كيف يستفيد الصومال من انفتاحه على الغرب ؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 12/06/2019
القاهرة- يعد الصومال من الدول المهمة التي تحتضنها منطقة الإفريقي وذلك لما يتمتع به من أهمية سياسية واقتصادية وموقع استراتيجي، حيث يطل على البحر الأحمر وخليج عدن ويحظى بسواحل بحرية ومنافذ ساحلية ممتدة. كما تحتوي الأرض الصومالية على العديد من الموارد الطبيعية والكنوز الثمينة التي تؤهل الإقتصاد الصومالي لتحقيق تطور كبير عندما يستكمل استقراره الأمني. ومن هذا المنطلق يحتفظ الصومال بعلاقات دولية مع مختلف دول وكيانات العالم. وعلى الرغم من الإنعكاسات السلبية التي أحدثتها الظروف السياسية والأمنية التي يمر بها الصومال خلال فترات زمنية مضت على علاقاته الدولية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت حالة من الإزدهار والإنتعاش في علاقة الصومال بغيره من دول العالم إقليميا ودوليا.
وعلى الصعيد الدولي شهدت علاقة الصومال بالغرب تطورا ملحوظا وانفتاحا كبيرا على العديد من الدول الغربية والدخول معها في علاقات تعاون سياسي واقتصادي في إطار السعي لفتح آفاق واسعة تعود بالنفع على الشعب الصومالي. وكانت عودة العلاقات الصومالية الأمريكية في نهايات عام 2018، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من القطيعة، من أهم المحطات في علاقات الصومال بالعالم الغربي، حيث أعلنت هيذر نويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن بلادها استأنفت وجودها الديبلوماسي بالصومال بتعيين دونالد ياماماتو كأول سفير بمقديشيو منذ اشتعال الحرب الأهلية بالصومال عام 1991. و ذكرت الخارجية الأمريكية أن استئنافها لعلاقاتها مع الصومال يأتي في إطار الإلتزام الأمريكي بالعمل على دعم الإستقرار والديمقراطية والتنمية الإقتصادية في البلاد.
وعلاقة الصومال مع أمريكا علاقة تعود لعقود طويلة، ففي ستينيات القرن الماضي حول الرئيس الأمريكي إيزنهاور قنصلية بلاده بالصومال إلى سفارة تأكيدا على الإهتمام الأمريكي بدعم العلاقة مع الصومال لدحض أي تواجد سوفييتي آنذاك بالمنطقة خلال فترة الحرب الباردة. وتطورت العلاقة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بين أمريكا والصومال واتخذت صورا عديدة في محاور اقتصادية وسياسية وعسكرية. وحصل الصومال على منح ومعونات مالية أمريكية خلال تلك الأثناء منها 20 مليون دولار قدمتها واشنطن لمقديشيو في فترة حكم جورج بوش للنهوض بالإقتصاد الصومالي إضافة إلى كمية الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة في إطار التعاون العسكري المشترك مع الصومال. إلا أن هذا التعاون قد تبددت معالمه مع اشتعال الحرب الأهلية بالصومال وانتشار الفوضى. ومع بداية العقد الثاني في الألفية الثالثة وتحديدا عام 2011 ظهرت إرهاصات لاستئناف تلك العلاقات من جديد من خلال مظاهر الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لمساعدة الصومال وبلغ إجمالي مساعداتها المالية للصومال 1.3 مليار دولارا كمساعدات إنسانية و328 مليون دولارا كمساعدات إنمائية. ووصلت المساعدات الأمريكية قمتها عام 2012 حيث بلغت 469 مليون دولار.
ويعد عام 2013، بداية عودة تطبيع العلاقات الأمريكية الصومالية بعد لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون مع الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود. وكان عام 2017 من المحطات المفصلية في العلاقات الأمريكية الصومالية عندما أقر البنتاغون في شهر مارس عام 2017 خطة لمنح صلاحيات للقوات العسكرية الأمريكية بشن حملة ضد حركة الشباب بالصومال ومن ثم تخويل الجيش الأمريكي في تكثيف هجماته العسكرية ضد “الشباب” بالصومال إلا أنها أحدثت ردود أفعال متضاربة لتسببها في مقتل العديد من المدنيين في مناطق متفرقة من جنوب البلاد، وخاصة في محافظات شبيلى السفلى ووادى جوبا وغدو. تواكبت هذه الهجمات العسكرية الأمريكية مع تقديم مساعدات مالية كبيرة. ففي نهاية عام 2017 أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ((USAID عن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية لاتفاقية تنموية بقيمة 300 مليون دولار مع الصومال.
على المستوى الغربي الأوروبي تشهد العلاقات الصومالية الأوروبية تطورا ملحوظا في الفترات الأخيرة وكانت المشاركة الفعالة للصومال وكلمة الرئيس محمد عبد الله فرماجو في القمة العربية الأوروبية شاهدا على ذلك ومؤشرا واضحا على تنامي العلاقات الصومالية الأوروبية وتعزيز التعاون المشترك. وفي هذا الإطار تأتي أهمية انعقاد المؤتمر الإقتصادي الإقليمي لدول شرق إفريقيا الذي أعلن ديبلوماسيون بالإتحاد الأوروبي عن إقامته في يوليو المقبل بهدف تعزيز التنمية المستدامة والسلام في المنطقة. وقد جاء الإعلان عن هذا الحدث في مقديشيو أثناء الإحتفال بيوم أوروبا حيث ذكر فولجنسيو جاريدو رويز القائم بالأعمال بالإتحاد الأوروبي لدى الصومال أن المؤتمر يتم تنظيمه بالاشتراك مع البنك الدولي والحكومة الإثيوبية حيث يعقد فيها، مع التركيز على معالجة البنية التحتية في قطاعي الطاقة والنقل، والتجارة، لدى الصومال وإثيوبيا وإريتريا. تواكب ذلك مع قيام الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجريني، بزيارة للصومال ضمن جولاتها لمنطقة القرن الإفريقي والتقت برئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري وزارت بعثة الإتحاد الأوروبي التدريبية بالصومال، وذلك في إطار تكثيف الإتحاد الأوروبي لنشاطه وتعاونه مع دول القرن الإفريقي.
وكان الإتحاد الأوروبي قد أعلن مؤخرا عن تعيين نيكولاس بيرلانغا مارتينيز سفيرا لدى الصومال والذي التقى وزير خارجية الصومال وأشاد بالعلاقات الثنائية بين الطرفين، كما أكد الوزير الصومالي أن الاتحاد الأوروبي هو أحد الشركاء الأساسيين في مشاريع التنمية وإعادة الإعمار لبلاده.
والتقى سفير الإتحاد الأوروبي أيضا برئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين الصومال والاتحاد وتفعيل المشاريع التي ينفذها الاتحاد في الصومال. كما ترأس خيري اجتماعا شارك فيه سفير الاتحاد الأوروبي وقيادة الشرطة الصومالية لبحث تطوير الشرطة، باعتبار أن الإتحاد الأوروبي يعتبر من الداعمين الأساسيين للشرطة الصومالية لتعزيز قدراتها ومهاراتها في حفظ الأمن.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية يحظى الصومال بعلاقات طيبة مع المملكة المتحدة منذ استئناف علاقتهما الديبلوماسية عام 2012 حيث كانت المملكة المتحدة من أوائل الدول الغربية التي سعت لإقامة علاقات بالصومال. وقد أعلنت مؤخرا عن تعيين سفير جديد لها في مقديشيو هو السفير بينجامين جيمس فيندر ليكون هو السفير الخامس خلال تلك الحقبة. وقد اجتمع بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السفير أحمد عيسى عوض وناقش معه التعاون في مجالات الأمن والعسكرية والاستثمار والتنمية الاقتصادية وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وتحت مظلة العلاقات الصومالية الغربية زارت وزيرة الخارجية النرويجية إين إريكسن سوريد مقديشيو مؤخرا وأجرت محادثات مع رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري بهدف تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين.
إلى جانب ذلك فإن الشركات الأجنبية العملاقة والمستثمرين الاجانب بالصومال يمثلون محاور مهمة وأوجه متعددة للتعاون الصومالي مع الغرب سواء مع الدول أو مواطنيهم من أصحاب الشركات الكبرى والعاملة في مجالات متنوعة أهمها التعدين والتنقيب عن البترول والعاملين في مجال التجارة والخدمات.
وفي جميع الحالات فإن أي تعاون بين الصومال وأطراف خارجية يعد أمرا إيجابيا بل ومتطلبا أساسيا لفتح نوافذ جديد تدعم الإقتصاد الصومالي وتحقق مصالح الشعب إلى جانب تعزيز مناخ الإستقرار الأمني، وهي مسألة تحتاج إلى تضافر جميع الجهود الدولية وليس جهود الصومال وحدها ومن هنا تأتي أهمية التعاون مع الغرب كأصحاب تجارب اقتصادية وديمقراطية ناجحة ومتنوعة ومع مختلف دول العالم ممن لديهم ما يقدمونه من تجارب مفيدة للصومال.
وعلى الرغم من معاناة الصوماليين من وجود أنشطة إرهابية لبعض الجماعات العنيفة ومنها جماعة الشباب وتأثير ذلك على إثارة مخاوف المستثمرين والبعثات الديبلوماسية في القدوم للصومال، إلا أن الأهمية الجيوستراتيجية والإقتصادية للصومال خاصة في ظل ما تشهده منطقة القرن الإفريقي من تحولات، يساهم في جذب الكيانات الدولية للتعاون معه والدخول في علاقات متنوعة سيما مع تحول الصومال إلى إحدى مناطق التنافس والصراع الإقتصادي بين الغرب الأوروبي والأمريكي والشرق الآسيوي. ولاشك أنها فرصة مهمة يجب استغلالها من قبل الصوماليين للإستفادة من هذا التنافس لتعظيم المكاسب الإقتصادية ورفع مستوى معيشة الشعب بعد سنوات طويلة من الفقر والجفاف والمجاعات شريطة العمل الجماعي على تهيئة البيئة الأمنية الملائمة والمشجعة على تحقيق التنمية على اختلاف وجوهها.