قرار محكمة العدل الدولية: انتصار للصومال في معركة قانونية إقليمية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 13/10/2021
حكمت محكمة العدل الدولية يوم أمس الثلاثاء الـ 12/أكتوبر/2021م، لصالح الصومال، في قضية نزاعها البحري مع كينيا، وذلك عندما قررت المحكمة وفقا للأدلة والمستندات والوثائق القانونية المقدمة إلى المحكمة، منح الصومال الجزء الأكبر من المنطقة المتنازع عليها في المحيط الهندي والغنية بالثروة النفطية والغازية والسمكية!
حظي قرار المحكمة بترحيب إجماعي من قبل الصومال، سواء على المستوى الشعبي والرسمي، وأقيمت المناسبات والمهرجانات الاحتفالية في البلاد ابتهاجا بالنصر التاريخي الّذي حققته الصومال من معركتها القانونية في إثبات ملكيتها لمنطقة شاسعة من المياه البحرية التي ادعت كينيا أحقيتها فيها!
عبّر قادة البلاد وزعماء الأحزاب السياسية، عن ابتهاجهم بقرار المحكمة في خطاباتهم أمام المناسبات التي أقيمت في العاصمة مقديشو احتفاء بما حققه الفريق الصومالي المدافع عن قضية النزاع البحري مع كينيا.
في خطاب متلفز له بهذه المناسبة، هنأ السيد فرماجو الرئيس المنهية ولايته، الشعب الصومالي بالحكم النهائي الصادر من محكمة العدل الدولية إزاء قضية النزاع البحري، داعيا في الوقت نفسه الحكومة الكينية إلى “احترام سيادة القانون الدولي والتخلي عن المطالبة بالسيادة على هذه المنطقة”.
وأشاد السيد فرماجو في خطابه بالدور الّذي لعبه سلفه السيد حسن شيخ محمود الرئيس الصومالي السابق الّذي تم في عهده تقديم القضية إلى محكمة العدل الدولية مما مهد لهذا اليوم التاريخي العظيم.
أشار السيد فرماجو إلى أن الحكومة الصومالية واجهت بسبب هذه القضية ضغوطات سياسية وأمنية واقتصادية من قبل القيادة الكينية التي حثها على أن ترى في قرار المحكمة فرصة لتقوية العلاقات بين البلدين.
من جانبه، أعلن السيد حسن شيخ محمود أن تحقيق النصر في هذه القضية إنجاز وطني حققه كافة الصوماليين، وأنه ليس مكسب سياسي خاص ينفرد به طرف من الأطراف السياسية، مؤكّدا في الوقت نفسه عدم وجود أي شخصية صومالية كانت ترضى باقتطاع مساحة من المياه البحرية الصومالية للجارة كينيا مهما كانت الولاءات والانتماءات السياسية، لكنه أقر بظهور معلومات مضللة أو متناقصة بين الحين والآخر، كان من شأنها تحضير بيئة مناسبة لنشر الإشاعات الكاذبة المشككة في الولاء الوطني لبعض القيادات السياسية الصومالية!
بدوره، أعلن أوهور كينياتا رئيس كينيا رفضه الكامل وعدم اعترافه بالحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، في خطوة اعتبرها البعض بأنها تأكيد للاتهامات التي وجهت بلاده قبل أيام إلى المحكمة الدولية والتي مفادها أن المحكمة تنحاز للجانب الصومالي وبالتالي لن تعترف كينيا بأي قرار صادر منها في هذه القضية!
واتهم كينياتا في بيانه المحكمة بأنها رفضت الاعتراف بالحقوق الأصيلة لكينيا في الدفاع عن أراضيها وأنها كانت تفرض إرادتها في حالة عدم الموافقة عليها.
رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية
في 28/أغسطس/2014م، قدّم الصومال شكوى رسميّة ضدّ كينيا لحل النزاع البحري بين البلدين، ومن هنا بدأت المعركة القانونية التي خاضتها الصومال للحفاظ على حدودها البحرية عبر المشاركة في جلسات الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية في الفترة ما بين سبتمبر 2016م، إلى مارس 2021م.
انسحبت كينيا من جلسات الاستماع الأخيرة “مارس 2021م” بعد رفض المحكمة لطلبها الثالث في تأجيل جلسات الاستماع لأسباب واهية وضعيفة، مما دعا المحكمة إلى المضي في عقد هذه الجلسات، على الرغم من الانسحاب الكيني، مكتفية بالاستماع ، إلى أدلة الطرف الصومالي في هذه المناطق المتنازع عليها.
هذا، وكانت الصومال الواقعة شرق كينيا، تطالب في هذه الجلسات بترسيم حدودها البحرية مع كينيا في استمرارية حدودها البرية في الاتجاه الجنوبي الشرقي، بينما كانت كينيا تريد ترسيم حدودها البحرية في خط مستقيم باتجاه الشرق، مما يمنحها مساحة بحرية أكبر.
في ال 12/أكتوبر/2021م، كان اليوم الّذي حدّدته المحكمة موعدا للبت في القضية، فأصدرت فيه المحكمة حكمها النهائي الّذي توج بالنصر معركة الصومال القانونية مع دولة من دول الجوار، مما أثلج صدور العامة والخاصة من المواطنين الصوماليين.
الآليات المتبعة في إصدار هذا القرار وطبيعة قرارات محكمة العدل الدولية:
أعلنت محكمة العدل الدولية عن عدم وجود حدود بحرية متفق عليها بين الصومال وكينيا، فوضعت حدودا جديدة بموجبها يمنح قرار المحكمة كينيا قسما صغيرا من المنطقة المتنازع عليها في حين كان الجزء الأكبر منها 80% تقريبا من نصيب الصومال.
أما طبيعة القرارات الصادرة من المحكمة الدولية فهي قرارات مبرمة لا يمكن استئنافها، على الرغم من عدم تملكها لوسائل إلزامية تفرض تطبيقها، إلا أنه يمكنها إحالة انتهاكات قراراتها إلى الأمم المتحدة.
آ ثار القرار وأصداؤه على الطرفين:
يمنح القرار الصومال مساحة بحرية غنية بالثروات السمكية والموارد النفطية والغازية، مما يوعد بتنمية اقتصادية، إذا ما روعي فيها الاستغلال الإيجابي لهذه المنطقة عبر تنفيذ مشاريع تنموية واقتصادية عملاقة وذلك بالتعاون مع الشركات التجارية الكبرى والدول الشقيقة أو الصديقة في تحقيق هذا الحلم.
كذلك قد يسبب القرار قلقا لدى الصومالييين الّذين لديهم مصالح تجارية في كينيا، إذ إن أي ردة فعل همجية من الكينيين الغاضبين عن القرار كفيلة بعرض حياة وأموال الجالية الصومالية هناك للخطر، خاصة، إذا وجدت هذه الجماعات الضوء الأخضر من السلطات الكينية سواء عن طريق التواطئ معها أو التقاعس عن حماية ممتلكات الصوماليين، وهو أمر محتمل وروده، ما لم تبعث السلطات الكينية رسائل طمأنة إلى الصوماليين، وتوجه في الوقت نفسه تحذيرا قويا إلى الكينيين الّذين يريدون الربط بين قرار المحكمة الدولية والمصالح التجارية للصوماليين بكينيا، علهم بذلك ينجحون في تسييس القضية وإخراجها من إطارها القانوني!
وفي الجانب الآخر، سيؤثر القرار سلبا على كينيا، حتى وإن لم تعترف بقرار المحكمة، ذلك أن الشركات التجارية المتعاقدة معها للعمل في هذه المناطق، من المحتمل أن تفسخ عقودها وصفقاتها مع الحكومة الكينية، مما يمثل انتكاسة اقتصادية كينية، كانت تحاول الفرار منها طيلة السنوات الماضية التي كانت قضية النزاع البحري في صدارة العلاقات الكينية الصومالية!