قراءة في الاتفاقية المبرمة بين الصومال وأثيوبيا
الصومال الجديد
آخر تحديث: 17/06/2018
وصل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى مقديشو في 16 يونيو 2018م استجابة لدعوة من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو وبعد محادثات مطولة بين زعيمي الصومال وإثيوبيا تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين الجارتين توصلا إلى اتفاقية تتكون من 16 بندا .
ويمكن تقسيم ما ورد في الاتفاقية المبرمة بين البلدين إلى ثلاث قضايا رئيسية تتمثل في السياسة والأمن والاقتصاد، وفي الجانب السياسي اتفق الزعيمان على تعزيز العلاقات الثنائية وفتح مكاتب دبلوماسية وقنصلية في المدن الرئيسية في البلدين واحترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه واستقلاله السياسي ودعوة الأطراف الصومالية الفاعلة إلى العمل على وحدة البلاد وتماسكها وكذلك دعوة الدول الصديقة إلى المساهمة في بناء الدولة الصومالية، ورحبا بتشكيل لجنة التعاون المشترك على المستوى الوزاري لتعمل على تعزيز الأنشطة الدبلوماسية لرعاية التبادل الثقافي والرياضي والتعليمي.
وفيما يتعلق بالقضية الأمنية أقر الزعيمان بأن الأمن يشكل أولوية في تحقيق ما تم الاتفاق عليه خاصة ما يخص التنمية وتحقيق ازدهار البلدين ولذلك قررا التعاون في مكافحة الإرهاب والتعامل مع التحديات الأمنية، وأشادا بدور بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال وأبديا تطلعهما إلى الانتقال إلى المرحلة التالية المتمثلة في استلام القوات الوطنية الصومالية المسئولية الأمنية في بلادها.
وشغلت القضية الاقتصادية حيزا كبيرا في الاتفاقية المبرمة بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي فقد اتفقا على تعزيز حرية الحركة التجارية وتسهيل التكافل الاجتماعي بين البلدين لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية وتشجيع الاستثمار لتأمين مستقبل مزدهر لشعبي البلدين وإزالة جميع الحواجز التجارية والاقتصادية وتطوير الموانئ والطرق الرئيسية وتوفير موانئ رائدة في القارة الإفريقية في المحيط الهندي والبحر الأحمر وجذب الاستثمار الأجنبي والاستثمار في أربعة موانئ وبناء شبكات الطرق وتحفيز الاستثمار من خلال القطاع الخاص.
ومعروف أن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد انتهج منذ وصوله إلى السلطة سياسة تختلف عن سياسة أسلافه على الصعيدين الداخلي والخارجي وكذلك المحيط الإقليمي، فقام بأول زيارة له إلى الإدارة الصومالية في إثيوبيا لاحتواء الأزمة القائمة بين سكانها وسكان إدارة أوروميا المجاورة، كما بدأ تنفيذ الإصلاحات السياسية التي وعد بها فأفرج عن السجناء السياسيين ورفع حالة الطوارئ وأحدث تغييرات في المنظومة العسكرية الإثيوبية من خلال إقالة قيادة الجيش والمخابرات، وبالإضافة إلى ذلك قام فور توليه مهام منصبه بزيارة كل من جيبوتي وكينيا المجاورتين وأبرم معهما صفقات تجارية كبيرة كما تنازل لإريتريا فيما يتعلق بنزاعها الحدودي مع بلاده، وزار مصر لإزالة مخاوفها حول مشروع سد النهضة ومد يده إلى الدول العربية من خلال زيارته للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في شهر مايو الماضي واستقباله أيضا في أديس أبابا يوم الجمعة الماضي الموافق لأول أيام عيد الفطر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وكان كثير من المراقبين يتطلعون إلى معرفة موقف الزعيم الإثيوبي الجديد من القضية الصومالية، إلا أن زيارته المفاجئة لمقديشو أبدت أيضا تعامله مع الحكومة الصومالية بشكل مختلف عن تعامل القيادة الإثيوبية السابقة، وتضمنت الاتفاقية التي أبرمها مع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو قضايا إيجابية سواء تعلقت بالسياسة أو الأمن أو الاقتصاد، إلا إنه ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على ما ورد في الاتفاقية يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين ما تضمنته وبين الواقع الذي يعيشه الصومال.
ولا شك أن ما تم الاتفاق عليه كفيل بتحقيق نقلة نوعية في العلاقة بين الصومال وإثيوبيا إلا أن المعضلة في تطبيق الاتفاقية خاصة فيما يتعلق بالجانبين الأمني والاقتصادي، أما ما يتعلق بالجانب السياسي فإن تحقيق ما ورد فيها يقع على عاتق الحكومة الإثيوبية التي يجب عليها تغيير نهجها السياسي تجاه الصومال.
ويستبعد كثير من المحللين الصوماليين إمكانية تنفيذ ما اتفق عليه الزعيمان الصومالي والإثيوبي من تعزيز حركة التجارة بين الصومال وإثيوبيا وتطوير الموانئ والاستثمار فيها وبناء شبكة الطرق الرئيسية فإن ذلك يتطلب أولا تهيئة الأوضاع الأمنية وهي قضية يصعب تحقيقها رغم أن الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي اتفقا على محاربة الإرهابيين إذ إن بعثة الاتحاد الإفريقي التي تعتبر القوات الإثيوبية جزءا منها لم تنجح منذ أكثر من عشر سنوات في إعادة الامن ولاستقرار إلى الصومال حيث إن مسئولي الحكومة الفيدرالية لا يستطيعون حتى الوصول إلى أقرب المدن إلى العاصمة مقديشو برا حيث ينشط مقاتلو حركة الشباب في إقليمي شبيلي الوسطى وشبيلى السفلى المجاورين للعاصمة، وقد وصلت القيادة الصومالية إلى بيدوا عاصمة ولاية جنوب غرب الصومال التي استضافت مؤخرا مؤتمر مجلس الأمن الوطني عن طريق الجو بسبب انتشار مسلحي حركة الشباب في الطريق الذي يربط العاصمة بالمدينة، يضاف إلى ذلك أن سلطة الحكومة الصومالية لا تتجاوز العاصمة مقديشو.
ويتساءل كثيرون عن الموانئ الأربعة التي تم الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا على الاستثمار فيها حيث إن ميناء مقديشو الدولي هو الوحيد الذي تديره الحكومة الفيدرالية وقد استثمرت فيه تركيا أما الموانئ الأخرى في البلاد فإنها في أرض الصومال الانفصالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند وتديرها بالكامل الحكومات الإقليمية في تلك المناطق ولا توجد أية سلطة للحكومة الفيدرالية عليها، ويبدو أن معظم ما ورد في الاتفاقية التي توصل إليها رئيس الوزراء الإثيوبي مع الرئيس الصومالي عبارة عن إبداء حسن النوايا أما تحويلها إلى واقع فغير وارد على الأقل في الأمد المنظور.