قراءة في قضايا التمثيل السياسي لمحافظة بنادر ومقام العاصمة مقديشو
سيد عمر عبد الله
آخر تحديث: 23/07/2020
في اليوم الـ 27 من شهر يونيو الماضي، صوت مجلس الشعب على إعطاء محافظة بنادر بـ 13 مقعدا في انتخاب مجلس الشيوح المقبل. وصوّت للقرار142 نائبا من أصل 275 نائبا في البرلمان (51.6%) واعترض أربعة نواب فقط بينما غابت بقية الأعضاء عن الجلسة لأسباب مختلفة. وجاء هذا القرارتجاوبا مع دعوة الرئيس فرماجو في شهر مايو الماضي المجلسين إلى إعطاء مقاعد خاصة لمحافظة بنادر في مجلس الشيوخ ورفع 113 عضوا من مجلس الشعب عريضة موقعة إلى رئاسة المجلس يطالبون فيها بتخصيص 13 مقعدا في مجلس الشيوخ لمحافظة بنادر. وبالإضافة إلى ذلك، تضمنت التوصيات الأربعة المقدمة من قبل اللجنة البرلمانية المشتركة المكونة من الـ 17 عضوا ( 10 من مجلس الشعب و7 من مجلس الشيوخ) والمشكلة من قبل المجلسين؛ إيجاد مقاعد سبعة لبنادر في مجلس الشيوخ كمقترح أولي. وكانت تلك التوصيات موجهة إلى البرلمان للاعتماد عليها وهي جزء من إكمال قانون الانتخاباب المعتمد من قبل المجلسين سابقا والموقع من قبل الرئيس في شهر فبراير الماضي.
وكانت قضايا إيجاد مقاعد تمثيلية لسكان بنادرفي مجلس الشيوخ وكذلك حسم مقام العاصمة مقديشوالمعلق في الدستور منذ 2000م من أكثرالقضايا تداولا في المشهد السياسي االوطني مؤخرا. وغالبا ما تأتي المقترحات والتوصيات المقدمة من وإلى الأطراف السياسية المختلفة بشأن هذه القضايا في المراحل التي تقترب فيها نهاية الفترة الدستورية للسلطات الحاكمة حيث يريد كل طرف من الأطراف السياسية المتنافسة سحب البساط من الآخر وخلط أجندته الانتخابية والحزبية بالعمل السياسي الوطني المشترك وإثارة القضايا التي تثير اهتمامات الشارع سعيا إلى كسب الثقة من المواطن أواستعادة الثقة الضائعة في فترة سابقة من الحكم استعدادا للانتخابات المتوقعة أن تتمّ وفق جدولها الزمني المقرّر في فبراير المقبل.
ويمكن القول بأن القرار يعد أحد الخطوات السياسية الهامة التي تحسب للنظام الحالي، وترك صدى واسعا قي نفسيات المعنيين بأمر التمثيل ولكنه لايمثل إبداعا سياسيا متقدما بقدرما هو تصحيح للموقف السياسي المختلف عليه بين الشركاء السياسيين (قادة الدولة والولايات) في 2015م وذلك في حين التشاورعلى تشكيل مجلس الشيوخ وتوزيع مقاعده . وفي ذلك الوقت، تمّ ترك بنادر وحدها في طاولة تقاسم مقاعد المجلس وتوزيعها من بين الولايات الفيدرالية وأعطي مقاعدها الثلاثة الخاصة بها إلى بعض الولايات الأخرى وتحديدا ولاية بونت لاند والمحافظات الشمالية ذات الوضع الخاص. ويمثل قرار مجلس الشعب خطوة نحو إقرارالحقوق السياسية لأهالي بنادر والوصول لاحقا إلى إمكانية الفصل بين بنادر كمحافظة ومقديشو كعاصمة في حقوقهما السياسية ووضعيتهما القانونية وهي من القضايا التي نوقشت سابقا في أكثر من منبر ومناسبة ولكنها لم تحسم بعد في إطار المجلسين خصوصا بعد التحول الذي حصل في المشهد السياسي وتبني النظام الفيدرالي في البلاد منذ 2004م.
وقد تكون الأسباب التي أدت إلى ترك بنادر في طاولة توزيع المقاعد مايلي :
- تباين وجهات النظر بين قادة الدولة الفيدرالية وشركائها في القرار في مرجعية التوزيع وفيمن يجب أن يوزع المقاعد وتحديدا في الجانب المتعلق بالاعتماد على المرجعية الديموجرافية القائمة أو المرجعية التاريخية التي كانت سائدة في فترة ما قبل انهيار الدولة عام 1991م ؟
- لم تكن محافظة بنادر في ذلك الوقت – ومازالت كذلك- ولاية مستقلة، لها إدارتها الخاصة. ويمثل النواب في مجلس الشيوخ الولايات الفيدرالية التي تمثل الواحدة منها إلى أكثر من محافظة وبالتالي لم يكن يوجد في بنادر وضعية قانونية مؤهلة بأن تتقاسم مع الولايات الفيدرالية في المقاعد التمثيلية القائمة على أساس الولايات المكونة من المحافظات.
- إن محافظة بنادر ليست منفصلة من حيث المساحة الجغرافية والحدود السياسية عن العاصمة مقديشو وربما تولي شخص واحد منصب محافظ بنادر وعمدة مقديشو يعكس على هذ الوضع المتداخل المبتدئ في عهد الحكم العسكري. وكان عند القيادة السياسية السابقة نوع من التخوف من أن يؤدي حسم هذا الأمرإلى إضعاف سلطة الدولة الفيدرالية في العاصمة أوبنادر التي تقوى سلطتها الفعلية في العاصمة. وقد يؤدي هذا الحسم إلى وجود إدارة منتخبة خاصة لبنادر تطالب بالمساواة في الحقوق والواجبات مع الولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية وقد ينتج عنه وجود مجلس آخر محلي وعمدة منتخب في مقديشو وهو أمريحتاج من الدولة إلى مراجعة حساباتها السياسية وأخذ الاستعدادات اللازمة لها وبالتالي أصبحت الأنظمة السابقة متقاعسة عن الذهاب إلى هذا المسار خشية حدوث مناكفة سياسية بين الدولة الفيدرالية وبين السلطات في بنادر واحتكاك سلبي بينهما يؤثر سلبا على الاستقرار غير المتين في العاصمة.
- إن معظم القيادة السياسية الموجودة في ذلك الوقت على مستوى الدولة كانت مهتمة بقضايا أخرى أكثرأهمية بالنسبة لها على اعتبار أنها كانت في ذلك الوقت في موسم السباق الرئاسي المقبل وبالتالي كانت تسعى إلى بناء قاعدة التوافق مع رؤساء الولايات الفيدرالية الأكثر نفوذا وتأثيرا في انتخاب أعضاء المجلسين ومن ثمّ أدخلت تلك القضية ضمن المسائل المتروكة أوالمؤجلة إلى مابعد موسم الانتخابات.
وكان الجميع يتوقع من أن يتم حسم هذا الأمرمع تبني النظام الفيدرالي وتشكيل الولايات الفيدرالية للفصل بين ماهو مشترك عن ما هو خاص بجزء معين من البلاد حيث إن محافظة بنادر تكون هي سلطة سياسية مستقلة تمثل ساكنيها دون النظر إلى الاعتبار القبائلي وتتقاسم مع الولايات الأخرى في المسؤليات المختلفة المقررّة في الدستور المؤقت وذلك بسبب وضعيتها التاريخية والسياسية أوالديموغرافية بينما الحسم في مقام ومكانة مقديشوهو أمر مرتبط بالبرلمان وسيؤدي التوافق بشأنه إلى إيجاد عاصمة موحدة للدولة الفيدرالية وبمعنى آخر، أن أمر تشكيل ولاية بنادر يكون جزءا من الولايات الفيدرالية وإيجاد ممثلين خاصين به هو شأن سياسي صرف أكثر مما هو قانوني وهو مرتبط بالمسؤلين السياسيين أساسا وليس بين البرلمان وأهالي بنادر.
وتفيد المادة التاسعة من الدستورالمعمول به حاليا والمتعلقة بمقام مقديشو، بأن عاصمية مقديشو ومقامها يدخل في الموادالتي يجب مراجعتها ضمن إطارالمراجعات الدستورية وسيصدرالبرلمان بعدها قرار بشأنها، مما يعني أن عاصمية مقديشو معلقة في الدستور وهي من ضمن المسائل التي ستدخل في التعديلات التي بين أيادي اللجنة المستقلة والبرلمانية. وتحدّد المادة الـ 72 من الدستور أن يكون الحد الأقصى لعدد مجلس الشيوخ 54 عضوا ويكون هذا العدد قائما على أساس المحافظات الـ 18 وأن يتم انتخابهم من قبل الشعب على مستوى الولايات ويكون التمثيل متساويا ومتوازنا. والقرار المتخذ مؤخرا في البرلمان هو ايضاحي ولم ينه الجدل الدائر حول اشكالية تمثيل بنادر القانونية والسياسية لأن تخصيص مقاعد تمثيلية من دون وجود هيكل تنظيمي وإدارة سياسية هي سابقة جديدة في العملية السياسية المعروفة وأن مجلس الشيوخ الذي جاء منه الاقتراح من الأول أعلن اعتراضه الصريح على القرار المتخذ من قبل مجلس الشعب ومن الصعب أن يتحول القرار إلى قانون نافذ مالم يتم موافقة مجلس الشيوخ قبل مصادقة رئيس الجمهورية.
والنقاشات الدائرة في مختلف المنابر السياسية وغير السياسية والمتعلقة بتمثيل بنادر ومقام مقديشو هي بداية لمسار قد يبدو أنه طويل، بل أنه ربما زاد من درجة المشاحنة السائدة بين الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي الهش وكشف مستوى عمق الأزمة الموجودة بين القوى السياسة الوطنية التي يبدو أنها متراكمة وليست وليدة اللحظة ولكنها في الوفت ذاته تعكس سعة المسافة بين النصوص الدستورية وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق القيادة والصعوبات القائمة بين النخب السياسية في البلاد سواء كانت تلك القيادة رسمية أوغيررسمية .
وتعتبر قضايا تمثيل محافظة بنادر ومقام مقديشو من أكبر القضايا السياسية تعقيدا وخلافا بين القوى السياسية الوطنية وشركاء القرار السياسي في البلاد . والأسباب التي يزيد تعقيدها المستمر هي التداخل التاريخي القائم بينهما واحتضانهما جميع المكونات الصومالية باعتيارها العاصمة وعدم وجود تشريع قانوني يعطي حقوقا سياسية خاصة لأهلها وساكنيها وغياب المحكمة الدستوية التي من المفترض أن تفسّر وتفصل المنازعات الدستورية وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت مقديشو من بين المدن الصومالية التي يشعر الجميع بأن له مساهمة فعالة في إعمارها أوتطوير مرافقها الحيوية أوالعيش الطويل في مديرياتها الـ 17 الحالية أو له ممتلكات ثابتة وغير منقولة.
وغالبا مايوجد خلط متعمد أوغير متعمد بين بنادر كمحافظة ومقديشو كعاصمة حيث يقصد بنادر المحافظة الأقدم من بين المحافظات الثمانية الأصلية فيما بعد الاستقلال وعهد الحكم المدني أوالثمانية عشر المتفرعة عنها وتمّ تأسيس وتوزيع المحافظات في عهد الحكم العسكري بشكل مجهول المعيار وبطريقة غيرمتوازنة أومتكافئة بينما الأمر ليس كذلك في عهد الحكم المدني حيث كانت الدولة تعين المحافظ بينما كان العمدة منتخبا من قبل المجلس المحلي . وفي عهد الحكم العسكري حدث تزاوج في السلطة بين محافظ بنادر وعمدة مقديشو مع أن الإثنين كانا في مدينة واحدة ويعملان في مبنى واحد ولكن بأدوار مختلفة. وكان المحافظ يعمل تحت سلطة وزارة الداخلية ويمارس مهام سياسية بينما عمدة مقديشو كان معينا من قبل رئيس الجهمورية ويعمل تحت سلطاته المباشرة وبالتالي كانت العلاقة بينه وبين الوزرات علاقة أفقية وليست عمودية .
وتشترك محافظة بنادر مع العاصمة مقديشو في معاناتها التاريخية المتراكمة من التمثيل البرلماني والسياسي الذي لم يكن يتناسب مع مكانتها السياسية وعدد سكانها وكانت أقل تمثيلا في البرلمان من بعض المحافظات التي يقل عدد سكانها من محافظة بنادر بكثيرجدا ، بل وكانت في بعض الأحيان أقل تمثيلا من المديريات التابعة في المحافظات وذلك في عهد الانتخابات والتعددية الحزبية. وفي عهد الحكم المدني ومابعده من حكم العسكر، كان السكان الأصليون يشعرون بعدم وجود حقوق سياسية خاصة لهم أوعدم إعطائهم أي اعتبار خاص ويعيش الآن في بنادر- مقديشو تقريبا ثلث سكان البلاد ويؤخذ من سكانها دون غيرها أكثر من نصف الإيرادات المالية التي يعتبر المصدر الرئيسي لميزانية الدولة الفيدرالية ولا تعيرها قيادة الدولة اهتماما كافيا بالنظر إلى المتغيرات الديموجرافية والسيواقتصادية التي حدثت فيها ويشعر سكانها نوعا من الأسى والأسف المستمرين تجاه الدولة الفيدرالية حيث إن القيادة السياسية في الأنظمة الانتقالية ومابعدها عطّلت بعض المكتسبات المحققة في العهود السابقة وتركت الموضوعين معلقين من دون حسم لأسباب لاتخلو من الإهمال والأنوية ووجود أولويات أكثر أهمية بالنسبة لهم.
وفي فترة رئاسة شريف 2009-2012م تمّ حل ّ المجلس المحلي الذي انتخب العمدة في مدينة مقديشو، وفي فترة رئاسة حسن شيخ التالية بعده 2012-2017م لم تكن بنادر ضمن أولوياته على ما يبدو مع أنه استطاع تشكيل ولايات ثلاثة أعضاء في الدولة الفيدرالية حاليا وأعطي في عهده الأعضاء الثلاثة المفترض تمثيلها لبنادر إلى محافظات أخرى! ولتحقيق هدف تشكيل إدارة خاصة لبنادر ليس من الشرط الذهاب إلى البرلمان بقدرما ينبغي التركيز على بناء القرار بجهد سياسي عملي يفضي إلى إيجاد وتأسيس ولاية او إدارة خاصة إقليمية لبنادر مبكرا حتى وإن أدى ذلك إلى الانفصال النهائي بين محافظة بنادر والعاصمة مقديشو والطلاق البائن بينهما ولكن في كلتا الحالتين لابد من الإدارك بأن القضيتين مرتبطتان ببعضهما البعض وأن تحقيق أحدهما سيؤدي إلى الوصول إلى الآخر كما أن العجز في تحقيق الواحد منهما سيلغي إمكانية تحقيق الآخرعاجلا ولابد كذلك من تغير الخطاب السياسي من أنا ولي إلى نحن ولنا وتوافر إرادة سياسية واضحة الهدف وتبني رؤية موحدة والتساؤل عن السبب أوالمسبًب في ترك بنادروحدها في طاولة بناء مجلس الشيوخ وتوزيع مقاعده سابقا وذر مقاعدها إلى بعض المحافظات .
سيد عمر عبد الله
باحث في الشأن السياسي الصومالي
Sayidomar40@gmail.com