها بشأن الخلاف مع الصومال قبل أن يصدر أو إثارة التوتر لتخويف الخصم وإرهابه والتلميح بعدم تنفيذ حكم المحكمة لو صدر لصالح الصومال.

إن كينيا تدرك جيدا أن هناك حقوقا لجارتها الصومال وانها لو نجحت في استردادها بموجب الحكم الدولي المؤسس على أدلة وقرائن قانونية حاسمة فهذا يعني خسارة كينيا ما يقرب من 26% من منطقتها الإقتصادية المهمة بالإضافة لفقدان 85% من الجرف القاري بالإضافة إلى الوصول إلى المياه الدولية، لذلك تخشى كينيا من التحكيم الدولي.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال